أعلنت الحكومة المغربية، في 20 فبراير 2022، تنفيذ المخطط الخاص بإنشاء منطقة عسكرية جديدة تقع شرق البلاد، حيث سبق لرئيس الحكومة السابق “سعد الدين العثماني” أن أصدر مرسوماً في مايو 2020 يقضي بتخصيص قطعة أرض لبناء قاعدة عسكرية خاصة بالقوات المسلحة الملكية في إقليم “جرادة” على بعد 38 كم من الحدود المشتركة مع الجزائر، وتم تعيين الجنرال “محمد مقداد” قائداً لهذه المنطقة العسكرية الجديدة (له خبرات عسكرية كبيرة، وكان ضابطاً كبيراً في المنطقة الجنوبية وخاض مواجهات عسكرية كبيرة في الصحراء المغربية، وتقلد عدة مناصب قيادية كان آخرها قيادة قطاع واد درعة SOD)، وسيتم إنشاء هذه المنطقة على غرار المنطقة العسكرية الجنوبية التي يُشرف عليها الجنرال “فاروق بلخير”.
عوامل متعددة
يمكن تفسير اتجاه القوات المسلحة المغربية لإنشاء هذه المنطقة العسكرية الواقعة شرق البلاد، من خلال مجموعة من الأسباب، من أبرزها ما يلي:
1- القضاء على الجريمة المنظمة: يرتبط الهدف من إنشاء هذه المنطقة العسكرية بمحاربة عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، عبر الحدود المغربية الجزائرية المشتركة التي تصل إلى حوالي 1427 كم، والتي تنشط بها بعض عصابات الجريمة المنظمة التي تستغل حالة السيولة الأمنية في تلك المناطق الحدودية لتصعيد أنشطتها هناك. وفي هذا الإطار، تتهم الجزائر دوماً جارتها المغرب بالسماح لعصابات المخدرات بتهريب المخدرات إلى الداخل الجزائري، حيث أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية في مطلع فبراير الجاري أن قواتها تمكنت من ضبط كميات كبيرة من المخدرات القادمة من المغرب، وبالتالي فإن تواجد قوات عسكرية تابعة للمغرب في تلك المنطقة الحدودية متخذة من إقليم “جرادة” المغربي مركزاً لها من شأنه القضاء على هذه الأنشطة غير القانونية أو على أقل تقدير الحد منها.
2- رفع القدرات العسكرية للقوات البرية: رأت الحكومة المغربية أهمية تعزيز قدرات قواتها المسلحة وذلك من خلال إنشاء مناطق عسكرية جديدة، على غرار المنطقة العسكرية الجنوبية التي تم إنشاؤها من قبل، وإنشاء منطقة جديدة شرق البلاد على أساس النظام الدفاعي المتبع في القاعدة الجنوبية، لتصبح امتداداً استراتيجياً للمنطقة الجنوبية، الأمر الذي من شأنه رفع القدرات الخاصة بالقوات البرية بصفة عامة، وما لذلك من أثر إيجابي في تعزيز القدرات الدفاعية للقوات المسلحة المغربية، فضلاً عن حماية السيادة الوطنية على كافة أنحاء البلاد.
3- ردع الجزائر عن تهديد المملكة المغربية: إذ إن إنشاء منطقة عسكرية جديدة شرق البلاد، أي على الحدود الشرقية للمغرب مع جارتها الجزائر، جاء في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بناءً على قرار الجزائر بقطع علاقاتها مع الرباط في شهر أغسطس الماضي، وفي ظل تبادل الاتهامات بتبني سياسات عدائية ضد بعضهما بعضاً، وقد جاء الإعلان عن إنشاء هذه المنطقة العسكرية لتصبح وسيلة ردع ضد التهديدات الجزائرية للأمن القومي المغربي، خاصة وأن الجزائر قد أجرت بعض المناورات العسكرية خلال الفترة الأخيرة ونشرت بعض الصواريخ الدفاعية بالقرب من الحدود المغربية، وهو ما اعتبرته الرباط تهديداً مباشراً لأمنها القومي، بشكل يتطلب الرد على تلك التهديدات بإجراءات رادعة على الأرض.
وفي تصريحات لوزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” في شهر نوفمبر الماضي فقد اتهم صراحةً الجانب المغربي بتبنيه سياسات توسعية تستهدف فرض سيطرتها على ما يطلق عليه الحدود الحقة وليست الحدود القانونية، في إشارة إلى النزاع حول إقليم الصحراء مع جبهة البوليساريو، وهو ما يتناقض مع الرؤية المغربية لحل هذه القضية عبر الحكم الذاتي. ومن الجدير بالذكر أن قرار إنشاء قاعدة عسكرية شرق المغرب قد أثار غضب الجزائر من قبل، حيث عبّرت عن غضبها من قرار إنشاء ثكنة عسكرية مغربية، ومن شأن تنفيذ هذا القرار أن يزيد من حدة التوتر المتصاعد في العلاقات بين الدولتين.
