يمكن أن نعد دخول القوات الروسية، أوكرانيا، الحدث التاريخي الأبرز في العام المنصرم. لم يخطر على بال كثيرين أن تعود الحرب إلى أوروبا منذ آخر رصاصة أطلقت في الحرب العالمية الثانية بعد مايو (أيار) 1945، الحرب ستكون البوصلة لهذا العام، والأعوام المقبلة، ما لم تُحسم حرباً أو سلماً. هي التي أعادت الأوروبيين لأميركا وقربت الصين من روسيا، وستحدد معالم هذا العام الجديد وربما ما وراء ذلك.
الحرب الباردة هنا، تكاثرت ملامحها، وصارت تتموضع الدول وفقاً لانحيازاتها الكبرى.
بعد الحرب الكونية الثانية، حسم الأوروبيون خلافاتهم بالتراضي أو التغاضي؛ رسمت الحدود ووقعت الاتفاقيات وانتقلت القارة إلى التعاون ثم الاتحاد الأوروبي. تلك الترتيبات أصبحت مهددة بعد عبور الدبابات الروسية الحدود إلى أوكرانيا، في الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) الماضي. الروس اكتسحوها، باسم الحقوق التاريخية والضرورات الأمنية العليا، وأوروبا الغربية تعتقد أنها جزء من خطة أكبر، وتخشى أن تكون الضحية التالية، والأرجح أن تكبر الأزمة هذا العام إلى أن تجبر تكلفتها العالية الجانبين على التصالح.
الموازي لها، هو الخلاف الصيني – الأميركي، في البحار والأسواق، الذي يلقي بظلاله على العلاقات الدولية ويعمق الانقسامات والنزاعات في كل مكان.
نزاع أوكرانيا يغذي الحرب الباردة، وتوسيع الصين، بعد حسم قيادتها، نشاطاتها الدولية يؤذن بعهد دولي جديد. نرى، الآن، كيف تتسابق الدول الكبرى على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ضمن التنافس الدولي على الموارد والممرات.
سيغوص الروس في أوكرانيا، لأنهم يحاربون 30 دولة تمثل الناتو، والأرجح أن تستمر الحرب حتى آخر شبر.
ولن يكون الحظ أفضل على جبهة بكين وواشنطن.
ما يعنينا هو تأثيرها على منطقتنا؛ الخشية أن نرى المزيد من انخراط الدول الكبرى في النزاعات الإقليمية وليس في الحلول. مثلاً، موسكو تزداد اقتراباً من طهران، التي صارت مصدراً أساسياً لسلاحها الجوي في أوكرانيا، درونز «شاهد». والطريق الذي تشقه إلى ميناء بندر عباس جنوب الخليج، سيكون معبراً لكل أنواع السلع. وهذا التطور في العلاقات لا يجعل روسيا حليفاً للنظام الإيراني بعد، حيث تستمر العلاقة بين موسكو والرياض وعواصم الخليج الأخرى.
المملكة العربية السعودية، قدمت عرضاً سياسياً مثيراً، بعقدها قمتين إقليميتين منفصلتين مع أقوى قوتين، الرئيس الأميركي في جدة، يوليو (تموز)، والرئيس الصيني في الرياض، ديسمبر (كانون الأول). عكست القمتان مدى التنافس الدولي على النفط، والممرات، والأسواق، والسلاح، وبناء التحالفات للأيام المقبلة.
إيرانياً، الأرجح أن يعود التفاوض على ملف النووي، مع أن بايدن أعلن عن وفاة الاتفاق الشامل، مات ولم يدفن. فقد أصبح النظام في أضعف حالاته اقتصادياً وسياسياً. الاحتجاجات لم تتوقف، والقيادة الإيرانية ليس لها سوى أن تساوم نووياً، للخروج من ورطتها، والنووي هو الموضوع الأهم للدول الكبرى. ومن يدري، قد تكون سنة مختلفة للإيرانيين، بتغييرات في السياسات تعود عليهم بتخفيض التوتر الذي أصبح يغزوهم بعد أن كانوا المصدر الرئيسي له.
ولا يمكن إغفال النفط من قراءة العام الجديد، فقد عاد لاعباً مهماً. بحرب أوكرانيا، ومعاقبة روسيا، وتعافي السوق الصينية، سيصبح كل برميل أغلى وسياسياً أكثر تأثيراً. وهذا سيضع دولاً مثل الخليج على رأس الطاولة من جديد بعد أن غيبها تهميش المنطقة لاعتبارات التركيز على الملف الصيني.
إقليمياً، سنرث من الأعوام الماضية الكثير، حرب اليمن، وليبيا، وسوريا. لبنان سيبقى في مهب العاصفة. السودان لن يحسم رغم أن الجيش سلم معظم مسؤوليات الحكم، إذ إن قوى الشارع لن تكسب الانتخابات، ولهذا تنشد تعطيل الديمقراطية التي تدعو لها. وفي حين تمضي الأحداث سريعاً، تراوح سوريا مكانها، معتقدة أن العالم هو المخطئ عليها، وعليه أن ينشد العفو منها.
قطار التغيير والتطوير الاقتصادي السعودي يدفع بالمنطقة نحو التنافس الإيجابي، في التشريعات والبرامج والمشاريع والأرقام الإنتاجية. وهذا ما يفترض أن يركز عليه الجميع؛ التنافس الاقتصادي الإيجابي. وكل عام وأنتم بخير.
نقلا عن الشرق الأوسط