رغم تراجع النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في العراق منذ بداية شهر نوفمبر الجاري، مقارنة بنشاطه منذ مطلع العام الجاري، إلا أن التنظيم تمكن من تنفيذ عمليتين إرهابيتين، في 19 من الشهر نفسه، أسفرتا عن سقوط نحو 10 ضحايا بين قتيل وجريح، من قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي، على نحو يمثل مؤشراً على احتمال تصاعد النشاط خلال الفترة المقبلة، في ضوء قدرة التنظيم على التكيف مع المتغيرات والمستجدات الميدانية على الساحة العراقية منذ عام 2017.
أعلن تنظيم “داعش”، في 19 نوفمبر الجاري، مسئوليته عن عمليتين إرهابيتين، الأولى استهدفت قيادة الفرقة الثامنة من اللواء 31، على الحدود بين تمركزات قوات الجيش العراقي وقوات البشمركة في كركوك، والثانية استهدفت قوات من الحشد الشعبي في محافظة ديالي. ويمثل الهجومان إنذاراً لقوات الجيش العراقي والعناصر المشاركة في العمليات العسكرية ضد “داعش”، باحتمال استعادة التنظيم لنشاطه العملياتي مجدداً، بعد تراجع ملحوظ خلال شهري أكتوبر الفائت، والـ20 يوماً الأولى من شهر نوفمبر الجاري.
تراجع النشاط
يمكن الوقوف على أبعاد النشاط العملياتي لتنظيم “داعش”، منذ بداية شهر نوفمبر الجاري، ومقارنتها بنشاط التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك على النحو التالي:
1- أقل معدل عمليات خلال 20 يوماً: بمقارنة النشاط العملياتي للتنظيم في العراق منذ بداية شهر نوفمبر الحالي، مع نشاط التنظيم منذ شهر أبريل الماضي، باعتباره الشهر الذي شهد أعلى معدل للعمليات خلال موجة العنف التي أطلقها التنظيم عقب مقتل زعيمه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، تحت اسم “غزوة الثأر للشيخين”، يتضح أن فترة الـ20 يوماً الأولى من شهر نوفمبر شهدت أقل معدل عمليات للتنظيم، وفقاً لرصد بيانات وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”، كما يوضح المخطط التالي:
المصدر: وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”
ويُظهِر منحنى النشاط العملياتي لـ”داعش” في العراق تراجع معدل العمليات تدريجياً خلال شهرى مايو ويونيو، بعد قفزة كبيرة خلال شهر أبريل، في حين تراوح معدل العمليات بداية من يونيو وحتى سبتمبر بين 17 و26 عملية، قبل أن يتراجع المنحنى مجدداً خلال شهر أكتوبر ليسجل 8 عمليات فقط، كأقل معدل شهري بداية من أبريل. وعلى الرغم من تسجيل 3 عمليات فقط خلال فترة الـ20 يوماً في شهر نوفمبر، إلا أنه يتوقع ارتفاع معدل العمليات بنهاية الشهر، ليقترب أو يتجاوز معدل شهر أكتوبر.
2- التركيز على استهداف العسكريين ومقراتهم: رغم تراجع معدل العمليات في شهر أكتوبر الفائت، وخلال الـ20 يوماً من شهر نوفمبر الحالي، إلا أن اللافت تركيز مجموعات التنظيم في العراق على استهداف العسكريين سواء من قوات الجيش العراقي أو عناصر الحشد الشعبي أو قوات الشرطة، أو قوات البشمركة وبعض مقراتهم وثكناتهم، مثل الهجوم على ثكنة للشرطة الاتحادية قرب جسر زغيتون بمنطقة الرشاد -وفقاً لبيان وكالة “أعماق”-، مقارنة بتنوع النشاط العملياتي للتنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية، باستهداف المدنيين في بعض المناطق، وتنفيذ عمليات تخريبية في بعض المنشآت الخدمية، بما يشير إلى تكثيف مواجهة القوات العسكرية المشاركة في العمليات ضد التنظيم، وتوجيه الجهود لهدف حيوي للتصدي للحملات العسكرية.
