أخذت الأزمة السياسية في الصومال منحى خطيراً ومتسارعاً مع تصاعد حدة الخلاف بين الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبدالله محمد، المعروف باسم فرماجو، ورئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، إثر الخلاف حول تنظيم الانتخابات المنتظرة، وقرار أصدره الأول، في 28 ديسمبر 2021، بتعليق صلاحيات الأخير، والذي رفض الامتثال له. بينما أخذت القوات الموالية لرئيس الوزراء بالتمركز حول القصر الرئاسي في 29 ديسمبر. وفي الوقت نفسه، أشارت بعض تقارير الرصد الدولية والصومالية إلى تكثيف حركة الشباب الصومالية هجماتها الإرهابية، في 30 ديسمبر، على مدينة بلعد التي تقع على بعد 37 كم من العاصمة الصومالية مقديشيو. وتثير هذه التطورات المخاوف من تمدد حركة الشباب وسيناريو سيطرتها على العاصمة مقديشيو من ناحية، وخطر العودة إلى الحرب الأهلية من ناحية أخرى.
تعود بداية الأزمة الراهنة بين الرئيس الصومالي فرماجو ورئيس الوزراء إلى أبريل الماضي، حيث وقع أول صدام بينهما بسبب قيام الرئيس بمد فترة رئاسته لمدة عامين آخرين، مما دفع فصائل من الجيش متحالفة مع كل من الرجلين للسيطرة على مناطق مختلفة في العاصمة مقديشيو. ثم مارست الولايات المتحدة ضغوطها على الطرفين، بما في ذلك تهديد وزير الخارجية أنتوني بلينكين بفرض عقوبات على فرماجو، على نحو دفع الطرفين إلى تسوية الخلاف، وتكليف رئيس الوزراء روبلي بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية المؤجلتين، في حين ألغى البرلمان قرار تمديد الفترة الرئاسية. ومنذ ذلك الحين، توالت الخلافات بين الرجلين بشأن صلاحيات كل منهما، وتبادلا الاتهامات حول الفشل في تنظيم الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها في فبراير 2021.
فصل جديد
دخلت الأزمة السياسية في الصومال فصلاً جديداً مع تصاعد حدة الخلاف بين فرماجو وروبلي، حيث أصدر الأول قراراً في 28 ديسمبر بتعليق صلاحيات الأخير، ووجه إليه اتهامات بالضلوع في قضايا فساد، بينما رفض الأخير الاستجابة لقرار تعليق صلاحياته. ثم وجه الرئيس تعليمات لقوات الأمن بمحاصرة مجلس الوزراء، بينما اتجهت القوات الموالية لرئيس الوزراء بالتمركز حول القصر الرئاسي، في إشارة إلى لجوء الطرفين إلى التصعيد العسكري. ويمكن الإشارة إلى أهم أسباب تصاعد الخلاف السياسي فيما يلي:
1- الصراع على السلطة السياسية ورغبة كل طرف في إقصاء الآخر، لا سيما رغبة الرئيس فرماجو في إحكام سيطرته على السلطة قبيل الانتخابات الرئاسية المنتظر عقدها، واستخدام كل الوسائل لإضعاف وإقصاء رئيس الوزراء، حيث وجه الرئيس له اتهامات بالضلوع في قضايا فساد. وبينما علق الرئيس منصب رئيس الوزراء، أعلن الأخير أنه سيتولى منصب الرئيس، ووصف الرئيس بأنه “رئيس سابق”، وقال روبلي إن مكتبه تولى المسؤولية عن جميع الوظائف الحكومية، بما في ذلك قيادة الجيش، وإن فرماجو “لا يمكنه إعطاء الأوامر للقوات المسلحة، ولا يمكنهم تلقي الأوامر منه”.
2- اتهامات متبادلة بالفساد وتعطيل الانتخابات، حيث اتهم فرماجو روبلي بمصادرة أراضٍ مملوكة للجيش الصومالي. بينما اتهمه روبلي بمحاولة الانقلاب على الحكومة والدستور وقوانين البلاد. وتعمّقت الأزمة بعد اتهام قائد القوات البحرية، عبدالحميد محمد، لرئيس الحكومة بمصادرة أراض تابعة للبحرية الصومالية، وهو ما أدى إلى فتح وزير الدفاع الصومالي، حسن حسين، تحقيقات حول الاتهامات، وتطوّر الأمر إلى أن أجرى رئيس الوزراء تعديلاً وزارياً جزئياً تبادل فيه وزيرا الدفاع والعدل منصبيهما.
