أجندتنا المشتركة – الحائط العربي
أجندتنا المشتركة

أجندتنا المشتركة



وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للمجتمع الدولي، وعلى رأسهم الحاضرون في دورة الجمعية العامة رقم 76 في خريف 2021، رسالة قوية وصريحة، محذراً من أن العالم وصل إلى نقطة فارقة في التاريخ، ويواجه أكبر تحد مشترك منذ الحرب العالمية الثانية، وأمامه اختيار عاجل وقاطع بين الانهيار أو الانفراجة.

واستعرض رئيس المنظمة الأخطار الجمة من تداعيات جائحة كورونا وتعدد وتفاقم النزاعات وتداعيات التغيرات المناخية والتلوث البيئي، من فياضانات وحرائق وارتفاع شديد في درجات الحرارة والمجاعات، ونوه إلى أن كثيرين لم يعد لديهم ثقه أو اطمئنان للعمل الجماعي أو مبادئ النظام الدولي، وهو ما يظل ضرورياً لتأمين عالمنا وتوفير مستقبل أفضل لشعوبنا وكوكبنا، مشدداً أن ضمان مستقبل الإنسانية مرهون بتعاون دولي لتحقيق أهداف مشتركة.

ولم تكن تلك الملاحظات آراء خاصة له وحسب، بل تعبيراً عن شعور ومطالبات من أعضاء المنظمة خلال اجتماعهم في 2020 بمناسبة مرور 75 سنة على انشاء الأمم المتحدة، والتي جعلت السكرتير العام يقدم هذا التقرير الشامل من 80 صفحة، بعنوان “أجندتنا الموحدة”، بعد التشاور مع الدول الأعضاء ومفكرين مستقلين، تشرفت أن أكون أحدهم، والمجتمع المدني وأمانة الأمم المتحدة وشركائها وكذلك الشباب، والذي يحمل رسالة واضحة بأن خياراتنا اليوم بين التحرك نحو انطلاقة لمستقبل أفضل أو التردد والسكون الذي سيجعلنا نتجاوز حافة الهاوية.

وطرح غوتيريش في “الأجندة المشتركة” المقترحة للعمل الدولي أهدافاً محددة، على أساس إحياء التضامن العالمي منهجاً أساسياً لعملنا، وبلورة سبل مختلفة للعمل الجماعي، وكان ذلك لمواجهة “كوفيد” أو الاضطراب المناخي والآثار البيئية السلبية للتلوث.

ودعت الأجندة إلى تجديد العقد الاجتماعي بين الحكومات والشعوب لإعادة الثقة بينهم، وتبني مفهوم شامل لحقوق الإنسان، ودعى السكرتير العام إلى تحاور المؤسسات الحكومية مع الفئات المختلفة للشعوب حول تطلعاتهم المستقبلية على وجه الخصوص.

وأكد التقرير ضرورة وقف انتشار المعلومات المغلوطة وغير الصحيحة، والاعتماد على المعلومات الموثقة والمنظور العلمي والمعرفة، وطالب بضرورة وقف الحملة الشرسة الجارية للتشكيك في المنظور العلمي، كما طالب بوضع قواعد دولية لضمان نزاهة المعلومات، بخاصة بالنسبة إلى المعلومات التي تعني المصلحة العامة، مع ضرورة مراجعة معايير تقدير وتقويم النمو الاقتصادي والتقدم، إذ لم يعد مقبولاً أن نحمل البيئة خسائر وكلفة بالغة وطويلة الأجل وخطرة لرفع معدلات الناتج القومي على المدى القصير، واعتبار ذلك معياراً للتطور والتقدم والنمو.

كما طالب التقرير الجميع بالتفكير استراتيجياً ضمن منظور مستقبلي وعلى المدى الطويل، بما يعطي اهتماماً أكبر بالشباب والقضايا المستقبلية، وتناول عدداً من المبادرات التي يعتزم القيام بها في هذا الصدد، بما في ذلك إصدار إعلان عن حقوق الأجيال القادمة، وتعيين مبعوث أممي للأمم المتحدة للتأكد من توافق السياسات والموازنات تراعي مصالح الشباب، وأعلن أن الأمم المتحدة ستصدر تقارير استراتيجية مستقلة عن الأخطار الدولية والكونية، مقترحاً إنشاء منصة للطوارئ تنعقد وتجمع لمواجهة الأزمات الدولية الطارئة.

وأكد الأمين العام أهمية انشاء منظومة دولية متعددة الأطراف تكون أفضل وأقوى وأكثر ترابطاً، على أن تكون الأمم المتحدة عمودها الأساس، وطرح أجندة جديدة للسلام وحوارات متعددة الأطراف حول الفضاء الخارجي، وحول التعامل مع سبل الحياة الرقمية، واقترح عقد اجتماع بين أعضاء مجموعة الـ 20 والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ورؤساء المنظمات المتخصصة كل عامين.

وختم غوتيريش تقريره بأنه سيطالب بإنشاء مجلس استشاري عالي المستوى يشمل رؤساء دول وحكومات سابقين، لتجديد القضايا العامة محل الاهتمام المشترك والتي تحتاج إلى رفع كفاءة التناول الدولي لها، على أن يقدم المجلس بدائل لحل المشكلات والتصدي للتحديات، كما اقترح عقد “قمة للمستقبل” للبدء في بلورة توافق دولي حول شكل المستقبل الذي نرجوه وسبل تحقيق ذلك.

أرى جوانب إيجابية كثيرة في هذا التقرير، ليس لمشاركتي المتواضعة في إعداده، وتشديدي على ضرورة إحياء الضمير الاجتماعي للمجتمع الدولي، وهو خيط امتد عبر مجالات عدة من التقرير، وإنما لتركيزه على عالمية المشكلات وضرورة خلق زخم سياسي حول العمل الجماعي والمنظور الشامل المستقبلي للأمور، وفي ضوء انتمائي لدولة متوسطة الحجم ونشطة خارجياً ودولياً، أميل إلى العمل المتعدد الأطراف كلما كان ذلك متاحاً، لأنه مع بطئه يرسي قواعد ثابتة ومستدامة تنطلق في أغلب الأحيان من قواعد القانون الدولي التي تشكل الغطاء الآمن لغالبية دول العالم.

وإذ أرحب بالجهد الذي بذل لإعداد هذا التقرير، كنت أفضل أن يكون السكرتير العام أقوى تصريحاً في الدعوة إلى إعادة النظر في بعض آليات الأمم المتحدة، التي تعكس الواقع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تعد تتسق مع الوضع الدولي القائم، ومنها على سبيل المثال مجلس الأمن، الذي يعرف قضايا الأمن والسلم الدوليين بمفهوم ضيق، ويتعامل معها بمواءمات وتوازنات تراعي في المقام الأول مصلحة الأعضاء، وبخاصة الدول دائمة العضوية.

وأتمنى أن يكون الأمين العام أكثر عزماً وإصراراً على تنفيذ اقتراحاته ومبادراته عما شهدناه منه خلال ولايته الأولى، وعليه المبادرة لخلق الزخم السياسي الدافع لتحرك الدول، ومصارحة الجميع بما هو مطلوب تنفيذه من دون مؤاربة أو مجاملة، لكي تتحول تلك الأفكار إلى برامج حية ومثمرة، لأن السكون والتردد سينتهي حتماً إلى الفشل، وتصبح هذه الأجندة الثقيلة حبراً على ورق وإهداراً فكرياً وبيئياً لضخامة الجهد الذي بذل، وتعدد صفحات الأوراق التي نشرت عليها.

نقلا عن اندبندنت عربية