فرصة محتملة:
هل يفوز مرشح حزب العدالة والتنمية ببلدية إسطنبول؟

فرصة محتملة:

هل يفوز مرشح حزب العدالة والتنمية ببلدية إسطنبول؟



يبدي حزب العدالة والتنمية اهتماماً لافتاً بالانتخابات المحلية المقرر لها نهاية مارس المقبل، ويسعى الحزب جاهداً لاستعادة بلدية إسطنبول التي خسرها في العام 2019. وتمثل البلدية أولوية خاصة باعتبارها من كبرى البلديات، ويشكل الفوز فيها نصراً رمزياً للحزب الحاكم، بالإضافة إلى أهميتها من الناحية السياسية والاقتصادية. وأعلن الرئيس أردوغان في مطلع يناير الماضي عن اختيار النائب الحالي في البرلمان، والوزير السابق مراد قوروم كمرشحٍ عن حزبه لرئاسة بلدية إسطنبول.

وتشكل استعادة إسطنبول أهمية شخصية للرئيس التركي، وتجلى ذلك في إعلانه عشية فوزه بالانتخابات الرئاسية في مايو 2023 عن استعداده لحملة انتخابية جديدة، بهدف استعادة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية المقبلة، كما عبر في تصريحات متعددة عن تقديم دعم غير محدود لمرشحه “مراد كوروم”، على أمل استعادة المدينة مرة أخرى من المعارضة، فضلاً عن قناعة شخصية لدى أردوغان بأن “من يربح إسطنبول يربح تركيا”.

تطور ملموس

تتزامن الانتخابات المحلية مع تحسن نوعي شهدته تركيا على مستويات متعددة، فمحلياً يأتي اقتراع البلديات بعد الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية وحليفه الرئيسي “الحركة القومية” في الانتخابات الرئاسية والنيابية التي أُجريت في مايو الماضي، وحصل فيها أردوغان على عدد معتبر من أصوات بلدية إسطنبول.

في المقابل، تمكن حزب العدالة والتنمية من تصفير مشكلاته مع محيطه الإقليمي والدولي، وهو ما ساهم في زيادة مناعة أنقرة إقليمياً ودولياً، وظهر ذلك في التطور الحادث في علاقات تركيا مع القوى الغربية، حيث وافق الكونجرس الأمريكي في فبراير الجاري على تمرير صفقة طائرات F16 المتقدمة لمصلحة تركيا، ناهيك عن وعد الاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع الفائتة بالعمل على تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع أنقرة. كما شهدت علاقات تركيا الإقليمية نقلة نوعية، تجلت في إصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات والقاهرة.

بالتوازي، حقق الاقتصاد التركي استقراراً نسبياً، بعد تبني البلاد خطة اقتصادية جديدة بعد انتخابات 2023، إذ عادت البلاد إلى السياسات التقليدية والاستناد إلى الشفافية والقدرة على التوقع وفق المعايير الدولية. كما نجح الفريق الاقتصادي الجديد في إبطاء معدل التضخم الذي وصل العام الماضي إلى نحو 50%. وتجدر الإشارة إلى توقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، في تقريره الاقتصادي للعام 2024، أن يتراجع التضخم في تركيا خلال 2024.

في المقابل، نما الاقتصاد التركي بنهاية العام الماضي، وفقاً لبيانات معهد الإحصاء التركي بأكثر من المتوقع بنسبة 3.8% مدفوعاً بقوة إنفاق الأسر. كما أعلنت وكالة “استاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني في ديسمبر 2023 رفع نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني لتركيا من مستقرة إلى إيجابية.

على صعيد متصل، اتخذت حكومة العدالة والتنمية خلال الأشهر الأخيرة بعض الإجراءات لمحاصرة اللاجئين في إسطنبول، منها بدء السلطات حملة أمنية تستهدف “المهاجرين غير الشرعيين”، فضلاً عن تعيين وزير جديد للداخلية ووالٍ لإسطنبول في يوليو الفائت. كما حدد مكتب والي إسطنبول 24 سبتمبر 2023 موعداً للاجئين السوريين غير المسجلين في مدينة إسطنبول، لتسوية أوضاعهم أو عودتهم إلى المدن التي يحملون بطاقات لجوء صادرة عنها “بطاقة الكيمليك”، وهو ما أعطى انطباعاً لدى قطاعات واسعة من المواطنين في بلدية إسطنبول بأن أزمة اللاجئين التي تؤرق المدينة لا تزال أهم أولويات حكومة العدالة والتنمية.

اعتبارات محفّزة

ثمّة العديد من الاعتبارات التي تدفع نحو زيادة فرص مرشح العدالة والتنمية للفوز ببلدية إسطنبول خلال الانتخابات المقبلة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- تفتت تحالف الأحزاب المعارضة “طاولة الستة”: في حين تمكن تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية وشريكه الحركة القومية وبعض الأحزاب الصغيرة من التوافق على المشاركة في الاستحقاق المحلي المقرر له نهاية مارس المقبل، انهار تحالف الأحزاب السياسية المعارضة الذي تأسس عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والمعروفباسم “طاولة الستة” أو “تحالف الأمة”. كما فشلت مساعي رئيس حزب الشعب الجمهوري أزغور أوزال، في التوصل إلى صيغة تعاون وليس تحالف مع حزب الجيد القومي، حيث رفض الأخير أي نوع من صيغ العمل المشترك في الانتخابات المحلية. كما قررت باقي أحزاب الطاولة خوض السباق المحلي المقبل منفردة، وهو ما يعني تفتيت الكتلة الانتخابية التي صوتت لمصلحة مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو الذي فاز ببلدية إسطنبول في العام 2019.

