الضمانات الدولية:
هل ينجح نجيب ميقاتي في تشكيل الحكومة اللبنانية؟

الضمانات الدولية:

هل ينجح نجيب ميقاتي في تشكيل الحكومة اللبنانية؟



أثار الإعلان عن تكليف رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة، في 26 يوليو 2021، بعد أيام قليلة من اعتذار سعد الحريري، تساؤلات عديدة حول العامل الخارجي وحضوره في مشهد تكليف ميقاتي، خاصة أنه ألمح عقب التكليف إلى وجود ضمانات دولية وأمريكية لمنع انهيار لبنان، وهو ما فسرته اتجاهات عديدة بحصوله على دعم خارجي لإنجاح مهمته، فضلاً عن أنه صرح بأن المبادرة الفرنسية ستشكل المرجعية الأساسية في مهمة تشكيل الحكومة.

ولكن بالرغم من ذلك، فإن مدى نجاح ميقاتي في تشكيل الحكومة سيظل قضية غير محسومة، ومحفوفة بالعديد من التحديات، في ظل التجاذبات السياسية التي طغت على المشهد اللبناني خلال الشهور الماضية، وإخفاق كل من مصطفى أديب وسعد الحريري في تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى تعددية الأدوار الخارجية داخل لبنان والتي تنطوي على تنافس وتعارض بين مصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية.

الدعم الخارجي:

أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، في 26 يوليو الفائت، عن تكليف رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، وذلك عقب حصول الأخير على موافقة البرلمان بأغلبية 72 صوتاً. وخرج ميقاتي بعد التكليف ليصرح بأنه “لا يملك عصا سحرية، وأنه يُعوِّل على تضافر الجهود للنجاح في مهمة إخماد الحريق المتمدد في لبنان”.

ويلاحظ أن البعد الدولي لم يكن غائباً في تصريحات ميقاتي، حيث أشار، في حوار مع صحيفة “النهار” اللبنانية، في اليوم نفسه، إلى أن “هناك ضمانات دولية وأمريكية لعدم انهيار لبنان”. وأكد أيضاً “أنه يريد تشكيل حكومة تقنية، كى يسير بالمبادرة الفرنسية القادرة على مساعدة لبنان”.

وقد استدعت هذه التصريحات عدداً من الدلالات الرئيسية، المرتبطة بحصول ميقاتي على دعم خارجي لتسهيل مهمته، وتتمثل هذه الدلالات فيما يلي:

1- الخبرات الشخصية: ربما تزيد الخبرات الشخصية لميقاتي من فرصه في الحصول على دعم دولي، فهو معروف عنه تولي الحكومات في فترات الأزمات، حيث تولى رئاسة الحكومة بصورة مؤقتة في إبريل 2005 بعد اغتيال الحريري، وتولى المنصب حينها لمدة ثلاثة أشهر للإشراف والإعداد للانتخابات النيابية، كما تولى رئاسة الحكومة مرة ثانية في يونيو 2011 في خضم تداعيات الربيع العربي بالمنطقة.
ويقدم ميقاتي نموذجاً للسياسي المنفتح على أطراف دولية عديدة وخاصة مع حضوره وعضويته في عدد من المؤسسات الدولية، كما أنه أحد أثرياء لبنان، وهذا البعد يمكن أن يعزز من الدعم الدولي له، إذ ترى اتجاهات عديدة أن عقلية رجل الأعمال التي يتسم بها ميقاتي يمكن أن تكون مناسبة في الوقت الراهن بالنسبة للبنان وخصوصاً أن هناك برامج مطروحة من المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، لدعم الاقتصاد اللبناني، كما أشارت بعض التقارير إلى أن ميقاتي حصل على دعم دولي بشرط التزامه ببرنامج التعاون الفوري مع صندوق النقد الدولي وتأليف حكومة تضمن إطلاق برنامج الإصلاحات.

2- طبيعة الحكومة القادمة: ربما يكون إعلان ميقاتي عن طبيعة الحكومة الجديدة مُحفَِّزاً للحصول على المزيد من الدعم الخارجي لمهمته، إذ أعلن، في حواره مع صحيفة “النهار”، أنه “من غير الممكن اليوم تشكيل حكومة تكنوسياسية”، ولكن “يجب الذهاب لحكومة تقنية بحتة لأننا على بعد أشهر قليلة من الانتخابات النيابية في مايو 2022، كى تتمكن من القيام بإعداد المراسيم التنظيمية والقوانين اللازمة للسير بالمبادرة الفرنسية”.

