مداخل متعددة:
كيف يواجه الرئيس التونسي التدخلات الدولية لإنهاء الحالة الاستثنائية؟

مداخل متعددة:

كيف يواجه الرئيس التونسي التدخلات الدولية لإنهاء الحالة الاستثنائية؟



يواجه الرئيس التونسي “قيس سعيد” ضغوطاً داخلية وخارجية متصاعدة على حد سواء، من أجل إنهاء الأوضاع الاستثنائية التي تم فرضها منذ 25 يوليو الماضي، ولا يزال العمل بها سارياً حتى الوقت الراهن. ورغم تشكيل حكومة جديدة برئاسة “نجلاء بودن” لإدارة الأوضاع السياسية والاقتصادية والصحية المتفاقمة في البلاد؛ إلا أن القلق الدولي تجاه احترام الحقوق والحريات والممارسات الديمقراطية في تونس، لا يزال قائماً.

وفي هذا السياق، فقد أصدرت رئاسة البرلمان التونسي “المجمد” بياناً، في 20 أكتوبر 2021، طالبت فيه الرئيس “قيس سعيد” بالعودة عن قراراته الاستثنائية، ورفع التجميد عن أعمال مؤسسات الدولة الدستورية، وخاصة البرلمان، وإعادته للعمل مرة أخرى، ووصفها القرارات الرئاسية الخاصة بالإجراءات الاستثنائية بـ”غير الدستورية” والتي تعد خرقاً للفصل الـ80 من الدستور.

ضغوط متزايدة

اتخذ التدخل الدولي في الأزمة السياسية الراهنة في تونس، صوراً متباينة من قبل القوى الدولية المنخرطة والمهتمة بتطورات الأوضاع السياسية التونسية، وذلك على النحو التالي:

1- زيارات مكثفة لمسؤولي بعض الدول الأجنبية إلى البلاد لمتابعة تطورات الأوضاع السياسية في تونس، ومن أبرزها زيارة “يال لامبارات” مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ولقاؤها مع وزير الخارجية التونسي “عثمان الجرندي” في 20 أكتوبر الجاري، للتأكيد على استمرار الدعم الأمريكي لمواصلة ما أسمته “المسار التصحيحي”، وهي زيارة تؤكد على القلق الأمريكي إزاء تطورات الأوضاع السياسية في تونس.

2- إجراء جلسات استماع في المؤسسات النيابية والتمثيلية بشأن الأوضاع داخل تونس، وهو ما تَمثل في تخصيص الكونجرس جلسة لمناقشة الملف التونسي، والإعراب عن قلق واشطن إزاء تعثر المسار الديمقراطي وما قد يترتب على ذلك من إفساح المجال أمام التنظيمات الإرهابية إلى الداخل التونسي من ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، وما قد يؤدي إليه ذلك من تفجر للأوضاع الأمنية داخل تونس، والتأثير سلباً على مصالح الدول الأجنبية. وجاءت زيارة المسؤولة الأمريكية لتونس عقب زيارة وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية للتعبير أيضاً عن القلق الأوروبي نفسه تجاه الأوضاع السياسية الحالية في تونس، وخاصة في ظل تجميد عمل البرلمان.

3- التلويح بإجراءات صارمة إزاء استمرار الأوضاع الاستثنائية، وهو ما جاء في التصريحات الأخيرة للممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “جوزيل بوريل” الذي دعا الرئيس “قيس سعيد” إلى ضرورة إعادة البرلمان إلى عمله الطبيعي مرة أخرى، وطالبه بالحفاظ على مصداقية تونس على المستويين الداخلي والخارجي بإعادة النظام الدستوري والمؤسساتي، واحترام الفصل بين السلطات، وفي حالة عدم الاستجابة لذلك فسيتم اتخاذ إجراءات صارمة (دون أن يحدد ماهية هذه الإجراءات)، في إشارة إلى طبيعة الضغوط الأوروبية الحالية ضد الرئيس التونسي بسبب استمرار الوضع الاستثنائي في البلاد.

4- تصويت أعضاء البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة (534 صوتاً من إجمالي 685 نائباً) على مشروع قانون خاص بالأوضاع السياسية الراهنة في تونس، والذي ينص على دعوة الرئيس التونسي “قيس سعيد” للعودة إلى العمل الطبيعي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك العودة إلى الديمقراطية الكاملة واستئناف النشاط البرلماني في أقرب وقت ممكن، كجزء من الحوار الوطني، والإعلان عن خارطة طريق واضحة، واحترام الدستور والحقوق والحريات.

5- تجميد عضوية تونس في اتحاد برلمانات الدول الفرانكفونية، وتأجيل قمة البلدان الفرانكفونية التي كان من المقرر تنظيمها بنهاية العام الحالي في جزيرة “جربة” السياحية التونسية، وذلك بناءً على التصريحات التي أطلقها الرئيس التونسي الأسبق “المنصف المرزوقي” بشأن عدم دستورية الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس “قيس سعيد” وما زالت مطبقة حتى الآن، ومطالبته فرنسا بالتدخل المباشر لوقف هذه الإجراءات.

