عقبات ضاغطة:
هل ينجح مؤتمر أصدقاء السودان في تسوية الأزمة السياسية الراهنة؟

عقبات ضاغطة:

هل ينجح مؤتمر أصدقاء السودان في تسوية الأزمة السياسية الراهنة؟



اجتمعت مجموعة دول أصدقاء السودان، في 18 يناير 2022، بمقر وزارة الخارجية السعودية بالعاصمة الرياض، وشارك في هذا المؤتمر المجموعة الأوروبية ممثلة في دول “بريطانيا” و”فرنسا” و”النرويج” و”السويد”، وكذلك الولايات المتحدة، فضلاً عن “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”، ودولة “الإمارات العربية المتحدة” والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي “ديفيد ساترفيلد”، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية “مولي فيي” وسفراء الدول الأوروبية في الخرطوم.

تطورات التأزم

اكتسب انعقاد مؤتمر أصدقاء السودان في هذا التوقيت، أهمية خاصة؛ نظراً لعدة ارتباطات رئيسية متعلقة بالتطورات السياسية والاقتصادية المتأزمة داخل السودان، ومن أبرزها ما يلي:

1- تجاوز مرحلة الفراغ الدستوري: فمنذ الإجراءات الانقلابية التي اتخذها الجيش السوداني، في 25 أكتوبر الماضي، بما فيها الإطاحة بالحكومة الانتقالية السابقة، ولم يتمّ حتى الآن تشكيل حكومة وطنية جديدة، خاصة بعد استقالة رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” وما ترتب على ذلك من زيادة حدة الأزمة السياسية الراهنة وتعقيدها، كما لم تنجح الجهود الإقليمية والدولية في تقريب وجهات النظر بين المكونين المدني والعسكري لتجاوز هذه الأزمة، واستكمال المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى عدم تشكيل مجلس تشريعي وطني كما كان متفقاً عليه من قبل.

2- بدء عصيان مدني وإضراب عام: تزامن انعقاد هذا المؤتمر مع بدء عصيان مدني وإضراب عام في كافة أنحاء السودان، دعت إليه الكيانات المهنية النقابية ولجان المقاومة وبعض القوى السياسية الرافضة للانقلاب العسكري على السلطة المدنية، وذلك احتجاجاً على مقتل 7 محتجين برصاص القوات الأمنية في 17 يناير الجاري خلال مظاهرات سلمية بالعاصمة الخرطوم.

3- تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية: جاء انعقاد مؤتمر أصدقاء السودان بالرياض في ظل ما تشهده السودان من استمرار للأوضاع الاقتصادية المتردية، وما لذلك من تداعيات على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للشعب السوداني، ومن المؤشرات الدالة على ذلك ارتفاع التضخم ليصل إلى حوالي 359%، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، واستمرار تدهور قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار (الدولار يساوي 436 جنيهاً سودانياً تقريباً)، وارتفاع معدلات البطالة لتسجل حوالي 19%، وارتفاع معدلات الفقر بين أفراد المجتمع لتصل إلى حوالي 46.5% وفق تقارير الأمم المتحدة، في حين تشير بعض المصادر السودانية إلى أن نسبة الفقر وصلت إلى حوالي 80% طبقاً للواقع الاقتصادي الحالي الذي يشهد تراجعاً في كافة معدلات الإنتاج، وقد زادت إجراءات الإصلاح الاقتصادي -بما فيها رفع الدعم- من معاناة المواطنين اليومية.

4- زيادة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للسودان: دفعت التعقيدات الحالية في المشهد السياسي السوداني بالفاعلين الإقليميين والدوليين المنخرطين في الأزمة السودانية، إلى التدخل في محاولة لحل الأزمة السياسية الراهنة، وكان آخر مظاهر ذلك إرسال واشنطن وفداً أمريكياً على رأسه المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي “ديفيد ساترفيلد” ومساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية “مولي فيي”، في 18 يناير الجاري للخرطوم، بالإضافة إلى طرح عدد من مبادرات الوساطة بين الأطراف السودانية لحل الأزمة السياسية المتفاقمة، ومن أهمها المبادرة الأممية التي طرحتها بعثة الأمم المتحدة في السودان “يونيتامس”، ومبادرة الاتحاد الإفريقي، ودور الوساطة الذي تلعبه دولة جنوب السودان، حيث لا تزال الأطراف السودانية متمسكة بوجهة نظرها، وعدم إعلاء المصلحة الوطنية للبلاد على طموحاتها السياسية والوصول إلى الحكم.

أهداف مترابطة

رأت مجموعة أصدقاء السودان ضرورة انعقاد هذا المؤتمر العاشر من نوعه (كان آخر اجتماع لأصدقاء السودان في ألمانيا 28 يناير 2021)، وذلك من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، على النحو التالي:

1- إنهاء حالة الاحتقان السياسي: تمثل الهدف الرئيسي لمؤتمر أصدقاء السودان في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية، وخاصة المكونين المدني والعسكري، في ظل حالة الانقسام الشديد بينهما بسبب تصاعد حدة الخلافات بينهما بشأن كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، ولا تزال هذه الخلافات قائمة واتخذت منحنى متصاعداً منذ إطاحة الجيش السوداني بالحكومة الانتقالية السابقة برئاسة “عبدالله حمدوك” وما أدى إليه ذلك من إثارة غضب القوى السياسية والمدنية التي تطالب المكون العسكري بتسليم السلطة بالكامل للمدنيين. في حين يصر قادة الجيش على عدم تسليم السلطة إلا لحكومة مدنية تم انتخابها، وكذلك غياب التوافق الوطني بين المكونات السياسية المنقسمة بين قوى الحرية والتغيير والأحزاب المؤيدة لها والمنضوية تحت رايتها والمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين ورفض مشاركة المكون العسكري أو التفاوض معهم أو الحوار معهم في السلطة، وفي المقابل قوى الحراك الوطني وجماعة الإصلاح أو الميثاق المنشقة عن قوى الحرية والتغيير التي تؤيد ترؤس المكون العسكري للسلطة.

