10 سنوات على مهمة إنقاذ المنطقة – الحائط العربي
10 سنوات على مهمة إنقاذ المنطقة

10 سنوات على مهمة إنقاذ المنطقة



عقد كامل من الزمان مر هذا الشهر على قيام ثورة 30 يونيو حينما ثار ما يقرب من 33 مليون مواطن فى القاهرة ومحافظات مصر المختلفة من الإسكندرية إلى أسوان رفضا للأوضاع القائمة آنذاك، ورغبة فى إنهاء حكم الإخوان، ومطالبين بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وعودة هوية الدولة الوطنية المصرية.

كانت الدولة المصرية تعيش أزمة عنيفة فى ذلك التوقيت، بعد أن تحولت حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق من الأزمات الاقتصادية المتصاعدة، والانفلات الأمنى غير المسبوق، وتكرار الصدامات المسلحة بين المتظاهرين فى المدن المختلفة، فى محاولة فاشلة من الميليشيات المسلحة لفرض إرادتها على المتظاهرين السلميين.

انتشرت أعمال العنف فى كل مكان وراح ضحيتها مواطنون عاديون إلى جوار أفراد من القوات المسلحة، والشرطة، بعد أن تنامت الأعمال الإرهابية الطائشة فى كل مكان جنبا إلى جنب مع تنامى أعمال السرقات، والبلطجة، وقطع الطرق، ونهب الممتلكات العامة والخاصة فى كل المحافظات المصرية.

كان الخروج من المنازل مخاطرة غير محسوبة بدقة، ولم يكن أحد على وجه اليقين يتوقع نتائج تحركه والنجاة من الأعمال الإرهابية أو الأعمال الإجرامية الجنائية.

عاشت مصر 3 سنوات فوق صفيح ساخن، ومنها امتدت الأزمات والقلاقل إلى باقى المنطقة مثلما حدث فى سوريا، وليبيا، واليمن، والجزائر وقبلها كانت البداية فى تونس، إلا أن الأزمات المكتومة كانت تضرب بعنف باقى الجسد العربي، ونشطت تلك الأزمات المكتومة فى الأردن والمغرب، ودول منطقة الخليج العربى، والسودان وغيرها من بلدان العالم العربى.

مصر كانت «درة التاج» وكان الهدف استمرارها فى دوامة الفوضى ثم وقوعها فى دائرة الاقتتال الأهلى لأن هذا كان يعنى ببساطة انهيار الجسر الضخم الواقى للمنطقة كلها، تمهيدا لإغراق المنطقة فى طوفان الفوضى والتفتيت والتقسيم لتعود المنطقة إلى عصر ما قبل موجات الاستعمار الأجنبى.

كان الهدف الأساسى دخول المنطقة فى دوامة من التشرذم والتفتيت والهوان لتقع مرة أخرى فى دائرة نفوذ الاستعمار الأجنبى ولكن هذه المرة دون أن يتكلف قطرة دماء واحدة، لأنه فى هذه المرة لم يكن مضطرا لتجهيز جيوشه، والدخول فى معارك، بعد أن تكفل أعداء الداخل من الميليشيات والجماعات المسلحة بذلك، واكتفت الدول الاستعمارية بتحريك تلك الجماعات بالتمويل، والتوجيه عن بعد فى إطار نظرية الفوضى الخلاقة.

لم يكن هذا من قبيل الأوهام، وإنما أصبح أمرا واقعا ونجح المخطط الشرير بالفعل فى اليمن، وسوريا، وليبيا، والعراق، والصومال، ولاتزال بعض هذه الدول تعانى بشدة من مرارة التدخلات الأجنبية، والانقسامات، والاقتتال الأهلى، على أمل الخروج من النفق المظلم إلى بر الأمن والسلام.

ولأن مصر هى قلب العروبة وجسدها الحى، وأكبر الدول العربية على الإطلاق بما فيها من أكثر من 100 مليون مواطن، فإن نجاح المخطط فى مصر كان يعنى انهيار أكبر سد بشرى، واجتماعى، واقتصادى، ليغرق المنطقة بكاملها بسهولة فى دوامة العنف والتفتيت ما بين داعش، والقاعدة، والجماعات الإرهابية بمسمياتها المختلفة والتى تتلون كالحرباء، لكنها تتشارك فى نفس أهداف العنف، والإرهاب، والقتل على الهوية بسوء قصد، وبدون هدف.