3- الاعتماد على 3 أنماط من العمليات: بالنظر إلى التركيزعلى استهدافالعسكريين ومقراتهم، يمكن ملاحظة 3 أنماط للعمليات: الأول، زيادة الاعتماد على العبوات الناسفة في العمليات لاستهداف القوات العسكرية والحشد الشعبي على وجه الخصوص، حيث نفذ التنظيم هجوماً على قوات الحشد الشعبي في منطقة العظيم في ديالي، باستخدام 3 عبوات ناسفة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى خلال شهر نوفمبر الجاري. والثاني، الاعتماد على استخدام قذائف الهاون لاستهداف مواقع للشرطة العراقية، ففي شهر أكتوبر الماضي، أعلن التنظيم استهداف تجمع لآليات الشرطة قرب قرية سهيل في كركوك بقذائف الهاون. والثالث، تنفيذ هجمات خاطفة على دوريات للجيش والشرطة باستخدام الأسلحة البسيطة، إذ تبنى التنظيم استهداف دورية للجيش العراقي قرب قرية الطار جنوبي داقوق بكركوك، بالأسلحة الرشاشة خلال شهر أكتوبر الفائت.
4- تركيز العمليات في نطاق “ديالي -كركوك -شمال بغداد”: يستمر التنظيم في تركيز النشاط العملياتي في نطاق جغرافي لديالي وكركوك وشمال بغداد خلال الأشهر القليلة الماضية.وبشكلٍ خاص، تم التركيز على نطاق ديالي وكركوك، مقابل تنفيذ عمليات محدودة في دجلة وصلاح الدين والأنبار ونينوى، بما يشير إلى استمرار استراتيجية التنظيم في التغلغل في ديالي وكركوك، ومحاولة زعزعة القبضة الأمنية، ومواجهة عمليات الجيش والحشد الشعبي بالتنسيق مع قوات البشمركة، وتصدير التوتر إلى الحكومة المركزية في بغداد، بتوالي استهداف مناطق بشمال العاصمة.
تصاعد محتمل
بالنظر إلى تراجع النشاط العملياتي بداية من شهر أكتوبر الفائت، وصولاً إلى الـ20 يوماً في شهر نوفمبر الجاري، فإن العمليتين الإرهابيتين في ديالي وكركوك (19 نوفمبر الجاري)، اللتين أسفرتا عن سقوط عدد ليس بالقليل من قوات الجيش والحشد الشعبي، يمكن أن تكونا مؤشراً على محاولة التنظيم استعادة النشاط العملياتي، في ضوء عدد من الاعتبارات، التي يتمثل أبرزها في:
1- انطلاق مرحلة جديدة من العمليات: يمكن أن يتصاعد النشاط العملياتي للتنظيم خلال الفترة المتبقية من شهر نوفمبر الجاري، وربما يستمر ارتفاع منحنى العمليات خلال شهر ديسمبر المقبل، وهذا ربما يرتبط بشكل أساسي باتجاه قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي إلى الرد على العمليتين الأخيرتين، وبالتالي يتوقع أن يُقدم التنظيم على استهداف القوات المشاركة في العمليات العسكرية ضد عناصره، بالنظر إلى إطلاق الحشد الشعبي عملية تفتيش واسعة من 5 محاور لمطاردة عناصر التنظيم في جبال حمرين شمال شرقي ناحية العظيم، وهى المنطقة التي تمثل ارتكازاً لعناصر التنظيم. إضافة لذلك، فإن الجيش العراقي أطلق المرحلة الثامنة من عملية “الإرادة الصلبة”، في محافظة الموصل، بمشاركة الحشد الشعبي وقوات البشمركة، لملاحقة فلول “داعش” قبل يومين من عمليتي التنظيم في ديالي وكركوك.