2- دعم الانتقال الديمقراطي: اتفق المشاركون في مؤتمر أصدقاء السودان على ضرورة مواصلتهم الدعم السياسي للأطراف السودانية المختلفة، بما يساعدهم على إنجاح تجربة الحكم الانتقالي بشكل يعزز الممارسات الديمقراطية في البلاد. وقد أيد ذلك الاجتماع الذي عقدته مجموعة الدول الرباعية (الإمارات – السعودية – بريطانيا – الولايات المتحدة الأمريكية) في الرياض على هامش مؤتمر أصدقاء السودان، والذين أكدوا على التزامهم بمواصلة تقديم الدعم للسودان ودعم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان “يونيتامس”، وضرورة تنفيذ أجندة الإصلاحات السياسية لتحقيق الاستقرار السياسي الدائم في السودان، في ظل مطالبات من قبل بعض القوى الدولية بإعادة الحكومة الانتقالية للسلطة.

3- وقف أعمال العنف: تم عقد هذا المؤتمر بغرض البحث في سبل وقف العنف الذي تشهده السودان، وذلك على خلفية ما شهدته المظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية، التي انطلقت في ديسمبر الماضي واستمرت حتى 17 يناير الجاري، من وقوع العشرات من المصابين والقتلى في صفوف المتظاهرين، وهو ما دفع رئيس البعثة الأممية “فولكر بيريتس” لدعوة المجتمع الدولي لدعم فعال لوقف العنف بالتزامن مع دعم العملية السياسية الراهنة، وفي الوقت نفسه الدعوة لإجراء حوار وطني يشمل كافة الأحزاب والقوى السياسية والمدنية بغرض إيجاد أرضية مشتركة بين المكونات السياسية فيما بينها.

وقد أعلن المجلس السيادي الانتقالي برئاسة الفريق “عبدالفتاح البرهان” تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث يناير، استجابة لهذه الجهود وتجنباً لأية عقوبات دولية في هذا الصدد، خاصة في ظل الاتهامات التي توجهها القوى السودانية والدولية للسلطات السودانية باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وبالتالي مطالبتهم باحترام حرية التعبير والتجمعات السلمية، وإعلان لجان المقاومة العصيان المدني الشامل لمدة يومين في كافة أنحاء السودان احتجاجاً على العنف المفرط الذي تستخدمه السلطات السودانية لقمع المتظاهرين السلميين، وذلك بهدف الضغط على السلطات الانتقالية لوقف أعمال العنف ضد المدنيين والاستجابة لمطالب المتظاهرين.

4- بلورة آلية دولية لتسوية الأزمة السياسية: طالبت قوى الحرية والتغيير مجموعة دول أصدقاء السودان بدعم مطلب تأسيس أو تشكيل آلية دولية رفيعة المستوى تكون مقبولة للشعب السوداني، ومتوافقة مع تطلعاته، لتساعد في تطوير عملية سياسية تحظى بثقة الأطراف السودانية المختلفة، وتؤسس إطاراً دستورياً جديداً يحقق مطلب السلطة المدنية الكاملة التي ينشدها الشعب السوداني. وجاء هذا المطلب بعد أن عبّرت قوى الحرية والتغيير عن تعاطيها الإيجابي مع المبادرة الأممية الساعية لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الحالية.

ومن الملاحظ أنمؤتمر أصدقاء السودان هذه المرة لم يتطرق لمسألة دعم الاقتصاد السوداني ومساعدته على النهوض مرة أخرى، في ظل توقعات خبراء الاقتصاد باستمرار عدم الاستقرار الاقتصادي في السودان على المدى المتوسط؛ بسبب غياب التوافق الوطني، واستمرار الأزمة السياسية وانعكاساتها المباشرة على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ويمكن تفسير ذلك من خلال تركيز المؤتمر على مناقشة كيفية تسوية الأزمة السياسية المتفاقمة في السودان، خاصة وأن استمرارها سيؤدي إلى استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي استحوذت التطورات السياسية والأمنية على اجتماعات المؤتمر الذي لم يستغرق سوى يوم واحد فقط.

فرملة العدوى

خلاصة القول، جاء اجتماع دول أصدقاء السودان في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة السياسية الراهنة بالبلاد، بشكل دفع الفاعلين الخارجيين المنخرطين في الشأن السوداني، إلى سرعة التحرك في محاولة منهم لضمان الانتقال السلمي للسلطة، ومن ثم تحقيق الاستقرار السياسي المطلوب لمنع انتقال تداعيات الأزمة السياسية السودانية إلى دول الجوار، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لهؤلاء الفاعلين داخل السودان. ورغم تلك الجهود الدولية، فإن تحقيق الاستقرار السياسي في السودان سيظل رهناً بتوافر توافق وطني وإرادة لدى المكونين المدني والعسكري لتجاوز الخلافات القائمة، والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للخروج من هذه الأزمة.