الجماعة المأزومة:
هل يمكن أن يتفكك تنظيم الإخوان المسلمين؟ (ملف خاص)

الجماعة المأزومة:

هل يمكن أن يتفكك تنظيم الإخوان المسلمين؟ (ملف خاص)



شكّلت لحظة الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر، في 30 يونيو 2013، نقطة تحول جوهرية في التنظيم، فالهزيمة التي لحقت بالجماعة وفقدانها السلطة سرعان ما انتقلت إلى التركيبة الداخلية للتنظيم، لتتصاعد حدة الخلافات بين مكونات التنظيم وتتسع دائرة الاستقطابات الداخلية بين ما يمكن وصفه بمراكز قوى داخل التنظيم، التي تباينت مواقفها تجاه مستقبل الجماعة وإدارة شؤونها، وبمعنى أدق التعامل مع مرحلة الخروج من السلطة، وكيفية الاستجابة لمطالب أفراد الجماعة الذين فروا من دولهم وباتوا يعتمدون على التنظيم في تدبير شؤونهم المالية والحياتية. وما زاد من أزمة الإخوان أن هناك العديد من المشكلات الأخلاقية التي لاحقت أعضاء بالتنظيم، والاتهامات التي وُجهت لبعض القيادات بالاستيلاء على أموال الجماعة. ناهيك عن الخسائر السياسية التي تعرضت لها فروع التنظيم الدولي للإخوان في أكثر من دولة، وكذلك الضغوط التي تزايدت على التنظيم نتيجة التغير في السياسة الإقليمية لتركيا، وتحجيم أنقرة للإعلام الإخواني الذي يُبث من داخل تركيا.

مشكلات متعددة

تعرّض تنظيم الإخوان في السنوات الأخيرة لعدد من المشكلات التي أثارت الكثير من الشكوك حول مدى تماسك التنظيم واستمراره، وتتمثل أهم هذه المشكلات فيما يلي:

1- الانشقاقات الداخلية: حيث شهدت السنوات الماضية تنامي الانشقاقات داخل جماعة الإخوان وفروعها، فعلى مستوى التنظيم الدولي للإخوان تزايدت الانقسامات الداخلية، ولا سيما مع رفض العديد من العناصر الشابة نمطَ إدارة شؤون الجماعة، ومن ثم خرج البعض عن التنظيم وشكلوا كيانات بديلة، على غرار تيار المستقبل (الحركة المستقلة) الذي أعلنت عنه مجموعة شبابية منفصلة عن الجماعة في أغسطس 2020، وكان آخر محطات الانشقاقات الداخلية تلك التي جرت في شهر أكتوبر الماضي، إذ تعرضت الجماعة لمحاولة انقلاب داخلي للإطاحة بالقائم بأعمال المرشد العام “إبراهيم منير”، وذلك بالتزامن مع قرار “منير” بإيقاف ستة من قيادات الجماعة أبرزهم الأمين العام السابق “محمود حسين”.

وظهرت الانشقاقات أيضاً في القوى المحسوبة على الإخوان بدول المنطقة. فعلى سبيل المثال، أفضت الخلافات حول طريقة إدارة “راشد الغنوشي” لحركة النهضة التونسية إلى استقالة عدد من القيادات التاريخية من الحركة، مثل: عبدالحميد الجلاصي، وآمنة الدريدي، وسمير ديلو، وعبداللطيف المكي، ولطفي زيتون الذي كان المستشار السياسي السابق لراشد الغنوشي، وأحد المقربين منه. كما شهدت جماعة الإخوان في ليبيا انشقاقات عديدة، منها تلك التي جرت في أغسطس 2020، مع إعلان قيادات الجماعة في مدينة الزاوية استقالتهم وحل فرع التنظيم، وهو ما جرى أيضاً في شهر أكتوبر 2020، من قبل فرع مصراتة التابع للجماعة. وفي شهر يوليو الماضي، قدم عدد من القيادات التنفيذية في حزب العدالة والبناء (الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا) استقالاتهم.