4- مكافحة الإرهاب العابر للحدود الرخوة: يأتي اتجاه المملكة المغربية لإنشاء المناطق العسكرية، وتعميم سياسة دفاعية واحدة على مستوى هذه المناطق العسكرية، في إطار الإجراءات الاحترازية التي من شأنها تجنيب البلاد المخاطر والتهديدات الأمنية الناتجة عن تصاعد أنشطة بعض التنظيمات الإرهابية، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء، وإعلان فرنسا الانسحاب من مالي بعد انقضاء تسع سنوات من محاربة الإرهاب في شمال مالي ودول منطقة الساحل والصحراء، وما قد ينتج عن هذا الانسحاب من تصاعد محتمل في أنشطة تنظيمَيْ “القاعدة” و”داعش” وتشجيعهما على الرغبة في التسلل إلى دول المغرب العربي ومنها المملكة المغربية وارتكاب عمليات إرهابية داخل الأراضي المغربية.
دلالات هامة
يحمل قرار إنشاء المنطقة العسكرية الجديدة بإقليم “جرادة” شرقي البلاد، عدداً من الدلالات السياسية والعسكرية الهامة، من أبرزها ما يلي:
1- تعميم السياسات الدفاعية: أول منطقة عسكرية شرقاً في تاريخ القوات المسلحة المغربية تم اتخاذ قرار إنشائها قبل عامين تقريباً في عهد الحكومة السابقة لسعد الدين العثماني؛ إلا أن مستجدات الأزمة الدبلوماسية الراهنة بين المغرب والجزائر دفعت الرباط نحو الإسراع في تأسيس هذه المنطقة وتنصيب قائد لها لحماية الأمن القومي للبلاد ضد التهديدات الأمنية المحتملة التي قد يكون مصدرها الجزائر، وذلك بعد أن قررت القوات المسلحة تعميم السياسات الدفاعية على مستوى المناطق العسكرية لتأمين الحدود الشرقية والجنوبية.
2- تأهيل المناطق الحدودية: يرتبط قرار إنشاء منطقة عسكرية في إقليم جرادة الواقع شرق البلاد، بالاستراتيجية التي تتبناها الرباط والخاصة بتأهيل المناطق الحدودية عبر إنشاء ما أطلقت عليه الرباط “ثكنات”، كما أن المناطق الواقعة على الحدود المشتركة مع الجزائر قد تضررت من إغلاق الحدود المغربية الجزائرية، بشكل أدى إلى عزل المناطق الشمالية الشرقية التي تعاني أساساً من تهميش اقتصادي وتنموي، واعتماد هذه المناطق على تحويلات المغاربة العاملين في الخارج. وقد أشارت الرباط في ردها على الانتقادات الجزائرية قبل عامين، إلى عزمها إقامة ثكنات عسكرية على الحدود المشتركة معها.
وذكرت أن الثكنة التي تم إنشاؤها على الحدود مع الجزائر ليست لها أية مواصفات لقاعدة عسكرية، وأنها مخصصة للسكن. ورغم أنّ الإعلان عن إنشاء منطقة عسكرية في المنطقة جاء كما تمّ الإعلان عنها من قبل؛ إلا أن ذلك يأتي في إطار تنمية الرباط للمناطق الحدودية البعيدة عن المركز، بغرض إنشاء حائط صد وخط دفاع أول ضد أية تهديدات جزائرية لأمنها القومي، خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت عودة بعض المقاتلين المغاربة من صفوف داعش بالعراق وسوريا إلى دُوَلهم الأم، وهو ما قد ينتج عن ذلك من تهديدات محتملة بسبب ما قد يفكر فيه هؤلاء المقاتلون من إقامة فروع للتنظيمات الإرهابية بالمناطق الحدودية المهمشة.
3- تبنّي استراتيجية بناء القواعد العسكرية: حيث جاء الإعلان عن إنشاء المنطقة العسكرية الشرقية في ظل الاستراتيجية التي تتبناها المغرب والمتعلقة بإنشاء وتأسيس عدد من المناطق والقواعد العسكرية خلال الفترة القادمة، ومن ذلك إقامة قاعدة دفاع جوي في منطقة “سيدي يحيى الغرب”، شمال شرق العاصمة الرباط، هذا بالإضافة إلى بناء قواعد عسكرية وفقاً لاتفاقيات التعاون العسكري المشترك بين الرباط وعدد من القوى الإقليمية والدولية ومن بينها إسرائيل.
فقد شهدت الفترة الأخيرة توقيع اتفاقيات للتعاون العسكري بين تل أبيب والرباط تحصل بموجبه الأخيرة على أسلحة ومعدات عسكرية متطورة تكنولوجياً (طائرات بدون طيار، منظومات دفاع جوي …)، وأيضاً الاتفاق بين المغرب وإسرائيل على بناء قاعدة عسكرية في منطقة “أفسو” التابعة لإقليم “الناظور” شمال البلاد قرب مطار “العروي الدولي” جنوب مدينة “مليلية”، والحديث عن تلك القواعد العسكرية يرتبط ارتباطاً مباشراً برغبة الحكومة المغربية في الحفاظ على الأمن القومي للبلاد وتعزيز سيادتها الوطنية.
رسالة ردع
خلاصة القول، يكشف قرار الحكومة المغربية بإنشاء منطقة عسكرية على الحدود الشرقية لها مع الجزائر، عن اتباع الرباط استراتيجية أمنية تهدف إلى تأمين الحدود المغربية بغرض الحفاظ على الأمن القومي للبلاد ضد التهديدات الأمنية المترتبة على التصاعد المحتمل لأنشطة التنظيمات الإرهابية خارج الحدود، وفي الوقت نفسه إيصال رسالة ردع ضد التهديدات الجزائرية للأمن القومي المغربي.