3- تنامي إجراءات التصعيد العسكري، لا سيما بعد اعتقال قائد الحرس الرئاسي، حسن عدن دييس، بتهمة تورطه في محاولة انقلاب. وجاء ذلك بعد أن أرسل دييس قوات إلى مكتب رئيس الوزراء بهدف الاستيلاء عليه، فيما وصفه مسؤولون حكوميون بـ”محاولة انقلاب فاشلة” دبرها رئيس الدولة، محمد عبدالله فرماجو. وكان قائد الجيش الصومالي، أودوا يوسف راجي، أقال حسن عدن دييس من منصبه قبل أن يأمر باعتقاله بسبب تلقيه تعليمات من الرئيس فرماجو بالقيام بالاستيلاء العسكري على مكتب رئيس الوزراء. واختير العقيد أحمد جيل قائداً جديداً للحرس الرئاسي، وذلك بعد يوم من وصول الصراع على السلطة في القيادة الصومالية لذروته. وطلب وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور من القوات المسلحة دعم مطاردة منظمي “الانقلاب الفاشل”، وحثهم على البدء في تلقي الأوامر من مكتب رئيس الوزراء، وليس من الرئيس فرماجو.
4- تنافس أمريكي-تركي على تعزيز أوضاع الفرقاء، حيث تشير بعض التقارير إلى دعم تركيا موقف الرئيس فرماجو، وفي مقابل ذلك هددت واشنطن في وقت سابق بفرض عقوبات على الرئيس فرماجو، وأعلنت أنها تدعم موقف رئيس الوزراء، وتوعدت القوى التي تضع العراقيل أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وقال مكتب الشؤون الإفريقية إن محاولة وقف روبلي عن العمل تثير القلق، وإن واشنطن تدعم جهوده لإجراء انتخابات سريعة وذات مصداقية”. وأضاف: “على جميع الأطراف الكف عن الأفعال والأقوال التصعيدية”.
مخاطر التصعيد
أدى تعليق مهام رئيس الوزراء إلى انقسام الأجهزة الأمنية والعسكرية وانحياز بعضها لرئيس الوزراء، وهو الأمر الذي ينطوي على المخاطر التالية:
1- خطر العودة إلى الحرب الأهلية، حيث تعاني الصومال من هشاشة بنيتها السياسية ونظامها الفيدرالي الذي يمنح أقاليمها حكماً ذاتياً، بينما تواجه البلاد اتجاهات وميولاً متنامية من جانب هذه الأقاليم للانفصال عن الحكومة المركزية، وخاصةً بعد أن تنامت ميول الانفصال لدى النخب اليائسة من تاريخ طويل من الشقاق والخلاف. وفي واقع الأمر لا تستطيع الحكومة في مقديشو السيطرة على معظم أنحاء البلاد، حيث تقوم العشائر والأقاليم الفيدرالية بتسيير أمورها إلى حد كبير.
ومن ثم فمن شأن التصعيد العسكري بين الرئيس ورئيس الحكومة أن يفتح المجال للفصائل الأخرى والولايات الطامحة للاستقلال بالانخراط في الصراع ودخول البلاد من جديد في أتون الحرب الأهلية، وخاصة أن معظم الولايات ترفض الإجراءات التي اتخذها الرئيس للسيطرة على السلطة. وقد أعلنت جماعات المعارضة الرئيسية أنها لن تعترف بفرماجو كرئيس للدولة، لأنه فشل في تنظيم الانتخابات في موعدها.