هم لا يتورعون عن قتل الأبرياء، أو السيدات، والأطفال ويتفاخرون بغزوات وهمية تسكن فى عقولهم المريضة وحدهم دون سواهم، رغم أنها ليست لها أى فائدة عملية على أرض الواقع سوى ترك بصمات الخراب والدمار فى كل مكان تقع فيه.

لم ينتظر الشعب المصرى طويلا، لكنه قرر الخروج عن بكرة أبيه مدافعا عن هويته الوطنية، ودولته الممتدة فى أعماق التاريخ إلى أكثر من سبعة آلاف عام، وموجها رسالة قوية إلى باقى دول المنطقة لحفظ أمنها وسلامتها ووقف مد موجات الفوضى والعنف التى كانت تستعد للانقضاض على باقى دول المنطقة من الخليج إلى المحيط.

فى اعتقادى أن السمة الأساسية لثورة 30 يونيو أنها ثورة جمعت كل أطياف المجتمع المصرى، وقوته الصلبة، بلا استثناء، فلم تكن ثورة تيار بعينه، أو جماعات معينة، ولكنها كانت ثورة لكل الأطياف والفئات فى المدن والقرى، ولم تكن ثورة قاصرة على القاهرة وبعض عواصم المحافظات الأخرى لكنها كانت ثورة فى كل محافظات الجمهورية بلا استثناء من الإسكندرية حتى أسوان، وفى القلب منها القاهرة.

ظهرت جموع المتظاهرين فى معظم عواصم المحافظات، ومدنها، وقراها، وخرج المتظاهرون يطالبون برحيل الإخوان، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وعودة مصر إلى هويتها الوطنية، وعودة الأمن والأمان إلى الشارع المصرى بعيدا عن أعمال العنف السياسى والدينى، أو أعمال العنف الجنائى بعد أن سيطرت مجموعات من قطاع الطرق والبلطجية على مقدرات الأمور فى الكثير من المناطق.

لم تكن ثورة 30 يونيو، وما تلاها فى 3 يوليو وليدة اللحظة، وإنما جاءت نتيجة سلسلة طويلة ومعقدة من الممارسات غير المسئولة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وطوال عام كامل، كانت البداية تكرار أداء اليمين القانونية للرئيس المنتخب 3 مرات،مرة فى ميدان التحرير، وأخرى فى جامعة القاهرة، وثالثة فى المحكمة الدستورية العليا رغم أن الطبيعى أداء اليمين فى الأخيرة فقط طبقا للتقاليد الدستورية.

بعد ذلك دخلت الدولة المصرية فى دوامة من القرارات المتضاربة فى كل المجالات، وإصدار الإعلانات الدستورية المشوهة والمتناقضة وإقالة النائب العام ومحاولة أخونة كل مؤسسات الدولة المصرية وترك الجماعات الإرهابية تتوغل فى مفاصل الدولة، وتضرب بعنف فى كل اتجاه حتى لم يكن يمر يوم واحد دون وقوع ضحايا من المدنيين أو رجال الشرطة أو القوات المسلحة.

ارتفعت رايات الجماعات الإرهابية السوداء فى مناطق كثيرة من سيناء، والواحات، والمناطق الحدودية المتأخمة لدولتى ليبيا والسودان فى محاولة من تلك الجماعات الإرهابية لفرض إرادتها، ونفوذها فى تلك المناطق، إلا أن رجال القوات المسلحة ومعهم قوات الشرطة رفضوا سياسة الأمر الواقع، ودخلوا فى معارك عنيفة سالت فيها الكثير من الدماء الزكية لرجال الجيش والشرطة، حتى لا تكتمل الدائرة الشيطانية لتلك الجماعات الإرهابية.

كانت قمة المأساة تلك الحادثة التى وقعت صباح الخميس الموافق 16 مايو عام 2013 حينما تم اختطاف سبعة من الجنود المصريين، كانوا فى طريقهم من رفح إلى العريش.

لم تهدأ القوات المسلحة ووجه الفريق أول عبدالفتاح السيسى الدعوة إلى عدد من القادة العسكريين لتدارس الموقف، وتشكيل خلية لإدارة الأزمة، فى حين كان موقف الرئيس محمد مرسى غريبا وعجيبا ورفض اقتراحا بعقد اجتماع لمجلس الدفاع الوطنى، ووافق على اجتماع يحضره وزيرا الدفاع والداخلية، ورئيس المخابرات العامة.

