وماذا تغير فى إسرائيل – الحائط العربي
وماذا تغير فى إسرائيل

وماذا تغير فى إسرائيل



جاءت الانتخابات الإسرائيلية متماشية مع التوقعات واستطلاعات الرأى التى سبقتها بعودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم، وفى الحقيقة أنه ليس أفضل من استعارة ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت لليسارى الإسرائيلى نير أفيشاى كوهين الذى كتب فى 6 نوفمبر تحت عنوان «لا أعذار بعد الآن – إسرائيل دولة عنصرية»، يقول إن النقطة المضيئة فى هذه الانتخابات أن تتوقف إسرائيل عن التظاهر أمام نفسها وأمام العالم، فلم يعد من الممكن إخفاء أن إسرائيل دولة عنصرية، وأن أغلبية مواطنيها تؤيد نظام الفصل العنصرى فى الأراضى المحتلة، وهو ما حاول لبيد وجانتس إخفاءه، وأن الحكومة الجديدة ستكون وفية لمبادئها ولن تخاف مثلما حدث مع الحكومة السابقة، أى استمرار السيطرة العسكرية على الفلسطينيين وتوسيع المشروع الاستيطانى وغياب الحل السياسى، وأن الفلسطينيين هم الخاسر الأكبر، واختتم بأنه سيواصل ما يؤمن به من دعم الشعب الفلسطينى ومساندته فى المرحلة المقبلة.

وفى الحقيقة أن النتائج تستقيم مع المزاج والتوجهات السياسية الإسرائيلية الراهنة، فكما نذكر فى السنوات القليلة الماضية شهدت إسرائيل أطول فترة عدم استقرار فى تاريخها، ممثلة فى سلسلة من الجولات الانتخابية التى لم تحقق فيها أى كتلة سياسية أغلبية كبيرة، ومن ثم لجأت إلى تشكيل حكومات غير مستقرة قاد نتنياهو العدد الأكبر منها، واضطر فى آخرها إلى التحالف مع كتلة جانتس الذى كان يعاديه بشدة وفشل هذا التحالف، لتتمكن الكتلة الوسطية لأول مرة منذ سنوات طويلة فى الوصول للحكم بقيادة لبيد وجانتس، لكن بدورها لم تكن تتمتع بالقوة الكافية لتتمكن من المواصلة، ولم تمارس تباعدا كافيا عن السياسات اليمينية لنتنياهو إلا فى الشكل ومحاولة تخفيف أو تبطىء نمو المستوطنات، من هنا كان من الطبيعى أن يحتفل المستوطنون برحيلها ولا يبكى الفلسطينيون كثيرا على رحيلها.

وفى الحقيقة أن عمر ظاهرة هيمنة اليمين الإسرائيلى طويل، ودليل ذلك أن نتنياهو حقق الرقم القياسى الذى لم يسبقه إليه أى رئيس وزراء سابق، فقد حكم الرجل 3 سنوات فى التسعينيات من القرن الماضى، ثم أكثر من 12 عاما متواصلة من 2009، وكان قد سجل أطول فترة لرئيس وزراء حتى قبل أن يعود الآن، ومتفوقا على بن جوريون، مؤسس الدولة ذاته.

ويأتى اليوم وبرفقته حليف مثير للتساؤلات والمخاوف وهو بن غفير زعيم حزب عوتسما يهوديت، وكانت شعارات حملته الانتخابية تتضمن إلغاء الفصل فى شمال الضفة الغربية، وإعادة بناء مستوطنات مهجورة وتوسيع نطاق الاستيطان فى القدس الشرقية والضفة الغربية، وقانون يمنع جهاز القضاء والمحكمة العليا من إلغاء قوانين، واتباع سياسة تشدد مع المواطنين العرب فى إسرائيل وإلغاء الامتيازات المتفق عليها مع الأسرى الفلسطينيين، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وغيرها.

ولكى نفهم الرجل، أى بن غفير، الذى ينحدر والداه من أصول عراقية، وكان منضما لحركة كاهانا، أنه نشر مقالا مؤخرا بعد فوز حزبه بالمكان الثالث فى الانتخابات متفوقا على حزبى جانتس وليبيت – حزبى الوسط – حاول فيه أنه يطمئن اليسار الإسرائيلى ووصفهم بأنهم أخوة له وأنه نضج بمعنى أنه لن يطاردهم ولا نساءهم كما كانت تصريحاته المتشددة قبل ذلك.

وتزداد خطورة بن غفير فى التحالف الحاكم القادم فى أن المعلومات تشير إلى أن المخطط هو توليه وزارة الأمن الداخلى، وتشير المعلومات كذلك إلى أن طموحه أن يتولى حزبه كذلك وزارة التعليم أو المواصلات.

ولا يقتصر القلق من الحكومة الجديدة وتوجهاتها ومكوناتها على الشعب الفلسطينى، فوفقا لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط فقد أعرب وزير الخارجية الأردنى، أيمن الصفدى، عن قلق بلاده لعدد من سفراء الدول الغربية، من قيام حكومة برئاسة نتنياهو بتغيير الوضع القائم فى القدس وهو ما سيؤدى إلى تأجيج صراع دينى واندلاع انتفاضة فلسطينية قد تكون مسلحة.

ومن ناحية أخرى عاد الرئيس الإسرائيلى هيرتزوج من مشاركته القصيرة فى مؤتمر المناخ بشرم الشيخ للإشراف على مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وقد تم نفى أنه يسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها جانتس وليبيد اللذان أعربا فى جميع الأحوال عن رفض الفكرة، فإنه يتردد أيضا أن نتنياهو يريد مساحة حركة أوسع مما قد يسببه التحالف مع بن غفير، وبما فى ذلك ضم القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية بقيادة النائب منصور عباس. وفى الحقيقة أنه بصرف النظر عن صحة هذه الاحتمالات، وما إذا كانت ستتشكل أكثر حكومة عنصرية ومتشددة فى تاريخ إسرائيل أم ستجرى محاولات لكبح هذا الجموح نسبيا، فإن ما حدث يستقيم بدقة، كما ذكرنا من قبل، مع طبيعة التحولات ومآلات الفكرة الصهيونية، فالآباء المؤسسون للدولة من حزب العمل كانوا يقدمون توليفة مستحيلة وهى بناء مجتمع علمانى ديمقراطى فى إطار فكرة عنصرية لا تستقيم مكوناتها إلا مع مضمون يمينى يناقض أفكار العلمانية والديمقراطية، ومن ثم كان لابد أن يتحول المجتمع الإسرائيلى إلى مزيد من التوجهات اليمينية، وأن يطرح تساؤلات جادة حول مستقبل هذا المجتمع وكذا المستقبل الفلسطينى، وربما يكون لهذا حديث آخر.

نقلا عن المصري اليوم