2- خطر عودة حركة الشباب وسيطرتها على السلطة، والتي تسعى منذ سنوات للإطاحة بالحكومة المركزية، حيث استفادت الحركة من إيقاف إدارة بايدن استراتيجية الضربات الحوية بالطائرات المسيرة لقواعدها، مما ساعدها على العودة بقوة. ومن ثم تبدو الحركة هي المستفيد الأول من الأزمة السياسية التي تستغلها بالفعل في تكثيف هجماتها على المدن الصومالية. وقد أشارت تقارير صومالية إلى أن الحركة سيطرت بالفعل في 29 ديسمبر الماضي على مدينة بلعد التي تبعد حوالي 37 كم عن العاصمة الصومالية مقديشيو. وقبل ذلك بأيام، سيطرت في 16 ديسمبر على بلدة تقع على بعد 30 كم جنوب دوسماريب عاصمة جلمدج بعدما غادرتها قوات الولاية.
كما سيطرت الحركة لفترة وجيزة على بلدة ماتابان قبل أن تستعيد قوات ولاية جلمدج السيطرة عليها. وتستغل الحركة فرصة المواجهات العسكرية المتنامية بين الحكومة الصومالية وحلفائها السابقين من جماعة أهل السنة والجماعة، وهي ميليشيا في جلمدج لعبت دوراً أساسياً في القتال ضد الحركة. وبلا شك فإن التصعيد العسكري بين القوات الموالية للرئيس والقوات الموالية لرئيس الوزراء سوف يوفر سياقاً أمنياً ملائماً للحركة لتوسيع عملياتها وهجماتها الإرهابية والزحف باتجاه العاصمة مقديشيو.
حرب الفصائل
خلاصة القول، يُشكل الصراع السياسي المتنامي بين الرئيس ورئيس الوزراء تهديداً كبيراً على استقرار الصومال، حيث تواجه الحكومة المركزية طموحات متنامية من جانب بعض أقاليمها للاستقلال، فضلاً عن اتجاه حركة الشباب لتوسيع هجماتها الإرهابية لاحتلال المدن والبلدات الصومالية، وسوف يؤدي التصعيد العسكري وتصاعد المواجهات بين الفصائل والمليشيات في العاصمة إلى انهيار الوضع الأمني، وربما تنجح حركة الشباب في استغلال الوضع في السيطرة على الحكم مستغلة انشغال هذه الفصائل بحربها مع بعضها بعضاً.
ومع ذلك، ليس من المتوقع أن تسمح إدارة بايدن، التي أبدت اهتماماً متزايداً بضرورة حل الأزمة، بسيطرة الحركة على السلطة، ولذلك يظل سيناريو سيطرة الحركة على السلطة في الصومال مستبعداً، لعدة أسباب، من أهمها أن إدارة بايدن لا تزال تنظر باهتمام كبير للمحافظة على استقرار الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بالشكل الذي يعزز من مصالحها الأمنية في المنطقة، لا سيما مواجهة النفوذ الصيني المتنامي. ولذلك تهتم واشنطن باستقرار الأمور في يد حكومات حليفة لها في المنطقة، لا سيما في إثيوبيا والصومال والسودان، وهي تجد أن التغيير السياسي في دول مثل الصومال وإثيوبيا سوف يعزز من نفوذها في حال وصول حكومات جديدة وحليفة لها في المنطقةـ بشرط ألا تؤدي الأزمات السياسية المرتبطة بهذا التغيير إلى المزيد من انهيار الوضع الأمني الذي بلا شكّ يضر بمصالحها واستقرار المنطقة.
التنين الأحمر
ولذلك، من المتوقع أن تبذل الولايات المتحدة كل جهدها وتمارس ضغوطها من أجل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الصومال خلال العام 2022، وأن تعمل على تكثيف عملياتها العسكرية ضد حركة الشباب. فبرغم إعلان الإدارة الأمريكية السابقة سحب القوات الأمريكية من الصومال، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري في المنطقة، لا سيما في جيبوتي وكينيا، ولا تزال قوة المهام المشتركة في القرن الإفريقي ومقرها القاعدة العسكرية الأمريكي في جيبوتي تضطلع بدور هام في مكافحة الإرهاب والتدخل في الأزمات، ناهيك عن أن الولايات المتحدة قد أعلنت في نوفمبر الماضي عن تشكيل قوة مهام جديدة أطلقت عليها “التنين الأحمر” Red Dragon Task force، والمتوقع أن تبدأ مهامها في مطلع العام 2022، وذلك لدعم قوة المهام المشتركة في القرن الإفريقي للقيام بمهامها في مكافحة الإرهاب والتدخل في الأزمات.