عديدة هي الاوصاف التي أطلقت على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة “حماس” صبيحة يوم السبت الماضي، وأدت لغاية كتابة هذه السطور الى مقتل ما يزيد على 700 إسرائيلي، وجرح اكثر من 2000.
البعض سمّاها “حرب 6 أكتوبر الثانية”. والبعض الآخر أطلق عليها اسم عملية “الصدمة والذهول” على غرار عملية اجتياح الولايات الأميركية للعراق عام 2003. وثمة من وصفها بلحظة “11 سبتمبر” إسرائيلية لان الأخيرة، وأسوة بصدمة 11 سبتمبر الأميركية لن تعود كما كانت قبلها. هذه عملية غير مسبوقة.
لا سابقة لها في تاريخ إسرائيل وفي جميع الحروب العربية- الإسرائيلية التي سبقت. انها حالة فريدة من نوعها، وعليه ستكون نتائجها وعواقبها وتفاعلاتها فريدة من نوعها. اننا امام حالة جديدة، لا تشبه ما سبقها. ولذلك نجد نحن مجتمع المراقبين والمحللين أنفسنا عاجزين عن قراءتها بدقة، ا توقع ما سيلي من مضاعفات خطيرة على مستوى المنطقة.
من هنا نقول انه لا يزال من السابق لأوانه ان نتنبأ بمسار الحرب التي صارت من جانب إسرائيل رسمية اقله ضد قطاع غزة وحركة حماس وبقية الفصائل العاملة معها هناك.
صحيح ان القراءة الأولى لخلفيات عملية “طوفان الأقصى” تشير الى الحالة المزرية التي بلغتها الارتكابات الاسرائيلية في حق الفلسطينيين، لكن الصحيح أيضا هو ان اهداف العملية الضخمة لا تقتصر على المعطى الفلسطيني المشروع، بل تتصل بما يمكن تسميتها بحرب استباقية إيرانية بأهداف متعددة. أولها انها تأتي في سياق الترجمة العملية لمشروع “وحدة الساحات ” بقيادة طهران. وثانياً هي بمثابة إطلاق نار مباشر على قطار التطبيع العربي- الاسرائيلي في المنطقة.
وأخيرا وليس آخرا تمثل ضربة استباقية لإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة لإجهاض أي إمكانية لتوجيه ضربة ساحقة للمشروع النووي الإيراني على مشارف نجاح طهران في تصنيع قنبلتها النووية الأولى. أضف الى ذلك انها محاولة جدية لتطويق المشروع الهادف الى قطع “الممر الإيراني ” الذي يصل طهران ببيروت.
ما تقدم يعني أن عملية “طوفان الأقصى” خطيرة للغاية، ويمكن ان تنجر من خلالها المنطقة الى حرب شاملة يصعب تداركها. فالضربة المهولة التي اصابت إسرائيل في الصميم، وفي قلب مجتمعها أفقدها توازنها، وقوتها الردعية، وثقتها بنفسها الى حد بعيد. وضخامة الخسائر، ومجموعة الإخفاقات الاستخبارية والعسكرية يصعب ان تتخطاها تل ابيب من دون ان تشعل حربا شاملة ومدمرة لقطاع غزة.
وهنا يبدو لنا أن مسالة الاسرى الإسرائيليين في غزة لن يكون لهم وزن فعلي في مقابل قرار إعادة التوازن للكيان الإسرائيلي، ولجيشه، ولعنصر الثقة بالذات. وإذا سلمنا أن عملية “طوفان الأقصى” تحمل بصمات إيرانية واضحة، أمكن لنا ان نتوقع تمددا للحرب كما قال أحد المتحدثين باسم “حماس” الى الضفة الغربية ولبنان.
ان خطر نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق حقيقي. والخطوة ان حرب غزة لا تزال في بداياتها، والجبهة اللبنانية ليست بمنأى عن التورط. وامام إسرائيل خيارات محدودة وصعبة للغاية. وجميع هذه الخيارات لها انعكاسات وجودية مباشرة على إسرائيل كقوة، ودولة ومجتمع.
انها لحظة 11 سبتمبر إسرائيلية لكنها ستدخل التاريخ ايضا بمسمى 7 أكتوبر فلسطينية. والأهم، لا بل الأخطر ان تردداتها الدراماتيكية ستستمر لوقت طويل جداً.
نقلا عن النهار العربي