2- جاذبية مرشح الحزب الحاكم مراد كوروم: يبدو كوروم مختلفاً عن بن علي يلدرم مرشح العدالة والتنمية في العام 2019 لرئاسة بلدية إسطنبول، فالأول يبدو أكثر شباباً، ويملك ناصية الخطاب، ويحظى بصورة ذهنية جيدة وسط المجتمع التركي، كون اسمه يرتبط بمشاريع التحضر العمراني وبتطوير خدمات البنية التحتية، وتحمل هذه المشاريع أولوية خاصة لدى المواطنين الأتراك.

كما يحظى كوروم بحضور لافت أوساط حزب العدالة والتنمية، علاوة على أنه يتمتع بدعم الرئيس التركي الذي قال عشية إعلانه عن ترشح كوروم: “وأخيراً، إسطنبول ستنال مرادها”. لذلك، فإن مراد كوروم باتت أمامه فرصة كبيرة لطرح نفسه كمنافس لرئيس البلدية الحالي إمام أوغلو في الانتخابات المحلية المقبلة، لا سيما وأن الأخير لم يحقق العديد من الإنجازات في إسطنبول التي تثبت أنه قادر على حكم البلدية لدورة جديدة.

3- فشل إمام أوغلو في تحقيق إنجاز ملموس: تشير العديد من التقديرات إلى تراجع حظوظ أكرم أمام أوغلو للفوز مجدداً ببلدية إسطنبول بسبب عدم إنجازه أعمالاً ملموسة داخل المدينة الكبيرة أو على الأقل القيام بالأعمال الكافية في خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كرس طاقته للهجوم على الرئيس أردوغان، وبدا ذلك في دعمه للمسيرات والاحتجاجات التي شهدتها ولاية إسطنبول ضد حكومة العدالة والتنمية أملاً في إزاحة أردوغان عن المنصب الرئاسي خلال انتخابات مايو 2023. ووفقاً لمراقبين، فإن إمام أوغلو -على سبيل المثال- لم يحقق سوى أقل من 5% من مشاريع الاستعداد للزلزال التي تُهدد إسطنبول، برغم أن قضية خطر الزلزال تعد قضية أمن قومي.

على جانب آخر، تراجعت الصورة الذهنية لأوغلو بين أوساط البلدية الكبيرة، بعد محاكمته في يونيو 2023 على خلفية تهم فساد جديدة، تضمنت الاشتباه بتزويره عقداً مالياً في نهاية عام 2015، حين كان رئيساً لبلدية بيليك دوزو، إحدى ضواحي إسطنبول، الأمر الذي ربما يقوض طموحاته السياسية خلال المرحلة المقبلة.

4- تكتل التيار الكردي خلف مرشحه: أعلن حزب المساواة بين الشعوب والديمقراطية (الجناح السياسي للأكراد)، في 9 فبراير الجاري، عن ترشيح “ميرال دنيس بيستاس” للمنافسة على رئاسة بلدية إسطنبول، ويعني وجود مرشح للحزب الكردي في إسطنبول خسارة مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أصوات الكتلة الكردية، التي تشكل نحو 10 إلى 12 في المائة من مجموع الناخبين.

والأرجح أن اصطفاف الأصوات الكردية خلف مرشحها، والابتعاد عن الدخول في تحالفات مع المعارضة، قد ينعكس على حظوظ إمام أوغلو في الاحتفاظ بالبلدية، حيث يؤدي دفع الأكراد بمرشح على مقعد البلدية إلى عزوف الكتلة الكردية عن منح أصواتهم للمعارضة، ما يعطي فرصة أكبر لتحسين موقع وموضع مرشح حزب العدالة والتنمية، لا سيما وأن الحزب الحاكم يحتفظ بعلاقات وثيقة مع حزب “الهدى بار” الكردي ذي الميول الإسلامية، وهو ما يعني تصويت أنصاره المسجلين ببلدية إسطنبول لــ”مراد كوروم”.

5- تراجع نسبي في شعبية حزب “الشعب الجمهوري”: شهد حزب الشعب الجمهوري خلال الآونة الأخيرة ارتباكاً غير مسبوق، وذلك على خلفية خسارة كمال كليجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية في مايو 2023، بالإضافة إلى التوتر والانقسام الذي صاحب المؤتمر السنوي للحزب في نوفمبر الماضي، والذي أسفر عن فوز مرشح تيار “التغيير” “أوزغور أوزيل” برئاسة الحزب. وأدت حالة الارتباك إلى تراجع شعبية حزب الشعب الجمهوري إلى نحو 20.2% بنهاية العام 2023 بعدما وصلت إلى 25.80% وقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، وهو ما يمثل تحدياً أمام رئيس البلدية الحالي إمام أوغلو، للحفاظ على ثقة الناخبين في البلدية، وإثبات قدرته السياسية على ضمان حشد كتل تصويتية جديدة له.

نافذة فرصة

ختاماً، يمكن القول إن ثمة فرصاً محتملة لفوز مرشح العدالة والتنمية مراد كوروم برئاسة بلدية إسطنبول، حيث إن التفكك الحاصل في تحالف المعارضة، وتراجع الرصيد التقليدي لحزب الشعب الجمهوري في الشارع التركي، يمكن أن يشكل فرصة كبيرة للحزب الحاكم لاستعادة البلدية الأكبر والأهم، والأكثر أولوية في مشوار أردوغان السياسي.