2- التراجع السياسي: فقد أسست لحظة سقوط حكم الإخوان في مصر لحظة استثنائية في 30 يونيو 2013 إلى مسار عام للتراجع السياسي بالنسبة للجماعة وفروعها في مختلف دول الإقليم، حيث تعرض العديد من ممثلي التيار لانتكاسات سياسية كبيرة. فعلى سبيل المثال، فقدت حركة النهضة التونسية الكثير من شعبيتها ودعمها الجماهيري، كما لم يحقق حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان في الأردن) مكاسب سياسية في الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر نوفمبر 2020؛ إذ حصد التحالف الوطني للإصلاح، الذي يقوده حزب جبهة العمل الإسلامي، ثمانية مقاعد في البرلمان، وذلك بعد أن كان يسيطر على 16 مقعداً في البرلمان السابق. كما تعرض حزب العدالة والتنمية، المعبر عن تيار الإسلام السياسي في المغرب، لهزيمة كبيرة في الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر سبتمبر الماضي، حيث حصل الحزب على 13 مقعداً بعدما كان حاصلاً على 125 في الانتخابات السابقة عام 2016.

3- تآكل الحاضنة المجتمعية: إذ تراجعت شبكات الدعم المجتمعي التي يحظى بها تيار الإسلام السياسي في السنوات الأخيرة، فالجماهير التي أيدت ممثلي التيار في بادئ الأمر وأتت بهم إلى السلطة هي التي لعبت الدور الرئيسي في إسقاطهم، وفي أكثر من دولة تكرس في المخيال الجماعي أن التيار الإسلامي يتحمل مسؤولية كبيرة عما آلت إليه الأوضاع في المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة. وساعد على هذا التراجع في الدعم المجتمعي لتيار الإسلام السياسي، طريقة تعاطي ممثلي التيار مع السلطة، وإخفاقهم في الاستجابة للتوقعات الجماهيرية المتعاظمة من مشاركتهم السياسية.

4- البحث عن ملاذات بديلة: وهي القضية التي مثلت معضلة كبيرة بالنسبة لعناصر التنظيم في الشهور الماضية، وخاصةً مع حالة الاستدارة النسبية في السياسة الإقليمية التركية، وتهدئة أنقرة صراعاتها مع عدد من القوى الإقليمية. وانعكست هذه التغيرات في السياسة التركية بصورة سلبية على تنظيم الإخوان، فمن جهة أولى، فقد التنظيم الكثير من زخمه الإعلامي في ضوء القيود التي فرضتها الحكومة التركية على المنصات الإعلامية الإخوانية الموجودة على أراضيها.

ومن جهة ثانية، كشفت معضلة البحث عن ملاذ بديل لتركيا، والتخوف من ترحيل بعض عناصر الإخوان إلى دولهم؛ عن تزايد الأزمة الداخلية في التنظيم. وفي هذا الصدد، يبدو أن البحث عن ملاذات بديلة لتركيا يكشف عن الانقسامات الهائلة داخل الجماعة، ويسهم في إضعافها بصورة أكبر، فأفراد الجماعة من ذوي الثروات الكبيرة أو العلاقات السياسية ستكون لديهم فرصة أكبر في الرحيل عن تركيا، بينما سيقع العبء الأكبر على أعضاء الجماعة من الشباب ذوي المراتب المنخفضة والمتوسطة، لأن العديد منهم يملكون جوازات سفر منتهية الصلاحية، ويعيشون في تركيا بتأشيرات مدتها عام واحد.

علاوةً على ذلك، سيكون من الصعب على عناصر الإخوان إيجاد ملاذ واحد على غرار تركيا يمكن من خلاله الحفاظ على كتلة إخوانية كبيرة، وهو ما سيعني تفرق عناصرها بصورة واضحة بين أكثر من دولة. وفي هذا السياق، تشير بعض التقارير إلى احتمالية تحرك العناصر الإخوانية لبعض الدول الأوروبية وكندا، بالإضافة إلى بعض الدول في البلقان، وكذلك ماليزيا في جنوب شرق آسيا.

وتأسيساً على ما سبق، يُناقش هذا الملف، الذي يضم تحليلات وتقديرات مركز العالم العربي وفريق موقع “الحائط العربي”؛ أبعاد أزمة تنظيم الإخوان وفروعه بالمنطقة، والمسارات الراهنة والمستقبلية للتنظيم، والتي تستدعي جميعها تساؤلاً رئيسياً حول إمكانية تفكك التنظيم.