مخاطر الاستتباع:
هل يهاجم “داعش” القوات الأمريكية بدول الأزمات؟

مخاطر الاستتباع:

هل يهاجم “داعش” القوات الأمريكية بدول الأزمات؟



طرحت العملية الإرهابية التي أعلن تنظيم “داعش” (فرع خراسان) مسئوليته عنها في محيط مطار كابول في 26 أغسطس الجاري- والتي أسفرت عن مقتل 13 جندياً أمريكياً وإصابة 18 آخرين إلى جانب العديد من القتلى والمصابين من المدنيين الأفغان- تساؤلات عدة حول احتمال تركيز التنظيم على مهاجمة القوات الأمريكية الموجودة في بعض دول الأزمات سواء في المنطقة العربية أو في الإقليم بشكل عام، على غرار العراق وسوريا وبعض دول أفريقيا، على نحو يعكس ما يمكن تسميته بـ”مخاطر الاستتباع”، أى محاولة تكرار ما قام به تنظيم “خراسان”- فرع “داعش” بأفغانستان- في دول أخرى بالمنطقة.

ارتدادات سريعة

أثارت العملية الإرهابية الأخيرة لتنظيم “داعش” ضد القوات الأمريكية والمتعاونين معها في مطار كابول رد فعل سريعاً ومباشراً لدى قيادات وكوادر تنظيم “داعش” بأفرعه المختلفة بناءً علي ما تم تداوله من قبل قنوات التنظيم المغلقة والعامة على “دارك ويب”، حيث اعتبرت بعض هذه الأفرع أن ما قام به فرع التنظيم (خراسان)، يمثل- حسب ما أشارت اتجاهات عديدة- “دَفْعة” لباقي أفرع التنظيم لإعادة استخدام هذا النمط من العمليات ضد الهدف نفسه (أى القوات الأمريكية)، فضلاً عن القوات العسكرية الغربية، والأوروبية تحديداً، الموجودة في المنطقة.

 فقد كان لافتاً أن فرع التنظيم في غرب أفريقيا كان أول من بادر إلى تبني تلك الدعوة، عبر التركيز على أهمية استهداف القوات الفرنسية، والأوروبية بشكل عام، المتمركزة في دول منطقة الساحل الأفريقي، على نحو يمكن أن يجعل من فرع التنظيم في غرب أفريقيا تحديداً، إلى جانب فرعيه في كل من سوريا والعراق، هى أكثر الأفرع التي يحتمل أن تقوم بمحاولة تنفيذ عمليات استهداف ضد القوات الأمريكية والأوروبية المتمركزة في بعض دول المنطقة.

تغيير محتمل

منذ نشأة تنظيم “داعش” في عام 2014، وهو يعتمد على استراتيجيات عدة تتركز حول طبيعة المُستهدَف- الذي يطلق عليه “العدو القريب”- ويشمل الأنظمة الحاكمة ومؤسسات الدول المتمركز بها التنظيم، حيث يأتي المُستهدَف “الغربي”- أو العدو البعيد- في مرحلة تالية ضمن أولويات التنظيم. لكن مع قيام “داعش- خراسان” بتنفيذ عملية مطار كابول، بدأ الحديث عن احتمال تغير طبيعة المُستهدَف لديه، سواء عبر التنظيم المركزي “العراق وسوريا” أو من خلال باقي أفرع التنظيم المختلفة.

ومع تحليل الاستراتيجية الجديدة للتنظيم، والتي أعلن عنها في أعقاب سقوط الباغوز في مارس 2019، والإضافات التي كشف عنها في بداية العام الجاري، عبر تصريحات وخطب متحدثه الرسمي المهاجر أبو حمزة القرشي، يتضح أن “داعش” بدأ بالفعل في إعادة ترتيب أولويات القتال وطبيعة المُستهدَف عبر الدمج بين “العدو القريب” و”العدو البعيد”، وهو ما ترجمه في إنشاء وحدة استراتيجية بهدف استهداف الدول الغربية أو التركيز على مصالحها في بعض دول المنطقة، في إطار ما يسمى بتكتيك “الظهور والتلاشي”.

 ويعتمد هذا التكتيك على العملية المفاجئة عبر عناصر انتحارية تقوم على اختيار هدف محدد في نطاق جغرافي معين لإحداث أكبر تأثير سواء من حيث قوة العملية الإرهابية أو باستهداف أكبر عدد من العسكريين والمدنيين على حد سواء، وهو التكتيك نفسه الذي استخدمه الإرهابي عبد الرحمن اللاهوري منفذ عملية مطار كابول في 26 أغسطس الجاري، حيث يعتمد هذا النمط من العمليات الإرهابية على تكتيكات وأسلحة بسيطة وبدائية، تنطلق من دافع الانتقام أو تكتيك الاستنزاف، بعد أن كانت العمليات الإرهابية للتنظيم تعتمد على أهداف كبرى باستخدام تكتيكات قتالية متعددة عبر العديد من العناصر الإرهابية المشتركة في الهجوم الإرهابي، بهدف تحقيق السيطرة الجغرافية.

