في تحول متوقع لاستراتيجية التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، أعلن التحالف عن تشكيل “مجموعة عمل مركزة حول أفريقيا”، وفقاً لما ذكرته صحيفة “ستارز آند سترايبس” التي تصدر عن الجيش الأمريكي، في 11 ديسمبر الجاري، وهو التحول الذي تمت صياغة ملامحه في قمة روما للتحالف الدولي التي عقدت في 28 يونيو الماضي، حيث أشار وزراء خارجية الدول المشاركة إلى أهمية متابعة نشاط التنظيمات الإرهابية في أفريقيا في وقت تتصاعد العمليات الإرهابية بالقارة. ويهدف التحالف من هذه الخطوة إلى رصد تطور الحالة “الجهادية” للتنظيمات الإرهابية المنتشرة في أفريقيا وتعزيز تبادل المعلومات مع الدول الأفريقية والقوى الإقليمية المعنية بمكافحة الإرهاب، حيث جاء الإعلان عن هذه الخطوة بعد ساعات من إعلان العراق، في 9 ديسمبر الجاري، عن انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي، على نحو يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تحول اهتمام التحالف الدولي ضد “داعش” تجاه أفريقيا.
دوافع رئيسية
يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة فرضت على التحالف الدولي ضد “داعش” الاتجاه غرباً صوب القارة الأفريقية، يتمثل أبرزها في:
1- تصاعد العمليات الإرهابية في أفريقيا: احتلت القارة الأفريقية المرتبة الأولى في عدد الهجمات الإرهابية التي نفذتها تنظيمات جهادية تابعة لتنظيم “القاعدة”، خلال عام 2021، ومنها حركة “شباب المجاهدين” في الصومال، وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بمنطقة الصحراء، بالتوازي مع تنامي نشاط تنظيم “داعش” في مناطق ارتكازه الثلاثة في غرب ووسط أفريقيا والصومال.
2- الاستحواذ الجهادي لتنظيم “داعش”: تمكن تنظيم “داعش” من تعزيز نفوذه داخل القارة، على نحو بدا جلياً في سيطرته على بعض أفرع التنظيمات التابعة لتنظيم “القاعدة”، كما حدث بإعلان حركة “بوكو حرام” (مجموعة أبوبكر شيكاو) البيعة لتنظيم “داعش” في أعقاب مقتل زعيم التنظيم أبوبكر شيكاو على يد مقاتلي الأخير، بالإضافة إلى تصاعد نشاطه في منطقة الساحل والصحراء ووسط أفريقيا إلى جانب الصومال وليبيا، ومحاولاته الأخيرة لإنشاء نقاط ارتكاز جديدة في السودان وبعض دول جنوب القارة.
3- استغلال الانسحاب الأمريكي والفرنسي: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ فبراير 2020، عن تخفيض عدد القوات العسكرية المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مع تقليص عدد القوات الجوية المشاركة في الحرب على الإرهاب والتي تتمركز في إحدى القواعد التشادية، وهو ما أثر وبشكل مباشر على قدرات القوات العسكرية الفرنسية الفاعلة في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، ودفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى إعلان أن وجود بلاده في هذه المنطقة “لن يستمر إلى الأبد” خلال قمة الساحل الأفريقي التي عقدت في 9 يوليو الماضي.
وقد أعقب تصريح الرئيس الفرنسي إعلان وزارة الدفاع الفرنسية، في 16 سبتمبر الماضي، عن بدء عملية إعادة تنظيم جيشها وتقليص عدد أفراده في منطقة الساحل الأفريقي. ومن المقرر أن يتم تخفيض عدد القوات الفرنسية المنتشرة في منطقة الساحل من أكثر من 5 آلاف عنصر حالياً إلى 2500 أو 3000 بحلول عام 2023، وفق هيئة الأركان العامة الفرنسية، حيث سيتم في البداية خفض عدد القوات بنحو ألف شخص بحلول مارس القادم. ويبدو أن هذه التطورات كان لها دور في اتجاه تنظيم “داعش” نحو توسيع نطاق عملياته الإرهابية من أجل استغلال حالة الارتباك العسكري في المنطقة، بشكل دفع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب إلى إعادة تقييم الحالة الأمنية في القارة الأفريقية وإعادة التركيز عليها، ولاسيما بعد إعلان انتهاء العمليات القتالية للتحالف في العراق في 9 ديسمبر الجاري.
