تحديات قائمة:
هل ينجح “شياع السوداني” في تعديل الدستور العراقي؟

تحديات قائمة:

هل ينجح “شياع السوداني” في تعديل الدستور العراقي؟



لا تزال الحكومة العراقية برئاسة “محمد شياع السوداني” تعاني من أزمة خلافات بين مكوناتها السياسية، والتي عادت إلى الواجهة مؤخراً إبان الإعلان عن إجراء “التعديلات الدستورية”، والتي فشلت حتى الآن في الحصول على “توافق سياسي” يجمع مختلف التيارات والقوى المشاركة في عملية صنع القرار بالدولة على طبيعة تعديل بعض فقرات الدستور التي من المفترض (إن تمت) تحدث حالة من “الاستقرار السياسي” بالبلاد. ومع ذلك، فإن ثمة تحديات قائمة تواجه حكومة “السوداني” لإجراء تعديل في بعض فقرات الدستور الحالي، من بينها: الخلاف القائم حول تنفيذ المواد الخاصة بالتعديل الدستوري، ورفض حكومة إقليم كردستان انتزاع سلطاتها الدستورية، وعرقلة القوى السياسية العراقية لتنفيذ بعض مواد الدستور، وضرورة توافر موارد مالية وإجراءات لوجستية لعملية تعديل الدستور.

ثمة دوافع قد تكون السبب في رغبة كل من الرئيس العراقي “عبداللطيف رشيد”، ورئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني”، في إجراء تعديل على دستور البلاد، منها ما يلي:

1- فشل المحاولات السابقة لتعديل الدستور: تجدر الإشارة إلى أن هذه التعديلات الدستورية -إذا نجحت حكومة “السوداني” في إقرارها- ستكون الأولى من نوعها منذ أن دخل دستور البلاد الحالي حيز التنفيذ في مايو 2006 عقب عملية استفتاء شعبي في أكتوبر 2005 حظيت بموافقة 79% من الأصوات، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى التي تسعى فيها بلاد الرافدين لإجراء تعديل على دستورها الذي يصفه الخبراء والمتخصصون في القانون الدستوري بـ”الجامد وليس المرن” (أي لا يتم تعديله إلا بإجراءات طويلة ومعقدة)، فقد جرت محاولة لتعديل الدستور في عامي 2009 و2019، ووقتها كان يتم تشكيل “لجان لتعديل الدستور”، إلا أنها سرعان ما كانت تتلاشى ويتوقف عملها دون الوصول إلى أية نتيجة إيجابية، رغم أن الدافع وراءها كان “مطلباً شعبياً” إلا أنها كانت تواجه بـ”رفض سياسي”.

2- إجراء مراجعة شاملة على بعض المواد الدستورية: برز أول مساعي “السوداني” لإجراء تعديل على الدستور المكون من 144 مادة في أواخر يناير 2023 عندما أصدر قراراً يقضي بتعيين “حسن نعمة الياسري” مستشاراً له للشؤون الدستورية، للقيام بمهمة الاجتماع مع ممثلي الرئاسات التنفيذية والتشريعية وبعض مسؤولي السلطة القضائية لرسم ملامح خارطة طريق لإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة. وبالفعل، عرض “الياسري” في 8 فبراير 2023، مشروع الحكومة للتعديلات الدستورية على الرئيس “عبداللطيف رشيد”، وذلك للبدء في أولى خطوات إجراء عملية مراجعة شاملة على بعض مواد الدستور التي لا تتسق مع المستجدات الراهنة، وخاصة المادة الأولى المتعلقة بنظام الحكم السياسي بالبلاد، وإمكانية تحويله من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي، وإجراء تعديلات على عمل المحكمة الاتحادية (متخصصة في الفصل بين النزاعات الدستورية)، والمواد المتعلقة بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الحكومة، والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان، وغيرها.

