يؤكد إعلان الفشل الذريع لاجتماعات اللجنة الدستورية، وما أعقبها من تفاعلات ومواقف في المستويين السياسي والميداني، ولا سيما التصعيد والتحشيد العسكري في شمال غربي سوريا، أن القضية السورية، دخلت في مرحلة وقت ضائع بين توقف حل سياسي محاط بالأوهام يمثله وجود اللجنة الدستورية وجهودها المتباطئة، واحتمالات الدخول في واحدة من مراحل الحل العسكري عبر اندلاع حرب على جبهة حلب – إدلب بين تركيا وحلفائها السوريين من جهة، ونظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين من جهة أخرى.
قبل الوقت الضائع، لم يكن السوريون يفعلون شيئاً سوى انتظار الآخرين، وهو انتظار محاط بالخيبة المبرهن عنها في خلاصات الأعوام العشرة الماضية، التي رسمها من انتظر السوريون منهم الدعم وتأييد الثورة، وتوقعوا منهم على الأقل عقاباً لنظام الأسد وحلفائه على ما ارتكبوه من جرائم بحق السوريين قتلاً وتشريداً وتدميراً، وتجسدت فكرة الانتظار في سلوك المعارضة السياسية، ولا سيما الائتلاف وهيئة المفاوضات، وقد أضافا إليها صمتاً في التعامل مع تطورات القضية السورية أو تجاهلاً من جهة، وترويج الأوهام، ولا سيما تلك التي أشاعوها عن اللجنة الدستورية و«النجاحات» المزعومة التي حققتها تحركاتهم، وقد سقطت جميعها، كما سقطت أوهام التشكيلات المسلحة في شمال غربي سوريا في منطقة النفوذ التركي – كما يسمونها – عن القيام بأي عمليات ترد هجمات نظام الأسد وحلفائه الروس على المنطقة أو التخفيف من آثارها على الأقل.
وسط تلك الوقائع، قد يكون من المفيد رسم سيناريو، لما يمكن أن يفعله السوريون في المرحلة المقبلة، عشية الذكرى الحادية عشرة للثورة، والتي تحل في النصف الأول من مارس (آذار)، والسيناريو لا ينتسب إلى عالم الخيال، بل هو رؤية مستمدة من نقاشات وحوارات وكتابات، شغلت بال بعض السوريين في العام الأخير أثناء سعيهم ومحاولتهم الإجابة عن أسئلة الواقع السوري.
أولى محطات السيناريو، أنه إزاء الفشل الذي أصاب الجهود – أقرأها الرغبات – الروسية بالوصول إلى حل سوري وفق تصورات موسكو، فإن الاتجاه يسير نحو إعادة الاعتبار للحل الأممي وفق مسار جنيف، ولا سيما القرار الدولي 2254 لعام 2015. لكن مع سعي روسي لتكون بصمة موسكو فيه واضحة، ولئن كانت هناك اعتراضات غربية على تلك البصمة، فإن الغربيين، يمكن أن يساوموا، ويتنازلوا للوصول إلى خطوات تنفيذية مع موسكو، والبدء بمسار حل يتم فرضه على السوريين بتوافق الأطراف.
وسط هذه الاحتمالات، فإن مهمة السوريين الأساسية هي إعادة تأكيد أن مسار جنيف، والقرار الدولي 2254 وانطلاقاً من هيئة حكم انتقالي، يشكلان أساساً لحل في سوريا، وينبغي أن تتضافر في هذا الإطار كل جهود القوى السياسية والمدنية وعموم السوريين ومن رغب من الجماعات والتشكيلات المسلحة، ليكون صوت السوريين بكل قواهم أو أغلبها وموقفهم واحداً أمام العالم كله.
ورغم أن مسار الحل السياسي وفق جنيف والقرار 2254، يتضمن إشارات قوية وحاسمة بضرورة حل موضوع المعتقلين والعودة الآمنة للنازحين واللاجئين إلى بيوتهم، فإن من الضروري التركيز في الصوت السوري الواضح، الإصرار على طرح الموضوعين، والدفع نحو مباشرة خطوات عملية فيهما.
