تسعى إيران وسوريا عبر زيارة وزير الدفاع السوري لطهران إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في تأكيد الدعم الإيراني للنظام السوري مع حلول الذكرى الثالثة عشرة لاندلاع الصراع السوري في 15 مارس 2011، ورفع مستوى التنسيق تجاه استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية داخل سوريا، وإجراء مباحثات حول التفاهمات التي توصلت إليها إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وتأكيد استمرار الدعم لحزب الله في حالة نشوب مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل.

رغم أن المسؤولين السوريين يقومون بإجراء زيارات متتالية إلى إيران، إلا أن الزيارة التي يقوم بها وزير الدفاع السوري اللواء علي محمود عباس إلى طهران في 16 مارس الجاري، تكتسب أهمية وزخماً خاصاً، لاعتبارات عديدة تتصل بتزامنها مع حلول الذكرى الثالثة عشرة لاندلاع الأزمة السورية، وتصاعد حدة الهجمات التي تشنها إسرائيل داخل سوريا والتي تستهدف من خلالها مواقع تابعة للنظام السوري وإيران، فضلاً عن تزايد احتمالات نشوب حرب جديدة بين إسرائيل ولبنان، إلى جانب استمرار التقارب التركي-الأمريكي الذي يمكن أن ينعكس على الترتيبات الأمنية التي تعمل أنقرة على صياغتها داخل سوريا خلال المرحلة القادمة.

أهداف عديدة

يوحي جدول الزيارة المزدحم لوزير الدفاع السوري اللواء علي محمود عباس، بأن طهران تبدي اهتماماً خاصاً بهذه الزيارة تحديداً. إذ التقى المسؤول السوري بوزير الدفاع محمد رضا آشتياني، ورئيس هيئة الأركان محمد باقري، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي أكبر أحمديان. ويمكن القول إن إيران وسوريا تسعيان عبر تلك الزيارة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الترويج للدعم الإيراني لسوريا: جاءت الزيارة بالتوازي مع حلول الذكرى الثالثة عشرة لاندلاع الصراع السوري في 15 مارس 2011. وهنا، فإن هذا التزامن يكتسب أهمية خاصة، باعتبار أنه يؤشر إلى أن إيران تسعى عبر ترتيب هذه الزيارة في هذا التوقيت إلى تأكيد إصرارها على مواصلة التعاون العسكري مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وربما لا تخلو الزيارة أيضاً من مغزى يرتبط بالتجاذبات القائمة مع القوى الأخرى المنخرطة في الصراع، وفي مقدمتها روسيا، حيث تسعى إيران من خلال ذلك إلى تأكيد أنها القوة الأولى التي سارعت إلى دعم النظام السوري وإنقاذه من مواجهة خطر السقوط، وهو ما يأتي في إطار التنافس القائم بين إيران وروسيا على تكريس نفوذهما على الأرض داخل سوريا استناداً إلى مستوى الدعم الذي قدمتاه إلى النظام السوري.

2- مواصلة التنسيق إزاء الهجمات الإسرائيلية: تهدف طهران ودمشق من هذه الزيارات إلى مواصلة التنسيق العسكري والأمني حول الهجمات التي تشنها إسرائيل داخل الأراضي السورية، وتستهدف من خلالها المواقع التابعة للنظام السوري وإيران وحزب الله، فضلاً عن المليشيات الموالية لطهران. وقد تصاعدت حدة هذه الهجمات في أعقاب اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 7 أكتوبر الماضي، حيث تسعى إسرائيل إلى تقليص الدعم الذي تقدمه إيران إلى المليشيات الموالية، وعرقلة استمرار تدفق الأسلحة من إيران إلى سوريا وأخيراً إلى حزب الله الذي انخرط في مستوى محدود في اشتباكات مع إسرائيل منذ 7 أكتوبر وحتى الآن.

وقد كان لافتاً أن إسرائيل تعمدت توجيه ضربات عسكرية جديدة بالتزامن مع إجراء الزيارة، حيث استهدفت في 17 مارس الجاري موقعين في ريف دمشق، أحدهما مستودع للأسلحة، وهو ما يعني أن إسرائيل تسعى بدورها إلى توجيه رسائل إلى إيران وسوريا بأنها مستعدة للمضيّ قدماً في توسيع نطاق التصعيد وعرقلة استمرار التعاون العسكري بين الطرفين الذي ترى أنها الطرف الأساسي المستهدف منه.

