١١سبتمبر والكورونا – الحائط العربي
١١سبتمبر والكورونا

١١سبتمبر والكورونا



طوال الأسبوع الماضى، لم يكن هناك حديث فى أمريكا أو العالم يعلو على ذكرى مرور عقدين على أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية. انزوت قليلًا أخبار كوفيد – ١٩ إلى الصفحات الداخلية للصحف والأخيرة فى نشرات الأخبار؛ وتجاورت أحيانا مع أخبار حرائق كاليفورنيا، رغم أن المؤشر أشار إلى أن عدد ضحايا الوباء بلغ ٦٦٠ ألفًا، والمصابين بالملايين.

خطفت الذكرى الأنظار، ليس فقط لأن المناسبة حَلَّت، وإنما لأن الأقدار اختارت أن يتزامن معها الخروج الأمريكى من أفغانستان، وأن تجرى دراما دخول طالبان إلى كابول، وأن يكون مؤشر المستقبل هجوم «داعش» خراسان على بوابة المطار فيسقط ١٣ أمريكيًا ومئات من الأفغان الراغبين فى الرحيل أو حتى من المودعين.

فعليًا، تباعد الحدثان عن بعضهما، وبدت الذكرى أكثر درامية وتراجيدية، لأن فيها كان اختراق الأمن الأمريكى، وما تلاها كان حربا ضروسا على الإرهاب انتهت بمشهد انسحاب من كل الجبهات الأفغانية والعراقية، مع حيرة كبيرة عما سوف يأتى بعد كل ذلك. الجائحة على قسوتها كانت وباءً حل على غير انتظار، وجرت فيه مواجهة مع ما هو غير منظور. لم يكن هناك قوة عظمى على الطرف الآخر، ولا كانت هناك جماعات متطرفة تختبئ فى تورا بورا، أو فى بيوت الموصل، أو آبوت آباد حيث كان أسامة بن لادن؛ كان هناك فيروس رقيق الحال، ولكنه مميت، ولديه قدرة هائلة على التحول. فى الحالتين، اختبرت على أى حال قدرات الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن ذلك فى قوتها العسكرية التى قامت بوظيفتها فى الاجتياح وإسقاط النظم

السياسية واحتلال الأرض؛ ولكن السياسة والفكر الاستراتيجى فشلا فى كل ما تلى ذلك فى اليوم التالى والإجابة عن السؤال الخطير: ثم ماذا بعد؟.

الفكر الأمريكى الخارج من حطام أحداث سبتمبر الخطيرة وسنوات الوباء القاسية لا يبدو حتى الآن أنه على وشك الخروج من المحنتين بمواجهة صريحة واستراتيجية قومية تتعامل مع واقع جديد فى القرن الواحد والعشرين بالغ التعقيد.. الاتجاه السائد حتى الآن هو التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة لم تعد دولة عظمى، أو بطريقة أكثر تعسفًا عما إذا كانت الدولة الأمريكية قد دخلت مرحلة الأفول الشائعة بين المؤرخين عن صعود وأفول الأمم وارتفاع شأن الإمبراطوريات وسقوطها.

جماعة وجدت فيما يجرى لا مقارنة فيه إلا مع فترة الحرب الأهلية (١٨٦٠-١٨٦٥) التى فشلت قبلها السياسة، وما بعدها تركت إرثا كبيرا من العنصرية لايزال يطارد الدولة.. وجماعة أخرى تملكتها أنواع من الحيرة عما إذا كانت القضايا كلها تعود إلى الرئيس ومعالجته لأزمة سبتمبر والإرهاب بعدها مع تتالى القيادات الجمهورية والديمقراطية من جورج بوش الابن إلى باراك أوباما إلى دونالد ترامب إلى جوزيف بايدن.. أو مؤخرا مع «كوفيد» الذى أخذه الرئيس ترامب بخفة لا تليق بالخطر؛ ورغم أن الرئيس بايدن أخذه بالجدية الكافية إلا أنه لا يستطيع أن يفرض إرادة الدولة على الأفراد المصممين على عدم الامتثال للالتزامات الجماعية التى تقول إن حرية الفرد تتوقف عندما تمس حرية- وفى هذه الحالة حياة- الآخرين.

والحقيقة هى أن المواجهة المزدوجة للإرهاب والكورونا لم تقع على كاهل الولايات المتحدة وحدها، ولكن المعالجات والنجاحات والإخفاقات اختلفت من دولة إلى أخرى تبعًا لقدرتها، ممثلة فى القيادات والأنظمة فى التعامل مع الأزمتين بكفاءة. فرغم الاختلاف الكبير والساحق بين نوعيتين من الأزمات الكبرى، وحتى فى الحسابات المباشرة للخسائر من حيث الضحايا وكل الشؤون المادية؛ فإن الدرس الكبير هو أن الأمر دائما يتوقف على قدرة المجتمعات السياسية أولًا: على التماسك ساعة الأزمة، ومقاومة الغضب الكاسح الذى أدى إلى نتائج نعرفها بعد عشرين عاما أنها كانت كارثية. وثانيًا: على الاستعداد للتعامل مع الخطر ولفترة طويلة على أنه نوع من المعتاد الجديد، فلا شىء يضخم من طبيعة الخطر ويجسم من حالة التحدى قدر اعتباره حالة يمكن القضاء عليها توًّا لغرورٍ فى القوة، أو يمكن التخلص منها بمزيد من القوة أو التصعيد. هى فى هذه الحالة نوع من «الإنكار» الذى كثيرا ما يؤدى إلى ما هو كارثى.

فى أحوال تاريخية، كان «الاحتواء» استراتيجية أكثر حكمة.. فقد انتهت إلى الانهيار الكامل للاتحاد السوفيتى بعد سبعين عاما من قيامه ودون إطلاق طلقة واحدة أو نزيف نقطة دم.

وثالثًا: تجنب الخلط بين السياسة والأيديولوجيا، والاستعداد كما يفعل الأطباء لفهم أنه ليس كل الأمراض واحدة، ولا كل البشر حالات متماثلة، وكذلك كل الأمم والدول مختلفة ومتنوعة.

نقلا عن المصري اليوم