مواجهة متعددة

في هذا السياق، لجأ الرئيس التونسي “قيس سعيد” إلى جملة من الإجراءات التي قد تمكنه من مواجهة هذه التدخلات الدولية، والحد من الضغوط المتزايدة من قبل هذه القوى، ومن ذلك ما يلي:

1- توجيه انتقاد للتدخلات الأجنبية، حيث واصل الرئيس “قيس سعيد” توجيه انتقاداته للدول الأجنبية، واتهامها بمحاولة النيل من سيادة الدولة التونسية، وذلك في كل اللقاءات التي تجمعه بممثلين أو مسؤولين عن تلك الدول، وعبّر عن رفضه لتدخلاتهم في الشؤون الداخلية للبلاد، وحملها مسؤولية تجميد عضوية تونس في اتحاد برلمانات الدول الفرانكفونية، الأمر الذي استدعى آلاف النشطاء والشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم حملات إلكترونية لمساندة وتأييد الخطاب السياسي للرئيس “قيس سعيد” ضد تدخل الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية لبلادهم.

2- إجراء حوار وطني واسع: دعا رئيس الدولة “قيس سعيد” إلى إجراء حوار وطني بمشاركة الشباب والقوى السياسية الوطنية، مع استبعاد من وصفهم الرئيس “سعيد” بمن تورطوا في قضايا الفساد المالي والإداري، وكذلك من تورط في الاستقواء بالخارج (في إشارة إلى حركة النهضة)، على أن يتطرق هذا الحوار إلى موضوعات هامة على رأسها تغيير النظامين السياسي والانتخابي، مع تحديد سقف زمني محدد لهذا الحوار، مع وضع آليات محددة تهدف في نهاية الأمر إلى طرح توصيات ومقترحات في إطار مؤتمر وطني. غير أنه في دعوته للحوار لم يُحدد الأطراف التي ستشارك في الحوار باستثناء الشباب الذين أشار إليهم “سعيد”، وهو ما دفع الاتحاد التونسي العام للشغل إلى اشتراط توضيح الأهداف والآليات والعمل ضمن مقاربة توافقية تشاركية، وأن الاتحاد كمنظمة نقابية لن تتراجع عن حقها في تطبيق اتفاقيات القطاعين العام والخاص التي أفرزتها المفاوضات الاجتماعية فيما قبل 25 يوليو الماضي.

3- تمديد الإجراءات الاستثنائية والتأكيد على دستوريتها، وذلك بعد أن تم تمديدها للمرة الثانية في 22 سبتمبر الماضي. ورغم تشكيله حكومة جديدة، إلا أنه لا يزال يطبقها، وخاصة فيما يتعلق بتجميد عمل البرلمان، الذي يعد من الناحية الفعلية قد انتهت صلاحياته وسلطاته، حيث علق الرئيس “سعيد” العمل بالدستور أيضاً، وهو ما يعني أن الفترة القادمة سوف تشهد صياغة دستور جديد وقانون انتخابي جديد، والإعداد لتغيير النظام السياسي القائم ليصبح نظاماً رئاسياً، وفي ذلك إشارة واضحة من الرئيس “سعيد” لرفضه الرجوع إلى مرحلة ما قبل 25 يوليو التي يطالب بها أعضاء النهضة، وأنه مستمر في تطبيق كافة الإجراءات التي تُمكّنه من تغيير المشهد السياسي في البلاد بما يتماشى مع توجهاته السياسية لحماية الدولة التونسية من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.

4- مواصلة حملة مكافحة الفساد، فالرئيس “قيس سعيد” لا يزال مستمراً في توجيه الحكومة الجديدة برئاسة “نجلاء بودن” بفتح ملفات الفساد المالي والإداري والسياسي، لكشف الغطاء عن الشخصيات والجهات المتورطة في هذه القضايا أمام الشعب التونسي، وكذلك الأحزاب السياسية والشخصيات التونسية التي تطالب الدول الأجنبية بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وفي هذا الإطار، أصدر “سعيد” توجيهاته للنيابة العامة (العمومية) بالتحقيق مع “المنصف المرزوقي” بتهمة الاستقواء بالخارج بعدما طالب أصدقاءه في الحكومة الفرنسية بالامتناع عن عقد مؤتمر منظمة الفرانكفونية الذي كان مقرراً عقده قبل نهاية العام الحالي في تونس، وذلك للضغط على الرئيس “سعيد” لإنهاء الحالة الاستثنائية.

5- طمأنة الداخل والخارج، حيث قام الرئيس “قيس سعيد” باستدعاء السفير الأمريكي لدى تونس وإبلاغه رسائل محددة بهدف طمأنة الإدارة الأمريكية بأن الإجراءات الاستثنائية المطبقة دستورية، وتحترم الحقوق والحريات، وفي الوقت نفسه التأكيد على رفض “سعيد” التدخلات غير المبررة في الشأن الداخلي التونسي، وخاصة فيما يتعلق بمناقشة الكونجرس الأمريكي للأوضاع المستجدة في تونس. كما كلف الرئيس أعضاء حكومته، وعلى رأسهم وزير الخارجية التونسي “عثمان الجرندي”، بتوصيل رسائل سياسية محددة لمسؤولي الدول الأجنبية الذين قاموا بزيارة البلاد خلال الفترة الأخيرة، بأن الإجراءات الرئاسية التي يتخذها رئيس الدولة تمت صياغتها في إطار الدستور، بما في ذلك احترام الحقوق والحريات الأساسية لأفراد المجتمع التونسي، وتقديم الوعود التونسية للقوى الدولية بأنه سيتم اتخاذ مزيد من الإجراءات لتحقيق