٢٠٢٤… أزمات ممتدة – الحائط العربي
٢٠٢٤… أزمات ممتدة

٢٠٢٤… أزمات ممتدة



أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكى بلينكن لمنطقة الشرق الأوسط، هذا الأسبوع، للتباحث حول حرب غزة، فإن سقف التوقعات من زيارته سيكون محدودًا، وكثير ممن كانوا يعتقدون أن حرب غزة بوحشيّتها ومرارتها قد تخرج منها فرصة لتسوية سلمية للقضية الفلسطينية قد بدأوا يفقدون هذا الأمل. ومن الواضح أن الأزمة ستمتد معنا لفترة طويلة فى ٢٠٢٤.

أجندة زيارة بلينكن تبدو طموحة، وتتضمن العديد من النقاط، منها مطالبة أمريكا لإسرائيل بالسعى لتقليل الخسائر فى صفوف المدنيين أثناء العمليات العسكرية، وزيادة المساعدات الإنسانية لغزة، وصفقة الإفراج عن الرهائن، وخفض التوترات فى الضفة الغربية، وضمان عدم اتساع النطاق الجغرافى للحرب خارج غزة وأمن البحر الأحمر.

إلا أنه من المتوقع أن تكون المباحثات صعبة، وخاصة فى إسرائيل، حيث سيستمر الرفض الإسرائيلى لتغيير تكتيكات الحرب التى اقترحتها الولايات المتحدة لتقليل الخسائر الميدانية، باستخدام الضربات الموجهة لقادة حماس وتخفيض العمليات العسكرية واسعة النطاق، وستطرح إسرائيل وجهة نظر بأنها بدأت تطبيق المقترحات الأمريكية فى شمال غزة، ولكن سترفض تطبيق ذلك فى جنوب غزة، وستستمر فى هجومها الموسع.

وفيما يتعلق بترتيبات مستقبل غزة، ترفض إسرائيل الأفكار الأمريكية بإعطاء دور للسلطة الفلسطينية فى إدارة غزة ما بعد الحرب، وتطرح الرؤية التى أعلنها وزير الدفاع جالانت بأنه بعد الحرب، ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة العسكرية فى غزة، بينما سيدير الموظفون المدنيون المحليون الفلسطينيون أو زعماء المجتمع المحلى القطاع، وليس حماس أو السلطة الفلسطينية.

والواقع أن تفسير هذا التعنت الإسرائيلى يعود إلى أن حكومة نتنياهو أصبحت تعطى أولوية لبُعد جديد للحرب ليس له علاقة بالأهداف التى أعلنتها فى بداية العمليات العسكرية. هذا البُعد الجديد يتعلق بهدف سياسى، وهو سعى نتنياهو للحفاظ على الائتلاف الحكومى اليمينى المتطرف لضمان استمراره فى الحكم، وتأجيل ساعة الحساب حول ما حدث فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، ومسؤولية حكومة نتنياهو عن ذلك.

ومن ثَمَّ، لا أتوقع خروجًا لنتنياهو من منظومة الحكم فى الأمد القصير، أو سقوطًا قريبًا لحكومته، بل سيعيش معنا هذا الائتلاف اليمينى المتطرف لفترة ليست قصيرة فى ٢٠٢٤، مما يُطيل من أمد الأزمة، حتى لو خفت حدة القتال، نتيجة لرفض هذا الائتلاف الأفكار المتعلقة بإدارة قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية وفق حل الدولتين. ويعول نتنياهو على انشغال الولايات المتحدة خلال الشهور القادمة بالانتخابات الأمريكية، وبالتالى تخفيف الضغوط عليه. ومن ثَمَّ ستمتد أزمة غزة معنا فى ٢٠٢٤.

الأزمة الأخرى المرشحة للامتداد هى حرب أوكرانيا، حيث وصلت هذه الحرب إلى حالة من الجمود العسكرى والدبلوماسى فى نهاية عام ٢٠٢٣، ومن المتوقع أن تستمر هذه الحالة فى عام ٢٠٢٤، دون تقدم يُحرز فى المسارات العسكرية أو السياسية.

وقد اعترف قائد الجيش الأوكرانى، الجنرال فاليرى زالوزنى، فى نوفمبر ٢٠٢٣، بأن الحرب مع روسيا وصلت إلى طريق مسدود، وأضاف أن الأمر سيتطلب قفزة تكنولوجية هائلة لكسر الجمود الذى وصل إليه الصراع. وأشار إلى أنه «على الأرجح لن يكون هناك اختراق عميق وكبير، بل توازن فى الخسائر والدمار».

ويمكن تفسير الجمود العسكرى بقيام روسيا بتعزيز قدراتها الدفاعية. ومما يعزز القدرات الروسية أن اقتصادها لم يتعرض لضغوط كبيرة على الرغم من نظام العقوبات الشامل الذى فُرض ضده. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الروسى بنسبة ٢.٥ فى المائة.

سبب آخر لاستمرار الأزمة الأوكرانية يرتبط بالتأخير فى المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، حيث يحذر البعض من أن هناك بالفعل بعض الإرهاق وضعف الإرادة فى الغرب بشأن الحرب، وأن أوكرانيا بدأت تفقد الاهتمام فى العديد من العواصم الغربية. وأحد مظاهر ذلك هو استمرار الجمود والانقسام داخل الولايات المتحدة الأمريكية بشأن المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

فبالرغم من وجود أغلبية فى مجلسى الكونجرس تؤيد مواصلة دعم أوكرانيا، فإن عددًا كبيرًا من الجمهوريين، وخاصة فى مجلس النواب، يرون أن الأوروبيين يجب أن يتحملوا المزيد من عبء دعم أوكرانيا، وأن البيت الأبيض فشل فى تحديد الأهداف وتوقعات التكلفة المحيطة بحرب أوكرانيا المستمرة ضد روسيا.

وارتبط بما سبق حدوث تحولات فى مواقف الرأى العام الأمريكى بشأن أوكرانيا، ففى الفترة من أغسطس ٢٠٢٢ إلى أكتوبر ٢٠٢٣ ارتفعت نسبة الأمريكيين الذين يقولون إن بلادهم تساعد أوكرانيا «أكثر من اللازم» من ٢٤ إلى ٤١ بالمائة.

والواقع أنه إذا لم تقدم الولايات المتحدة المساعدات المطلوبة لأوكرانيا، فمن غير المتصور أن تتمكن أوروبا من سد هذه الفجوة، أو حتى أن تكون راغبة فى القيام بذلك، فى ظل الصعوبات التى تواجهها اقتصاديات الدول الأوروبية.

وبالتالى، فإن العديد من المؤشرات تؤكد أن الأزمة الأوكرانية سوف تستمر معنا أيضًا، أى سيكون ٢٠٢٤ عام الأزمات الممتدة.

نقلا عن المصري اليوم