هذه الهجمات رد عليها وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني خلال لقاء نظيره السوري، بتأكيده أنه “من المهم ردع إسرائيل”، مشيراً إلى أن “هناك خططاً وإجراءات عاجلة لذلك”، وهو ما يوحي بأن الدولتين ربما توقّعان مزيداً من الاتفاقيات الخاصة بالتعاون العسكري، ولا سيما فيما يتعلق بمنظومات الدفاع الجوي.

3- مناقشة التفاهمات الإيرانية-الأمريكية: توازت الزيارة مع ظهور تقارير تُشير إلى عقد جولة مباحثات سرية وغير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في سلطنة عمان في 10 يناير الماضي. ورغم أن هناك حرصاً من جانب إيران والولايات المتحدة الأمريكية على تقليص أهمية تلك التقارير، إلا أن ذلك لا ينفي في النهاية أن هناك تفاهمات بالفعل توصلت إليها الدولتان، على نحو يبدو جلياً في تراجع الهجمات التي تشنها المليشيات الشيعية الموالية لإيران في كلٍّ من العراق وسوريا ضد القواعد الأمريكية في الدولتين، بعد الضربات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد مواقع تلك المليشيات رداً على الهجوم الذي تعرضت له قاعدتها في شمال شرق الأردن “البرج تي 22” في 28 يناير الماضي.

وهنا، فإن الزيارة كانت فرصة لإجراء مباحثات حول سبل مواصلة هذه التفاهمات على الأقل حالياً، والتي تضمن عدم انخراط إيران بشكل مباشر في الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس في قطاع غزة، وتجنب الولايات المتحدة الأمريكية مخاطر التورط المباشر في حرب أوسع نطاقاً، على نحو لا يتوافق مع مصالحها في الوقت الحالي، ولا سيما مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر القادم.

وقد كان لافتاً أنه بالتوازي مع إجراء الزيارة، بدأت المليشيات الشيعية الموالية لإيران في العودة من جديد إلى استهداف القواعد الإسرائيلية بدلاً من الأمريكية، حيث أعلن ما يسمى “المقاومة الإسلامية في العراق”، في 17 مارس الجاري، شن هجوم على قاعدة جوية إسرائيلية في الجولان، وهو توجه ربما يستمر خلال المرحلة القادمة، في ظل إصرار إسرائيل على مواصلة عملياتها العسكرية في غزة وربما الاستعداد لاجتياح رفح.

4- تأكيد الدعم لحزب الله اللبناني: رغم كل الجهود التي تُبذل من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة المتصاعدة بين حزب الله وإسرائيل، بفعل ارتدادات الحرب التي تشنها الأخيرة في قطاع غزة، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى إلى دفع الحزب للانتقال إلى مواقع شمال نهر الليطاني؛ إلا أنّ ذلك لم يقلص من احتمالات تطور المواجهات العسكرية بين الطرفين لتصل إلى مرحلة الحرب المباشرة. إذ باتت إسرائيل تستعد بشكل واضح لاحتمال اجتياح جنوب لبنان، وهو مسار لم يعد مستبعداً من جانب إيران وسوريا وحزب الله، على نحو يدفع تلك الأطراف إلى مواصلة التنسيق فيما بينها للتعاطي مع التداعيات التي يمكن أن يفرضها هذا الاحتمال. ومن هنا، يمكن تفسير التحركات التي تقوم بها إيران في الفترة الأخيرة، فبالتوازي مع مواصلة عقد لقاءات مع المسؤولين في سوريا، قام قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري إسماعيل قاآني بزيارة بيروت وعقد لقاء مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في فبراير الفائت، للمرة الثالثة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.

وفي رؤية طهران ودمشق، فإن الحرب بين إسرائيل وحزب الله سوف تكون مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي نشبت بين إسرائيل وحركة حماس، في ظل الأهمية المحورية التي يحظى بها الحزب بالنسبة للعاصمتين، وهو ما يفرض عليهما ضرورة مواصلة التنسيق على المستويين الأمني والعسكري.

ضربات متجددة

يمكن القول إن مثل هذه الزيارات والترتيبات سوف تدفع إسرائيل إلى مواصلة توسيع نطاق الهجمات التي تشنها داخل سوريا، استعداداً لاحتمال نشوب حرب جديدة في المرحلة القادمة، بحيث تحاول من خلالها تقويض النفوذ الإيراني داخل سوريا، وردع النظام السوري عن التدخل لصالح تقديم مزيدٍ من الدعم لحزب الله، وتعقب مسارات التهريب التي يستغلها الأخير للحصول على مزيد من الأسلحة المهربة من إيران عبر العراق وسوريا.