عام آخر للصراعات والرهانات واللانظام – الحائط العربي
عام آخر للصراعات والرهانات واللانظام

عام آخر للصراعات والرهانات واللانظام



عام 2022، الذي يبدأ اليوم، مثقل بالأزمات، ومملوء بالرهانات، ومحكوم باللانظام. أزمات هادئة وصاخبة، مجمدة ومتحركة، محصورة في مكان، وممتدة إلى أمكنة عدّة.

رهانات على التغيير بالانتخابات، على معادلات ربح – ربح، وخسارة ربح بالصفقات، وعلى الحماية من الانهيار بالحفاظ على الستاتيكو. واللانظام العالمي ليس مجرد وريث نظام الجبارين الأميركي والسوفياتي، ولا نظام الأحادية الأميركية، بل خليط من تعدد الأقطاب على القمة في طبعة جديدة ومنفتحة من الحرب الباردة التي انتهت قبل ثلاثة عقود بسقوط جدار برلين، ثم الاتحاد السوفياتي، ومن طموحات القوى الإقليمية ومطامعها في بلدان مجاورة.

شيء من الرغبة في “تصحيح” ما صنعته القوى المنتصرة في الخرائط بعد سقوط السلطنة العثمانية والإمبراطورية النمساوية -المجرية في الحرب العالمية الأولى. وشيء من الطموح إلى تصغير بدل تكبير الخرائط التي حصلت على الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية.أما الخوف من حرب عالمية ثالثة، فإن علاجه هو ترتيب حروب صغيرة في المناطق الرمادية بين الكبار والبحث عن تسويات محدودة في صراعات ممدودة. وأما الأمل في بناء نظام عالمي جديد ونظام إقليمي جديد في كل منطقة، فإنه يصطدم بغياب رجال الدولة الرؤيويين وحضور التنافس الغريزي على النفوذ والمصالح وحتى الأرض.اللعبة على القمة معقدة جداً. تبادل العقوبات الاقتصادية بين أميركا والصين وروسيا يؤذي القوى الثلاث ولا يبدل كثيراً في المواقف. أميركا عاجزة عن “احتواء” الصين كما فعلت بنجاح مع الاتحاد السوفياتي. فالصين مزدهرة اقتصادياً، ولاعب قوي في الاقتصاد العالمي وفي منظمة التجارة الدولية وشريك استثماري في أميركا، وتاجر بارع في توظف آليات السوق والنظام الرأسمالي لمصلحتها، وحليف روسيا. وعلى العكس كان الاتحاد السوفياتي ضعيفاً اقتصادياً وخارج النظام الرأسمالي عملياً، وكانت الصين أيام ماو ودينغ متحالفة مع أميركا.واللعبة في الشرق الأوسط معقدة أيضاً. الصراع العربي – الإسرائيلي انقسم إلى صراعات وتسويات منفردة، وتداخل مع صراع جديد هو الصراع العربي مع مشروع “ولاية الفقيه” الإيراني ومشروع “العثمانية الجديدة” التركي.

الصفقة المفترضة بين أميركا وإيران على أساس الاتفاق النووي تشكل خطراً على العالم العربي من الخليج إلى البحر المتوسط. في لبنان الذي ينهار رهانات داخلية وعربية ودولية على التغيير والإصلاح من خلال الانتخابات النيابية في الربيع والرئاسية في الخريف، ورهانات معاكسة على الفراغ وتعطيل الانتخابات. الانتخابات المقبلة في ليبيا وتونس والسودان وسوريا بعد الانتخابات التي جرت في العراق تواجه معضلة صعبة.

إما أن تأتي نتائج الانتخابات كما يريدها الطرف القوي لمصلحته ويصر على أن يتأكد من ذلك سلفاً، وإما أن يرفض الخاسرون الاعتراف بالنتائج مع تهديد بالعنف.ولا أحد يعرف متى تنتهي حرب الحوثيين على اليمن وقصف المدنيين في السعودية. ولا حرب سوريا الموزعة بين “خمسة جيوش” أجنبية تتحكم بمناطق منها. ولا الصراعات الجهوية والقبلية والخارجية في ليبيا. ولا تهديدات الميليشيات الإيرانية لأي تحرك عراقي نحو استعادة السيادة والدور والعودة إلى الحضن العربي.في بدايات عام 2020 وانتشار كورونا في العالم كله بعد ظهورها في أواخر عام 2019 في الصين، تنافس الخبراء في تصور صورة العالم بعد كورونا.

وما كان قليلاً عدد الكتب التي صدرت حول الموضوع. البروفيسور كلاوس شواب في كتاب “كوفيد-19 إعادة التشغيل الكبرى والضبط”، قال إن الوباء “فرصة لإطلاق مسار جديد يساعد الرأسمالية المعولمة، ويعطي الحكومات دوراً أكبر”. سكوت غالواي في “ما بعد كورونا” رأى “صعود الشركات الكبرى التي تصعب مراقبتها”. جيمس ريكاردز في “الكساد الكبير الجديد” أوحى أن المتغيرات “ستكون دائمة وثابتة خلال ثلاثين عاماً”.فريد زكريا في “عشرة دروس” تصور أن “الوباء القبيح فتح الطريق إلى عالم جديد”. كثيرون تحدثوا عن دور كورونا في “فتح معركة لتحسين الحوكمة”. و”نادي فالداي” في روسيا رأى وراء الحديث عن الحاجة إلى العمل المشترك “كيف ازدهرت الأنانية القومية وبدأ الكلام على انهيار المؤسسات الدولية”، “لكنه راهن على “انسجام الاعتدال عندما لا يستطيع أحد الحصول على كل شيء”.والوقت لا يزال مبكراً للحكم على هذه النظريات قبل أن تمر في امتحانات الواقع.

نقلا عن اندبندنت عربية