3- وضع رؤية كاملة للخروج من حالة “الجمود السياسي”: اتجاه الحكومة العراقية لتعديل الدستور في الوقت الراهن يهدف إلى وضع “رؤية كاملة” لتعديل البنود الدستورية التي تسببت على مدار الأعوام الماضية في تفاقم الخلافات بين المكونات السياسية العراقية، ومن ثمّ المساهمة في إجراء عملية “تداول السلطة” في بلاد الرافدين بدون أية أزمات تعرقلها، والتخلّص من حالة “الجمود والانسداد السياسي” التي أثرت سلباً على بلاد الرافدين منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والتي تظهر بشكل مستمر عقب إعلان نتائج الانتخابات النيابية، والتي كان آخرها في أكتوبر 2021، فوقتها أعلن زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” بعد حصول تياره على أغلبية الأصوات اعتزاله العمل السياسي وذلك بعدما فشل في تشكيل حكومة أغلبية قوية بعد خلاف مع العناصر الموالية لإيران بالعراق والتي نجحت بعد عام من “الانسداد السياسي” من خلال تحالف الإطار التنسيقي في تشكيل حكومة بقيادة “السوداني”.

وفي إطار الدوافع السالف ذكرها، هناك جملة من التحديات ستظل عائقاً أمام تحركات الحكومة العراقية بقيادة “السوداني” لتعديل الدستور، منها ما يلي:

1- الخلاف القائم حول تنفيذ المواد الخاصة بالتعديل الدستوري: توجد بالعراق مادتان معنيتان بتعديل الدستور، هما المادة 126، والمادة 142. تنصّ الأولى على أن إجراء أي تعديل للدستور يكون من خلال اقتراح مشترك من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو من قبل خُمس أعضاء مجلس النواب، وفي هذه الحالة يتطلب تشكيل لجنة مكونة من مختلف التيارات السياسية في أول انعقاد للبرلمان ثم تعرض اللجنة خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر التعديلات الدستورية المقترحة على مجلس النواب، وتشترط الحصول على موافقة (ثلثي) أعضاء البرلمان العراقي المكون من 329 نائباً، وبعدها تعرض التعديلات للاستفتاء الشعبي العام.

وفي حال تمت الموافقة عليها تعرض على رئيس الجمهورية للمصادقة عليها خلال سبعة أيام، وهذه المادة مرفوضة من قبل إقليم كردستان الذي يرى أنها تنتزع من سلطاته وتمنحها للسلطات الاتحادية في بغداد، ولذلك تم تدشين المادة (142) وتتضمن شروط المادة 126 ذاته ولكن أُضيف إليها شرط آخر لإرضاء كردستان متعلق بمنح (حق الفيتو) لثلاث محافظات (بمعنى أن لا يرفض التعديلات ثلثا المصوتين بثلاث محافظات عراقية من الثماني عشرة محافظة)، وفي حال رفضوا تكون جميع التعديلات “باطلة وملغاة”، ولذلك بعد إصدار المحكمة الاتحادية العليا (أعلى محكمة في العراق) عام 2017، حكماً ينص على أن تعديل الدستور لا يمرر إلا وفقاً للمادة 142، ومن وقتها والعراقيل تواجه أي حكومة تريد تعديل الدستور.

2- رفض حكومة إقليم كردستان انتزاع سلطاتها الدستورية: منذ إعلان استقلال إقليم كردستان العراق في سبتمبر 2017، وصدور المادة 142 (يعتبرها بعض الخبراء الدستوريون مادة دخيلة على الدستور العراقي)، وحكومة الإقليم تتخوف من أي تعديلات يُمكن أن تُسهم في إنهاء وضعها “الفيدرالي الدستوري”، ومن ثم خسارتها للثروات النفطية بمدينة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، ومن ثمّ تتخوف الأحزاب الكردية الممثلة في البرلمان العراقي من الموافقة على أية تعديلات دستورية قد تمنح القوى السياسية الشيعية الهيمنة بشكل دائم. ولذلك عندما أعلنت حكومة “السوداني” عن مساعيها لتعديل الدستور، برز عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، ليؤكدوا رفضهم لأي دستور ينتقص من صلاحياتهم، من بينهم العضو “ريبين سلام”، مشدداً في تصريحات لموقع “بغداد اليوم”، في 13 فبراير الماضي: “تعديل الدستور يجب أن لا يمس حقوق الكرد الذي تم تضمينها، والدستور الحالي هو من أفضل الدساتير في المنطقة.. وإذا كان الهدف من تعديله إلغاء مواد وتغيير حقوق للكرد أو المكونات الأخرى فلن نوافق عليه إطلاقا”.