ساوى الرئيس محمد مرسى بين الخاطفين والمخطوفين حينما أشار إلى أنه يحرص على سلامة المخطوفين، وكذلك سلامة الخاطفين باعتبارهم جميعا أبناء مصر، مشيرا إلى أن أى اعتداء على الخاطفين قد يؤدى إلى إشعال الوضع فى سيناء، وربما يؤدى إلى قتل المخطوفين.

رفض الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع آنذاك تلك اللغة وذلك التعامل، مؤكدا أنه لا يمكن التفاوض مع الإرهابيين، لأن ذلك يعنى انهيار الأمن فى سيناء وفى كل الأراضى المصرية.

تحركت القوات المسلحة والشرطة بتعليمات من القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى عملية حاسمة يوم 21 مايو، واستمرت العملية عدة ساعات وتمت محاصرة الجماعات الإرهابية الخاطفة حتى اضطروا تحت ضغط العملية العسكرية إلى إطلاق سراح الجنود، والفرار هاربين.

ربما تكون هذه العملية كاشفة لسلوك وتوجهات جماعة الإخوان فى التعامل مع الجماعات الإرهابية، والتعامل معها بصيغة «الند» وهو الأمر الذى رفضته القوات المسلحة بوضوح وصرامة حتى لا يكون ذلك بداية النهاية للدولة المصرية وكياناتها ومؤسساتها.

هذا الأمر كان دافعا قويا إضافيا للمظاهرات الحاشدة التى خرجت فى 30 يونيو أى بعد ذلك الحادث بنحو شهر ونصف الشهر تقريبا لتطالب بالخلاص. وعودة هوية الدولة الوطنية، والحفاظ على مؤسساتها وكياناتها، ولجم الجماعات الإرهابية، ودحرها إلى غير رجعة.

كان المطلب الأساسى للمتظاهرين هو الحفاظ على الدولة من السقوط والانهيار، واستعادة الأمن المفقود فى كل أرجاء الدولة المصرية بعد أن سيطرت الجماعات الإرهابية ومعها العصابات الإجرامية على مقاليد الأمور فى الشارع المصرى، وحاولت هذه الجماعات الإرهابية أو تلك الجماعات الإجرامية أن تكون لها الكلمة العليا فى مسار الأحداث.

لم تكن الأوضاع الاقتصادية أفضل حالا من الأوضاع الأمنية والسياسية، وإنما تدهورت الأوضاع الاقتصادية إلى أسوأ أوضاعها، وظهرت مصطلحات غريبة فى الصحف المصرية ووسائل الإعلام حينذاك، مثل «شهداء الخبز» أو «شهداء الغاز» ممن كانوا يتساقطون أمام المخابز ومستودعات الغاز أثناء اصطفافهم فى الطوابير المكدسة للحصول على حصصهم من الأرغفة المدعمة أو أسطوانات الغاز.

لكل هذا ثار المصريون على قلب رجل واحد وعاش الشارع المصرى أصعب 3 أيام فى تاريخه منذ اندلاع المظاهرات فى 30 يونيو، حتى استجابة الجيش لنداء المتظاهرين فى 3 يوليو، وإعلان الفريق أول عبدالفتاح السيسى «خارطة طريق الخلاص» لتلك الفترة العصيبة التى عاشتها مصر، والتى كانت تهدد باقى دول المنطقة بالغرق فى طوفان الفوضى والانهيار لتكتمل تلك «الدائرة الجهنمية» التى كانت معدة سلفا للمنطقة العربية والتى أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس فى مطلع عام 2005 حينما أدلت بحديث لصحيفة «واشنطن بوست» وأشارت فيه إلى نية الولايات المتحدة الأمريكية وخطتها لنشر ما سمته بالديمقراطية فى العالم العربى، وتشكيل شرق أوسط جديد عبر نظرية «الفوضى الخلاقة».

كانت البداية من العراق بعد الغزو الأمريكى له، وكانت النهاية فى مصر حينما وقف الشعب المصرى، وتصدى للمؤامرة، وكسر الموجة الجهنمية، ونجح فى حماية الدولة المصرية والمنطقة العربية بأكملها من ذلك السيناريو الكارثى الذى كان يمهد لاغتيال المنطقة العربية بكاملها.

تحملت مصر بمفردها فاتورة باهظة التكاليف على جميع المستويات حتى نجحت فى كسر تلك الموجة الجهنمية نيابة عن دول المنطقة حتى تكللت مجهوداتها بالنجاح وعادت مصر قوية وشامخة، وعاد إلى المنطقة أمنها وسلامتها رغم وجود بعض الجراح الساخنة فى بعض المناطق حتى الآن.