حصلت الجزائر على عدد من الطائرات بدون طيار صينية الصنع في إطار صفقة بين الدولتين تحصل من خلالها الجزائر على 60 طائرة بدون طيار مع نهاية العام الجاري. وتهدف الجزائر من ذلك إلى تحقيق عدة أهداف، على رأسها: تعزيز القدرات العسكرية للجيش الجزائري ورفع جاهزيته القتالية، ومواكبة التطور التكنولوجي العالمي في مجال التسليح، وأيضاً تعزيز قدرات سلاح الجو الجزائري بما يمكّنه من مواجهة التهديدات الأمنية الناجمة عن تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية، وبالتالي الحفاظ على الأمن القومي للبلاد، والتأكيد على التفوق العسكري الجزائري في مواجهة المغرب. وجاء الحصول على هذه الطائرات في ظل سعي الجزائر لتصدير أزماتها الداخلية بوجود مخاطر وتهديدات خارجية، وتوظيف التفوق العسكري لتعزيز المكانة الإقليمية والقارية للجزائر.
فقد أعلنت بعض مواقع الدفاع المتخصصة “ديفينس إكسبريس”، في 29 يناير 2022، حصول الجزائر على خمس طائرات بدون طيار من (طراز CH5 Rainbow) التابعة لشركة “AVIC” الصينية محملة بصواريخ وقنابل موجهة قادرة على استهداف الدبابات والعربات المدرعة، إضافة إلى طلبها كذلك طائرات بدون طيار من نوع “WingLoong”، ومن المرتقب أن تتسلم طلبياتها اعتباراً من مارس 2022.
دوافع هامة
يمكن تفسير اقتناء القوات المسلحة الجزائرية للطائرات بدون طيار صينية الصنع، من خلال مجموعة من العوامل، من أبرزها ما يلي:
1- تعزيز القدرات الذاتية العسكرية: إذ جاء الحصول على هذه الطائرات الجديدة في إطار السعي الجزائري لتعزيز قدراتها العسكرية من خلال تطوير الأسطول الجوي، خاصةً وأن هذه الطائرات تتمتع بقدرات فائقة، حيث تستطيع التحليق لمسافة حوالي نصف ساعة بدون توقف، وتغطية مسافة تصل إلى حوالي عشرة آلاف كم، بسرعة تصل إلى 220 كم في الساعة الواحدة، كما أن هذه الطائرات معروفة بالانتحارية وأثبتت كفاءتها القتالية في عدد من الحروب والتدريبات الميدانية، حيث تمّ تقديم نموذج أولي لهذه الطائرة لأول مرة للجمهور خلال معرض الصين للطيران في مدينة زوهاي الصينية في نوفمبر 2016، هذا بالإضافة إلى حصولها على نظام صيني مضاد للطائرات بدون طيار قادر على اكتشافها على مسافة 500 كم وإلغائها إلكترونياً عند 300 كم، الأمر الذي يرفع من جاهزية القوات الجوية القتالية بالحصول على طائرات بدون طيار متخصصة في التجسس والدفاعات الجوية بشكل محدد.
2- تطوير سلاح الجو الجزائري: تأتي هذه الطائرات في إطار صفقة الطائرات بدون طيار التي ستحصل عليها الجزائر من الصين لتصل إلى حوالي 60 طائرة من طرازات مختلفة من الطائرت بدون طيار، فقد سبق لها الحصول على خمس طائرات من طراز CH-3، وخمس طائرات من طراز CH-4 في عام 2018، الأمر الذي يُسهم في تطوير سلاح الجو بشكل يرفع من كفاءته القتالية بصفة عامة، عبر تطوير الأسلحة التكنولوجية لتعزيز تفوقه الجوي.
3- التنافس العسكري مع المغرب: كما حصلت الجزائر على هذه الطائرات صينية الصنع بعد فترة وجيزة من إعلان المغرب حصولها على 13 طائرة مسيرة بدون طيار من طراز “بيرقيدار توبي 2” التي تصنعها شركة Baykar التركية، وكذلك الاتفاق مع إسرائيل للحصول على طائرات بدون طيار مقاتلة، وهو ما أزعج الجانب الجزائري ودفعه لعقد صفقات مع الصين للحصول على هذه الطائرات، حيث من المقرر أن تحصل الجزائر على صفقة طائرات بدون طيار يصل عددها إلى 22 طائرة سيتم استلامها تباعاً خلال العام الجاري، بما يعزز من قدراتها العسكرية، وهو الأمر الذي يؤكد على سباق التسلح القائم بين الجانبين المغربي والجزائري، وسعي كل دولة لرفع قدراتها العسكرية لحسم هذا السباق لصالحها، وبما يمكن توظيفه لردع أحدهما تجاه الآخر، وخاصة في ظل العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما بناء على قرار الجزائر في أغسطس الماضي.
4- مواجهة خطر الإرهاب المتصاعد: يمكن للقوات المسلحة الجزائرية توظيف هذه الطائرات في حربها ضد التنظيمات الإرهابية المتصاعدة في منطقة الساحل والصحراء وشمال إفريقيا والمغرب العربي، وعلى رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم داعش، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية المتعاظمة على الحدود الجزائرية الليبية. وهنا رأت الجزائر أهمية الحصول على طائرات بدون طيار تقوم بمهام جيواستراتيجية تراقب من خلالها الحدود المشتركة (تمتلك الجزائر حدوداً برية طويلة معظمها صحراوية تمتد لنحو 6343 كم) مع دول الجوار التي تعاني أزمات أمنية، كما أن هذه الطائرات يمكن عند استخدامها تقليل الخسائر البشرية في حالة اندلاع حرب ميدانية. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الجزائري، في سبتمبر الماضي، عن قيام طائرات من دون طيار جزائرية الصنع من طراز “الجزائر-54″، بتنفيذ طلعات استطلاعية جوية عدة متبوعة بقصف جوي بغرض تدمير أهداف لجماعات إرهابية.