2- التركيز على النمط الدفاعي: في ضوء الأنماط العملياتية لـ”داعش” خلال شهر أكتوبر الفائت والـ20 يوماً من شهر نوفمبر الحالي، فإن التنظيم يمكن أن يعتمد على الأنماط الدفاعية لزيادة عملياته، في ضوء استمرار الحرص على استخدام العبوات الناسفة في استهداف الحملات العسكرية وتفخيخ مناطق تمركزات القوات الأمنية، بصورة قد تؤدي إلى زيادة معدل العمليات، من دون اللجوء إلى مواجهات مباشرة وتوسيع مناطق النفوذ في بعض المناطق سواء في ديالي أو كركوك أو شمال بغداد، بما يوفر للتنظيم خفض مستوى الخسائر في عناصره، وإسقاط أكبر عدد ممكن من القوات المشاركة في العمليات، ومحاولة صد العمليات، ولكن هذا لا يعكس في الوقت ذاته زيادة في القدرات العملياتية للتنظيم.
3- محاولة استعادة النشاط العملياتي: يمكن تفسير التراجع في النشاط العملياتي لـ”داعش” في إطار عدم القدرة على مواصلة موجة العنفلعدة أشهر متتالية بنفس المعدل المرتفع،وهي سمة مميزة للتنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن منحنى معدل العمليات على مدار العام يتسم بالتذبذب، صعوداً وهبوطاً، بما يعني أن التراجع العملياتي خلال شهر أكتوبر الفائت والـ20 يوماً من شهر نوفمبر الحالي كان متوقعاً، لعوامل تتعلق بالتنظيم ذاته، من دون إغفال تأثيرات العمليات العسكرية التي تنفذها قوات الجيش والحشد الشعبي بالتعاون مع البشمركة في نطاق النشاط العملياتي للتنظيم جغرافياً في ديالي وكروكوك وشمال بغداد. وهنا فإنه مع تراجع موجة العنف، يتوقع أن يحاول التنظيم استعادة النشاط مجدداً في مرحلة لاحقة، تختلف حسب قدرته على توفير الدعم اللوجيستي ومراجعة خطط العمليات، وبالتالي فإن شهر ديسمبر المقبل سيكون مُحدِّداً لاتجاهات النشاط العملياتي للتنظيم، كما أن شهر يناير القادم سيعطي مؤشراً على قدرات التنظيم الحالية، وإمكانية تصعيد العمليات إلى معدلات تتجاوز 20 عملية خلال الشهر.
4- القدرة على التسلل بين المناطق الرخوة: تكشف عمليات التنظيم منذ شهر أكتوبر الفائت أنه رغم التراجع في النشاط العملياتي، فإن عناصره كانت لديها القدرة على التسلل بين المناطق الرخوة بين ديالي وكوركوك وصلاح الدين، وباتجاه مناطق شمال بغداد، إضافة إلى التماسك في تلك المناطق التي شهدت مراحل مختلفة من العمليات العسكرية والأمنية للتنظيم منذ العام الماضي، وهو ما يُعد مؤشراً على التكيف مع المتغيرات الميدانية، وبالتالي إمكانية استغلال المناطق الرخوة أمنياً، في ضوء وجود مساحات واسعة بين تلك المناطق، لتنفيذ عمليات ضد قوات الجيش والشرطة، إضافة إلى الحشد الشعبي والبشمركة خلال الفترة المقبلة.
مواصلة الضغط
وأخيراً، لا يمكن الجزم باستمرار تراجع النشاط العملياتي لـ”داعش” في العراق خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولكن بشكل عام، فإن استمرار عمليات مكافحة الإرهاب، بشقيها العسكري والأمني لاستهداف مناطق تمركزات التنظيم، وتفكيك قواعد الدعم في مختلف المحافظات شمال وغرب العراق، يُمكن أن يؤدي إلى تحجيم نفوذ التنظيم خلال الفترة المقبلة، ولكن هذا مرهون بقدرة القوات العراقية على مواصلة الضغط على التنظيم، خاصة مع سعيه إلى مواصلة التكيف مع المستجدات التي طرأت على الساحة العراقية منذ طرد عناصره من المناطق التي كانت تحت سيطرته منذ عام 2017.