30 عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتى – الحائط العربي
30 عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتى

30 عامًا على انهيار الاتحاد السوفيتى



فى مثل هذه الأيام من 30 عامًا، شهد العالم انتهاء دولة الاتحاد السوفيتى. وكان لهذا الحدث تداعيات جيواستراتيجية عميقة على مستوى النظام الدولى، وليس من المبالغة القول إنها تماثل تلك التى أحدثتها الحربين العالميتين الأولى والثانية. وكان من شأنها، انتهاء مرحلة الحرب الباردة بين الكُتلتين الشرقية والغربية، وبداية مرحلة القُطب الأمريكى الواحد التى استمرت حتى بداية الحقبة الثانية من القرن 21.

لم يكُن انهيار الاتحاد السوفيتى مُفاجأة بل سبقه مجموعة من الأحداث والتطورات التى كان أهمها مرحلة طويلة من الركود الاقتصادى والسياسى فى عهد ليونيد بريجنيف استمرت من 1964 إلى 1982. رافقها قيام أمريكا باستنزاف قدرات الاتحاد السوفيتى فى سباق تسلح فيما سُمى بحرب النجوم. واستمرت حتى تولى ميخائيل جورباتشوف السُلطة فى 1985 والذى سعى لبعث الحيوية فى مؤسسات الدولة والاقتصاد وإدخال درجة من الليبرالية الاقتصادية والسياسية باتباع سياسة البيروسترويكا أى إعادة الهيكلة، والجلاسنوست أى الشفافية. وكان من أهم مظاهر ذلك أنه فى المؤتمر ال 28 للحزب الشيوعى فى 1990، تم إلغاء المادة السادسة من الدستور التى نصت على احتكار الحزب للسلطة مما أدى إلى تراجع دوره ومكانته وتصاعد الانتقادات الموجهة له.

وعلى المُستوى الخارجى، حاول جورباتشوف التهدئة مع الغرب، فأعلن التخلى عن مبدأ بريجنيف الذى اعطى لموسكو حق التدخل فى الشئون الداخلية لدول حلف وارسو، وأعلن نهاية الحرب الباردة عام 1989. ولكن هذه السياسات لم تحقق أهدافها وواجهتها عقبات شتى بسبب ترهل الهياكل الرسمية وجمودها وعدم قدرتها على الارتقاء بأدائها. وكان تقييم هنرى كيسنجر أن جورباتشوف ساهم فى إضعاف النظام الذى ترأسه بدعوته إلى اصلاحات كان من الواضح أنه ليس قادراً على تنفيذها.مما أدى فى النهاية إلى مزيد من الاضطراب الاقتصادى والسياسى وخيبة أمل المواطنين السوفييت الذين حلموا بمستقبل أفضل، وانتهى الأمر بفشل الإصلاحات وتصاعد النزعات القومية فى عدد من الجمهوريات، منها روسيا والتى أصدر رئيسها بوريس يلتسين فى يونيو 1990 إعلان استقلالها. لم تتحقق هذه الإصلاحات أيضًا بسبب الانقسامات السياسية والخلافات الشخصية بين قادة الحزب الشيوعى، كان من أبرز مظاهرها الخلاف بين جورباتشوف ويلتسين، والذى انتهى بإبعاد الثانى من المكتب السياسى للحزب مما ضاعف حنقه على جورباتشوف وتصميمه على الإطاحة به. ومنها أيضًا، مُعارضة المُتشددين والحرس القديم سياسات جورباتشوف الإصلاحية، وكان من بين هؤلاء وزيرا الدفاع والداخلية، ورئيس جهاز الأمن الداخلى كى جى بى الذين حاولوا وقفها بالقوة. وفى 19 أغسطس 1991، وقعت محاولة انقلابية عندما حاصرت مجموعة من القوات المسلحة منزل جورباتشوف، وبثت بيانًا بأنه لم يعد قادرا على القيام بمهامه لأسباب صحية، ولكن المحاولة الانقلابية لم تنجح بسبب تصدى يلتسين لها ودعوته لمُقاومتها. اتسمت المرحلة الممتدة من أغسطس إلى ديسمبر بالاضطراب وازدواج السلطة ما بين رئيس الاتحاد السوفيتى جورباتشوف، ورئيس الجمهورية الروسية يلتسين. مما يعنى وجود مركزين للسُلطة، وتضارب التعليمات الموجهة إلى الوزراء ورؤساء الهيئات وقادة الأمن. وكان من شأن ذلك تعطل المصانع والمؤسسات الإنتاجية، وانتشار مظاهر الاعتداء على القانون. أتاحت هذه الظروف الفرصة أمام عدد من قادة الجمهوريات الطامحين فى الانفصال عن موسكو وإقامة دول مستقلة تحت سيطرتهم فبدأوا بإصدار قوانين لتنظيم شئون الحُكم والإدارة فى الجمهوريات التى يحكمونها، ورفض تنفيذ السياسات القادمة من موسكو بدعوى أنها لم تعد تسرى عليها. ولكن التطور الذى وضع نهاية قانونية للدولة السوفيتية، كان فى 8 ديسمبر عندما اجتمع قادة جمهوريات روسيا وأوكرانيا وبيلاروسا وأبرموا اتفاقية بيلوفيجسكايا التى قضت بخروجهم من الاتحاد. وسرع هذا الاتفاق من خطوات التفكُك والانهيار. ولابد أن يتوقف المرء أمام هذا الاتفاق. فقد تجاهل الرؤساء الثلاثة نتائج الاستفتاء الذى أُجرى فى مارس من نفس العام حول مستقبل الاتحاد السوفيتى، والذى صوت 76% من المواطنين السوفييت لصالح استمرار الاتحاد. وجدير بالذكر أن الاستفتاء أُجرى فى جميع الجمهوريات السوفيتية ماعدا لاتفيا واستونيا ولتوانيا التى رفضت سُلطاتها المٌشاركة فيه.

ومن غرائب الأمور، أن يلتسين بادر بإخبار الرئيس الأمريكى بوش الأب بخبر هذه الاتفاقية قبل إبلاغ جورباتشوف بها. وتلى ذلك إعلانات مماثلة بانفصال جمهوريات أُخرى وخروجها من الاتحاد.

وأعقب ذلك فى 22 ديسمبر اجتماعًا فى مدينة ألماتا عاصمة كازاخستان، حضره تسعة من قادة جمهوريات الاتحادالذين لم يكونوا قد أعلنوا انفصالهم بعد للتشاور، وانتهوا إلى القبول بالأمر الواقع وانفراط عقد الاتحاد. وفى يوم 25 ديسمبر، ظهر جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتى على التليفزيون الرسمى ليعلن استقالته من منصبه، وبعدها مباشرة تم إنزال العلم السوفيتى ورفع العلم الروسى على مبنى الكرملين. وفى اليوم التالى، تم الإعلان عن استقلال الجمهوريات السوفييتية الخمسة عشر لتُصبح كُل منها دولة مُستقلة وعضوا فى الأمم المُتحدة.

والدروس التى نخرج منها عديدة، لعل أهمها يتعلق بحُسن إدارة الدولة، وأهمية تماسُك نُخبتها السياسية والاقتصادية، وضرورة إدراك لحدود الإصلاح والتغيير فى كُل مرحلة وأن تطبيق سياسة ما يُمكن أن يأتى بعكس أهدافها ومقاصدها. كان الهدف من إصلاحات جورباتشوف هو تحديث الاتحاد السوفيتى وتطويره، فكانت نتيجة تطبيقها انهياره وتفككه.

نقلا عن الأهرام