3- عرقلة القوى السياسية العراقية لتنفيذ بعض مواد الدستور: إن من أبرز التحديات التي لا تزال تعوق أي محاولة لتعديل الدستور حتى الآن، هو الفشل في تطبيق الدستور ذاته من قبل بعض القوى السياسية العراقية والتي لطالما تفاخرت بذلك، إذ إن دستور 2005 الذي شاركت به مختلف الجماعات السياسية والدينية والعرقية والطائفية، لا يتم الالتزام بأحكامه في أوقات عدة؛ بل تستبدل تلك القوى بعض بنود الدستور التي لا تتماشى مع أهدافها بتمرير تشريعات أخرى تخدم مصالحها، وهذا هو السبب الرئيسي في عدم استقرار العملية السياسية ببلاد الرافدين وتهديد أمن البلاد وتفشي الفساد. فعلى سبيل المثال، رفع التيار الصدري في سبتمبر الماضي، دعوى أمام المحكمة الاتحادية العراقية لحل البرلمان، رغم أن الدستور لا يمنح المحكمة الحق في حل البرلمان.

ولعل أبرز الأمثلة الأخرى على عدم تنفيذ بعض مواد الدستور على مدار السنوات الماضية، (المادة 140) الخاصة بحل قضية الأراضي المتنازع عليها بين حكومة بغداد وإقليم كردستان، والتي تتوزع بين محافظات كركوك ونينوى شمال العراق، ومحافظة واسط بالجنوب، وديالى بالوسط (هذه المناطق بها خليط من الطوائف والقوميات، سواء من عرب، وأكراد، وتركمان، وسنة، ومسيحيين)، فمن جهة يضغط الأكراد لحل هذه القضية للحصول على الثروات النفطية ولا سيما بكركوك، وهو الأمر الذي يرفضه التركمان وبعض القوى السياسية الأخرى المطالِبة بعرض المسألة على الاستفتاء الشعبي وفقاً لما هو منصوص عليه بالدستور، ولذلك لم تُحلّ قضية هذه المادة حتى الآن.

4- ضرورة توافر موارد مالية وإجراءات لوجستية لعملية تعديل الدستور: إن العراقيل التي تواجه عملية تعديل الدستور ليست مقتصرة فقط على توافق مختلف القوى السياسية العراقية، بل تحتاج إلى موارد مالية هائلة لتنظيم عملية “استفتاء شعبي”، بجانب إجراءات لوجستية وفنية تضمن إجراء عملية تعديلات دستورية نزيهة وذات شفافية، خاصةً أن الدستور العراقي مصنّف بأنه من “الدساتير الجامدة” التي في حال تعديلها ينبغي تنفيذ إجراءات طويلة ومعقدة نسبياً لمرورها بمراحل عدة حتى يصل إلى عملية الاستفتاء الشعبي، وهذا إذا تم الاستناد في آلية تعديل الدستور على المادة (142) وليس المادة (126)، ولعل هذه النقطة هي التي دفعت “السوداني” إبان توليه الحكومة العراقية لتدشين لجان خاصة بمكافحة الفساد وتكثيف العمل لاسترداد أموال العراق المهربة إلى الخارج، حتى يسهل فيما بعد التفرغ لعملية “تعديل الدستور” وتخصيص جميع الموارد المالية اللازمة لإنجاح هذه العملية، إذ إن هذا العنصر وفقاً لبعض المراقبين كان سبباً في تراجع بعض الحكومات عن إجراء أية تعديلات دستورية على مدار السنوات الماضية.

عملية معقدة

خلاصة القول، إنّ إجراء الحكومة العراقية برئاسة “محمد شياع السوداني” تعديلاً على الدستور في الوقت الراهن ليس بالأمر السهل وفقاً لما أكده عدد من المختصين العراقيين بالشؤون الدستورية، الذين وصفوها بـ”عملية شبه مستحيلة”، إذ لا تزال الخلافات السياسية تسيطر على أبرز القوى العراقية، الكردية والسنية الشيعية، فكل منها يسعى للحصول على أكبر قدر من المكاسب حتى لو على حساب تحريف نتائج العملية الدستورية لصالحها، وعليه فإن هناك دعوات بضرورة إشراك الشعب ومنظمات المجتمع المدني المختلفة في عملية تعديل الدستور حتى يسهل تمريرها، وعدم اقتصار الأمر على النخبة الحاكمة أو على حزب سياسي بعينه، ومنح الشعب العراقي بأكمله مساحة أوسع للتعبير عن أولوياته لدفعه للاهتمام بهذه العملية التي في حال نجاحها فستُحدث تغييراً إيجابياً في البلاد.