4- ضبط مسار التفاوض المحتمل: مع تراجع تأثير القوات العسكرية الغربية المُكلَّفة بمكافحة الإرهاب في أفريقيا نتيجة الانسحاب العسكري الأمريكي من الصومال ومنطقة الساحل، اتجهت بعض دول المنطقة إلى إجراء حوار مع بعض التنظيمات الإرهابية في محاولة للحد من تصاعد العمليات الإرهابية ضد قوات الأمن والمدنيين، كما يجري بين الحكومة المالية وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، وهو ما يمكن أن يفرض تهديدات لأمن ومصالح بعض القوى الإقليمية والدولية، ويبدو أن ذلك كان أحد دوافع التحالف الدولي للتوجه نحو أفريقيا في محاولة لـ”إعادة التوازن” تجاه التنظيمات الإرهابية بالقارة الأفريقية قبل أن تبدأ في استغلال المعطيات الجديدة التي يفرضها هذا الخيار لتعزيز نفوذها داخل دول القارة.
5- منع انتقال المقاتلين إلى أفريقيا: مع تكثيف الضربات الأمنية ضد تنظيم “داعش” في كل من سوريا والعراق، وتراجع فاعلية تنظيم “القاعدة” في اليمن، بدأ العديد من العناصر المتطرفة في البحث عن مناطق ارتكاز جديدة، على غرار القارة الأفريقية، التي اعتبروا أنها يمكن أن تمثل بديلاً آمناً، على نحو دفع المشاركين في قمة التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” التي عقدت بروما في 28 يونيو الماضي، إلى التأكيد على أهمية منع انتقال العناصر الإرهابية إلى أفريقيا، حيث قال وزير الخارجية الإيطالي لويغي دي مايو في هذا السياق: “نراقب المناطق التي بدأ يعود إليها داعش، بجانب الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي”، مشيراً إلى أن “دول التحالف تخشى أن يكون هناك انتشار للتنظيم في أفريقيا”، وأكد على حدوث تقارب بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص منع حدوث أى انتقال للعناصر والتنظيمات الإرهابية إلى أفريقيا وخاصة دول الساحل لاسيما النيجر ومالي.
6- حماية المصالح الاقتصادية الغربية: تمثل المصالح الاقتصادية أحد المتغيرات الرئيسية التي تدفع الدول الغربية إلى رفع مستوى اهتمامها بالتطورات التي تجري على الساحة الأفريقية، حيث ترى أن تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في القارة يفرض تهديدات مباشرة لتلك المصالح، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بقوله، في اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في كيجالي، في 26 أكتوبر الماضي: “ستضع فرنسا تعزيز الشراكة الأوروبية الأفريقية- من إعادة إطلاق الدورة الاقتصادية حتى محاربة الإرهاب- ضمن أولوياتها خلال ترؤسها الاتحاد الأوروبي في الفصل الأول من العام 2022″، مضيفاً أن “تعزيز الشراكة الأوروبية-الأفريقية هو أولوية لفرنسا وستكون هذه الأولوية في قلب رئاستنا للاتحاد الأوروبي”.
تحول جديد
ختاماً، يبدو أن انتهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي ضد “داعش” في العراق سوف يمثل مرحلة جديدة للجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية، حيث يمكن القول إن التحالف بات يتبع سياسة أكثر مرونة تقوم على الانتقال إلى المناطق الجاذبة للتنظيمات الإرهابية من أجل منع الأخيرة من تكريس نفوذها وتعزيز تمددها في دول عديدة تواجه أزمات داخلية مستعصية، أو بمعنى أدق من أجل منع تكرار ما حدث في العراق خلال الأعوام السبعة الأخيرة.