آليات رئيسية

من هنا، لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تتجه بعض أفرع التنظيم في المنطقة إلى محاولة تكرار ما حدث في أفغانستان، عبر الاعتماد على استراتيجية محددة تضم خمسة آليات رئيسية، تتمثل في:

1- اختيار هدف ومكان محدد: يتسم تكتيك “الظهور والتلاشي” بتحديد مكان الاستهداف. فغالباً ما يتم تنفيذ العملية الإرهابية في مكان جغرافي هش كما حدث في تفجيرات مطار كابول، الذي لا يخضع لسيطرة أمنية محكمة رغم تواجد الآلاف من الأفغان فيه. وقد كان مشهد الأفغان الذين يلاحقون طائرة عسكرية أمريكية في المطار، في 16 أغسطس الجاري، مثالاً على حالة الفوضى الأمنية التي كان يشهدها قبل وقوع العملية الأخيرة.

2- استخدام أسلحة بسيطة ومتوفرة: يعتمد هذا التكتيك على وسائل أوّلية مثل العبوات الناسفة بدائية الصنع، وعمليات القتل الفردي، والاختطاف، والعمليات الانتحارية، والتي يمكن أن تفرض تداعيات قوية بتكلفة أقل، عبر هجمات يصعب التنبؤ بها أو تتبعها، وتتم بصورة خاطفة، وتحظى بتغطية إعلامية تفيد استمرارية التنظيم وتعزز الثقة لدى أتباعه وجمهوره.

3- الاعتماد على الذئاب الانتحارية: يشير الهجوم الأخير على مطار كابول إلى أن تنظيم “داعش” ربما يعتمد على ما يسمى بـ”الذئاب الانتحارية”، التي يقوم من خلالها عنصر أو عنصران من عناصر التنظيم بتنفيذ العملية الإرهابية، على أساس أن “الذئب الانتحاري” يمتلك حرية حركة أكبر، ولا يتعرض لرقابة يمكن أن تحول دون تنفيذه للعملية.

4- القيام بعملية تعبئة مستمرة: يحرص التنظيم بصفة دائمة على الترويج إلى أن التحول إلى استهداف ما يسمى بـ”العدو البعيد” يعود إلى اعتبارات عديدة، منها الرد على الضربات القوية التي نجحت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذها ضده، على نحو أسفر عن مقتل العديد من قيادات الصف الأول والثاني بالتنظيم، بما فيهم زعيمه السابق أبو بكر البغدادي ومتحدثه الرسمي أبو حسن المهاجر. وبمعنى آخر، فإن التنظيم يقوم بعملية تعبئة مستمرة لعناصره، من أجل تحفيزهم لتنفيذ ما يطلبه منهم في أوقات محددة، على غرار ما حدث عندما سعى إلى استهداف القوات الأمريكية والمتعاونين معها خلال عمليات الإجلاء التي كانت تجري داخل مطار كابول.

5- محاولة إظهار تماسك وقوة التنظيم: يبذل “داعش” جهوداً حثيثة لإثبات قدرته على الاستمرار والبقاء، بل إنه يحاول في هذا السياق الترويج إلى أن بعض الخطوات التي يقوم بها، مثل الانسحاب من بعض المناطق، لا تعكس هزيمته أمام القوى المناوئة له، بقدر ما تشير إلى عملية إعادة انتشار جديدة يقوم بها بهدف توسيع نطاق سيطرته وإعادة ترتيب صفوفه استعدادًا لجولات جديدة من المواجهات العسكرية. وهنا، فإن فرعى “داعش” في كل من سوريا والعراق قد يحاولان استهداف قوات غربية، ولاسيما أمريكية، لتحقيق هذا الهدف تحديداً، باعتبار أن ذلك يحظى باهتمام خاص من جانب التنظيم، الذي يدرك أن الاستمرار في التعرض لهزائم متلاحقة من شأنه إضعاف تماسكه وتزايد احتمالات انشقاق قياداته وكوادره عنه.

في المجمل، وجّهت العملية الإرهابية لتنظيم “داعش- خراسان” في مطار كابول رسالة تحذيرية مفادها أن التنظيم ربما يركز في المرحلة القادمة على استهداف القوات الأمريكية والأوروبية المنتشرة في بعض دول الأزمات، حيث يحاول عبر ذلك ضمان استمراريته بالرغم من محدودية الإمكانيات الحالية التي يمتلكها وفقدانه معظم قياداته ومناطق نفوذه.