5- تعزيز التفوق الإقليمي والقاري: تهدف الجزائر من الحصول على هذه الطائرات لمواكبة التطور التكنولوجي الذي يشهده المجتمع الدولي في المجالات العسكرية، وهو ما دفعها لتطوير ورفع قدراتها العسكرية بما يسهم في رفع تصنيف الجيش الجزائري على المستوى العالمي، بشكل يساعدها في تعزيز نفوذها ومكانتها الإقليمية في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، وأيضاً على مستوى القارة الإفريقية، وبالتالي يمكن لها من خلال هذا التطوير الحفاظ على التفوق العسكري الجزائري في منطقة شمال إفريقيا وجنوب البحر المتوسط، وبناء قوة ردع عسكرية متكاملة في مواجهة النفوذ المتصاعد لبعض القوى الإقليمية في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية.
دلالات هامة
هناك عدد من الدلالات السياسية والأمنية الهامة التي يمكن الإشارة إليها، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحصول الجزائر على صفقات الطائرات بدون طيار صينية الصنع، ومن أبرزها ما يلي:
1- ضمان التفاف المجتمع حول القيادة السياسية: تشير صفقات الطائرات بدون طيار التي حصلت عليها الجزائر إلى محاولات النظام السياسي القائم بالجزائر تصدير أزماته السياسية والاقتصادية الداخلية، من خلال تصدير صورة للرأي العام الداخلي بأن شراء هذه الطائرات جاء بغرض الدفاع عن الأمن القومي للبلاد ومواجهة التهديدات الأمنية الخارجية، ومن ثم ضمان التفاف أفراد الشعب حول القيادة السياسية برئاسة “عبدالمجيد تبون” الذي يواجه حراكاً شعبياً يرفض الاعتراف به ويتهمه بكونه امتداداً للنظام السابق، هذا إلى جانب عدد من المشكلات والأزمات الداخلية، وخاصة على المستوى الاقتصادي.
2- تنويع مصادر الحصول على السلاح: جاءت الطائرات بدون طيار التي حصلت عليها الجزائر من الصين في إطار السعي الجزائري لتنويع مصادر الحصول على السلاح والمعدات العسكرية، حيث تعد روسيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا من المصادر الرئيسية التي تعتمد عليها الجزائر في الحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية، وبالتالي رأت الجزائر أهمية تنويع مصادر الحصول على الأسلحة المتطورة تكنولوجياً من الصين، كما أن الحصول على طائرات “بيرقيدار تو بي 2” تركية الصنع قد تعذر خلال الفترة الأخيرة، بسبب الحظر الأمريكي المقرر على هذا النوع من الطائرات تركية الصنع، بسبب مشاركتها في الحرب الأخيرة بأذربيجان، ووجود حظر كندي على المحركات ووسائل الاستطلاع الخاصة بهذه الطائرات. كما أن تركيا أصبحت مصدراً لتسليح القوات المسلحة المغربية. ومن ناحية أخرى لم تستطع الجزائر الحصول على الطائرات الأمريكية بسبب التدقيق الأمريكي بشكل جعل إتمام صفقات الحصول على طائرات من هذا النوع صعبة، وهو ما دفع الجزائر لعقد هذه الصفقات مع الصين. وأشارت بعض المصادر الجزائرية إلى وجود اتفاق بين الجزائر ودولة جنوب إفريقيا في عام 2016 لصناعة طائرة بدون طيار تفوق سرعتها سرعة الصوت، إلا أن هذا التعاون لم يكتمل، حيث انقطعت الأخبار الخاصة بذلك التطوير منذ عام 2019.
3- تزامن حصول الجزائر على هذه الطائرات مع بدء مهام المبعوث الأممي الجديد “ستيفان دي ميستورا” لتسوية النزاع القائم حول إقليم الصحراء المغربية، في إطار الجهود الدولية المبذولة لتسوية هذا النزاع، حيث تواصل الجزائر دعمها السياسي والعسكري لجبهة البوليساريو، وهو ما يجعل الجزائر طرفاً رئيسياً لا يمكن إقصاؤه من أية محادثات أو مشاورات تحت رعاية الأمم المتحدة لحل هذه القضية، حيث ترفض الجزائر الاعتراف بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء، وفي المقابل تدعم الجزائر مطالب جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء شعبي لتقرير المصير، ومن ثم فإن تطوير القدرات العسكرية الجزائرية يمكن الاستناد إليها في تعزيز موقفها التفاوضي الداعم لجبهة البوليساريو في مواجهة المغرب، كما رفضت الجزائر المشاركة في المحادثات الخاصة بتسوية هذه القضية.
سباق تسلح
خلاصة القول، يشير حصول الجزائر على الطائرات الصينية بدون طيار إلى إدراك القيادة السياسية هناك ضرورةَ تطوير قدراتها العسكرية بالحصول على منظومات دفاع قوية تمكنها من الحفاظ على السيادة الوطنية لها ضد التهديدات الأمنية المتصاعدة في ظل بيئة إقليمية مضطربة تشهد تصاعداً لأنشطة التنظيمات الإرهابية في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، وفي الوقت نفسه تنامي سباق التسلح بين الجزائر والمغرب، الأمر الذي من شأنه رفع احتمالات عدم الاستقرار السياسي والأمني في منطقة المغرب العربي.