3- التأييد الفرنسي: يبدو أن ترشيح ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة يحظى بدعم فرنسي، فخلال الشهور الماضية تواترت العديد من التقارير عن تأييد باريس لترشيح ميقاتي لرئاسة الحكومة وخصوصاً مع العلاقات الجيدة التي تجمعه ببعض المسئولين الفرنسيين على غرار مدير المخابرات الفرنسية برنار ايمييه.
وأكدت فرنسا على دعمها لميقاتي عقب الإعلان عن تكليفه، حيث صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آنييس فون دير مول، في 26 يوليو الفائت، بأن “فرنسا أحيطت علماً بموضوع تسمية نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة اللبنانية، وتعتبر أن الأولوية في لبنان هي تشكيل حكومة كفاءات تكون قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية التي يطمح إليها الشعب اللبناني”، وأضافت أن “فرنسا تدعو جميع الساسة اللبنانيين لتحمل مسئولياتهم والسماح بتشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات”.

4- الموقف الأمريكي: يمكن أن يساعد الموقف الأمريكي الأوَّلي من ترشيح ميقاتي في تعزيز مهمته في تشكيل الحكومة، حيث دعت وزارة الخارجية الأمريكية ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة سريعاً، وطالبته بمواصلة الإصلاحات. وهذا الموقف يرتبط بحديث عن ضمانات أمريكية تتعلق بتقديم مساعدات لمواجهة الأزمة الاقتصادية في لبنانية، وتوافق مع الجانب الفرنسي يتعلق بالاستثمارات التي ستركز على مرفأ بيروت وقطاع النفط.
فضلاً عن ذلك، أعلنت واشنطن، في 30 يوليو الفائت، عن دعمها لنظام العقوبات الأوروبية المفروضة على الكيانات والشخصية اللبنانية التي تعرقل عملية تشكيل الحكومة، وهو أمر يستبطن موقفاً أمريكياً داعماً لميقاتي.

تحديات محتملة:

بالرغم من أهمية العوامل والمعطيات السابقة كمُحفِّزات لنجاح نجيب ميقاتي في مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، بيد أنه يجب التعامل معها بدرجة كبيرة من الحذر، لاعتبارات مختلفة، بعضها خارجي. إذ أن بعض القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى استغلال نفوذها في لبنان كورقة لخدمة مصالحها، فعلى سبيل المثال، اعتادت إيران خلال العقود الماضية على التعاطي مع قضايا المنطقة بسياسة الحزمة الواحدة، ولعل هذا ما يفسر، ولو بشكل جزئي، سبب تعطل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، إذ تستخدم طهران الملف اللبناني كورقة للضغط والمساومة مع القوى الدولية بهدف تعزيز موقعها التفاوضي في فيينا، للوصول إلى صفقة جديدة بشأن الملف النووي تتضمن عوائد اقتصادية كبيرة، فضلاً عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.

ومن جهة أخرى، يحتمل أن تواجه عملية تشكيل الحكومة الجديدة تحديات داخلية متعلقة بالصراع القائم بين القوى السياسية، وهو الصراع الذي يفرض المزيد من الضغوط على ميقاتي. وفي هذا الصدد، يبدو أن بعض القوى الدولية تحاول قطع الطريق على الأطراف السياسية الداخلية وإرغامها على التوافق فيما بينها وتحييد الصراعات كأداة لإنجاح مهمة ميقاتي. ويدلل على ذلك التوجه، إعلان الاتحاد الأوروبي، في 30 يوليو الفائت، إقرار إطار قانوني لنظام عقوبات يستهدف أفراداً وكيانات لبنانية. وذكر الاتحاد، في بيان له، أن “هذا الإطار يتيح إمكانية فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات المسئولين عن تقويض الديمقراطية أو سيادة القانون في لبنان”، وأضاف البيان أن “عقوبات الاتحاد ستستهدف الأشخاص الذين يعرقلون هذه العملية، وتتكون من حظر سفر إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد أصول للأشخاص وتجميد أصول للكيانات. وبالإضافة إلى ذلك، يُحظر على الأشخاص والكيانات في الاتحاد الأوروبي إتاحة الأموال لأولئك المدرجين في القائمة”.

من هنا، يمكن القول إن مهمة ميقاتي تواجه عقبات عديدة، ليس فقط بسبب اتساع نطاق الخلافات بين القوى السياسية الداخلية، وإنما أيضاً بسبب تقاطع مصالح وحسابات القوى الخارجية المعنية بما يحدث على الأرض داخل لبنان.