وإن كانت أصوات عدة وربما كثيرة، لا تجد في الجزء السابق من السيناريو شيئاً جديداً، وقد تضيف قول أن لا فائدة ترجى منه، مشيرة إلى سلبية نتائج السنوات الماضية على صعيد الحل، لكن ذلك يشكل موقفاً متسرعاً، لا يدقق في خلفيات السيناريو، التي ترى أنه لا يتعلق باستدعاء جنيف والقرار 2254 فقط، بل أعادتهما إلى الواجهة في إطار خلق بيئة سورية جديدة في التعامل مع القضية السورية عموماً ومع حلها على وجه الخصوص؛ ذلك أن من مصلحة السوريين إعادة إحياء التوافق الدولي حول الحل الذي وإن كان لا يحقق أهداف السوريين في ذهاب نظام الأسد وفق تصوراتهم، فإنه يضع الحال السوري على قاعدة التغيير، وهذا جوهر مطالب السوريين وأبرز أهدافهم. والأمر الثاني، أنه يساعد في توفير قاعدة توافق سوري أوسع، بعد أن شبع السوريون خلافات واختلافات على مدار السنوات العشر الماضية، وصار من الضرورة الملحة تبريد الخلافات والاختلافات، وإحدى أهم السبل في ذلك تبني طروحات ومواقف موحدة متبناة من المجتمع الدولي، كما أن من الضروري جداً إعادة تفعيل المشاركة السياسية والمدنية والشعبية في الشأن العام بعد أن شهدنا اعتكافاً وعزلة من أوساط واسعة، وتنامي تيار واسع يندرج في إطار النقد السلبي، بدلاً من أن يكون في إطار الفاعلية الإيجابية والمبادرة في آن معاً.
إن تركيز محتويات السيناريو على الأمور السياسية الرئيسية، لا ينبغي أن يتجاهل ما تشهده القضية السورية من تطورات سياسية وميدانية، ومنها مشاكل الوجود السوري في تركيا، وتنامي النزعات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في بعض الدول الأوروبية، وعمليات إعادة السوريين من لبنان إلى سوريا بطريقة قسرية، واحتمالات الحرب في الداخل السوري سواء كانت حرب النظام وحلفائه على منطقة النفوذ التركي في إدلب وريف حلب، أو احتمالات حرب تركيا مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، ويفترض أن يسعى السوريون إلى وقف ومعارضة كل احتمالات الحرب في إطار حاجتهم إلى ضرورة وقف قتل وتشريد وتدمير السوريين؛ لأنهم الوحيدون الذين يدفعون فاتورة الحرب من دمائهم، ومن القليل مما باتوا يملكونه من قدرات مادية تتناقص، ولكل ما سبق، من المهم التركيز في المرحلة المقبلة على شعار يرفض قتل السوريين أو اعتقالهم وإخفاءهم أو ترحيلهم لأي سبب كان، وينبغي رفض وإدانة أي سلوك مما سبق واعتباره جريمة وطنية وأخلاقية وجنائية تستحق العقاب.
ولا يحتاج إلى تأكيد، أن طرح المهمات الأساسية في سيناريو الوقت السوري الضائع، يحتاج إلى توفير بيئة عمل مناسبة، تقوم على تهدئة الصراعات والخلافات التي تغذت على التدخلات الخارجية وعلى الظروف الصعبة التي عاشها السوريون في السنوات الماضية وعلى الخلافات الآيديولوجية والسياسية الجديدة منها والموروثة من عهود الديكتاتورية والاستبداد، ويفترض أن تترافق تهدئة الصراعات وتبريدها مع إحياء علاقات التعاون والتآزر بين السوريين من أجل التغلب على الصعوبات أياً كان سببها أو محتواها؛ لأن إشاعة بيئة إيجابية بما فيها من تسامح وتعاون سوف، يساعد بصورة جوهرية في تبدل حياة السوريين، ويفتح أفقاً يستفيد منه ومن نتائجه السوريون وغيرهم.. إنه يحقق مصلحة الجميع.
نقلا عن الشرق الأوسط