هل يعيد التاريخ نفسه؟ – الحائط العربي
هل يعيد التاريخ نفسه؟

هل يعيد التاريخ نفسه؟



ندوة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية ونقاش مع الأمين العام لجامعة الدول السيد أحمد أبو الغيط حول التحالفات الجديدة فى منطقة المحيطين الهادى والهندى، تثير عددا من القضايا المهمة حول التنافس الأمريكى الصينى، وهل سيصل الى حدود الحرب، ام يظل سلميا نتيجة للاعتماد الاقتصادى المتبادل بين البلدين؟ ولماذا تجمعت الدول الأنجلوسكسونية الثلاث (الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا) فى تحالف جديد لمواجهة الصين؟

بالتأكيد هناك مداخل كثيرة للإجابة على الأسئلة السابقة، أحد أهم هذه المداخل هو التاريخ.

الحديث عن صعود الصين وتنافسها مع الولايات المتحدة، جعل البعض يعود الى كتب التاريخ، ومنهم اليسون جراهام الأستاذ بجامعة هارفارد الامريكية، الذى ألف كتابا بعنوان الحرب الحتمية: الصين وأمريكا وفخ توسيديدس، وقام فيه بتحليل ١٦ حالة لقوة صاعدة قامت بتهديد قوة مسيطرة فى العالم خلال الخمسمائة عام الأخيرة، ووفقا لتحليله فقد أدى التنافس فى ١٢ حالة إلى الحرب، فى حين تم تجنب الحرب فى 4 حالات فقط. المؤلف يستند فى تحليله إلى ما يسمى فخ توسيديدس، وتوسيديدس هو المفكر الاستراتيجى اليونانى الذى قام بتأريخ الحرب بين أثينا (القوة الصاعدة) وأسبرطة (القوة المهيمنة) منذ ٢٤٠٠ عام، ووصل إلى نتيجة أن صعود أثينا والتغير فى ميزان القوى الذى أحدثه مع أسبرطة، أثار الخوف لدى أسبرطة، وجعل الحرب حتمية بينهما. وركز توسيديدس على عنصرين فى ديناميكية هذا الأمر، الأول هو إحساس القوة الصاعدة (أثينا) المتزايد بالأهمية، وأن لها حقوقاً مكتسبة، ومطالبتها بقدر أكبر من النفوذ، والثانى هو إحساس القوة المهيمنة (أسبرطة) بالخوف وعدم الأمن، والتصميم على الدفاع عن الأوضاع القائمة. وأدى ذلك للحرب بين أسبرطة وأثينا، والتى انتهت بعد ثلاثين عاماً بفوز محدود لأسبرطة، ولكنها دمرت الطرفين.

دراسة حديثة صادرة عن جامعة هارفارد الامريكية أوضحت حجم التفوق الصينى فى إطار المنافسة مع الولايات المتحدة، ومما جاء فى الدراسة أن ٨٠٪ من الكوادر القيادية فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى يحملون شهادات فى تخصصات علمية وفى مجالات الهندسة. وتتفوق الصين على الولايات المتحدة فى عدد براءات الاختراع المسجلة، وكذلك فى الأبحاث العلمية، وتحتل مركزا متقدما عالميا فى مجالات الذكاء الاصطناعى، والروبوت، وحسابات الكمية (كونتم)، وتقنية الجيل الخامس للاتصالات والقطارات السريعة.

ويصل جراهام اليسون فى كتابه الى نتيجة مفادها أن الملابسات المرتبطة بظهور قوة صاعدة وتهديدها لقوة مهيمنة أصبحت مثل «الفخ» الذى يؤدى إلى الحرب بين هاتين القوتين، وأن هذا الفخ ينطبق أيضاً على الصين (القوة الصاعدة) والولايات المتحدة (القوة المهيمنة) وبالتالى هناك حتمية للحرب بينهما، كما حدث بين أسبرطة وأثينا، وكذلك فرنسا (المهيمنة) وبريطانية (الصاعدة) فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، وألمانيا (الصاعدة) وبريطانيا (المهيمنة) فى الحرب العالمية الأولى، وغيرها من الأمثلة. البعض على الجانب الآخر يجد صعوبة فى تقبل نظرية الحتمية التاريخية للحرب بين الصين والولايات المتحدة، نتيجة للعلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين، ولأن الحرب لن تكون فى مصلحتهما أو مصلحة العالم.

التاريخ يساعدنا أيضا على فهم التحالف الجديد خاصة بين استراليا والولايات المتحدة، والذى يمتد فى جذوره الى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ثم تدعم بشكل كبير أثناء الحرب العالمية الثانية فى إطار ما عرف بمعارك المحيط الهادى، التى اشترك فيها تحالف أمريكى بريطانى أسترالى فى مواجهة اليابان، واليوم يرى بعض المؤرخين ان التاريخ يعيد نفسه، ولكن التحالف الجديد هو فى مواجهة الصين وليس اليابان.

إحدى الصحف الأسترالية نشرت تحليلا عن التحالف الجديد بين استراليا والولايات المتحدة تحت عنوان عودة الأسطول الأبيض العظيم الى المدينة، وأشارت فيه الى الزيارة التى قام بها اسطول أمريكى مكون من ١٦ سفينة حربية مطلية باللون الأبيض الى ميناء سيدنى الأسترالى فى عام ١٩٠٨، وتم استقباله بترحاب كبير وحشود ضخمة، وخطب تتحدث عن الأخوة المشتركة بين الرجال البيض – الأنجلو ساكسون. وقتها كان موكب الأسطول الأبيض جزءًا من إعلان الرئيس الأمريكى تيدى روزفلت أن الولايات المتحدة كانت إمبراطورية عالمية، وليست دولة تنظر الى الداخل.

ووفقا للصحيفة فإن الأسطول الأبيض الكبير يعود إلى المدينة من خلال التحالف الجديد بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، ومن خلال صفقة الغواصات النووية التى ستحصل عليها استراليا من الولايات المتحدة كى تصبح جزءا من الدفاع الأمامى ضد الصين.

وفى أثناء الحرب العالمية الثانية، وفى الفترة من عام ١٩٤٢ حتى أوائل عام ١٩٤٤، لعبت القوات الأسترالية دورًا رئيسيًا فى حرب المحيط الهادئ فى مواجهة اليابان، خاصة فى ساحات القتال فى بابوا وغينيا الجديدة. ونتج عن تجربة الحرب العالمية الثانية تحالف آخر أطلق عليه فايف أيز، وهو تحالف لتبادل المعلومات الاستخبارية يتكون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، بالإضافة الى كندا ونيوزيلندا، وكلها دول أنجلو سكسونية.

خلاصة الامر أن ما نشهده اليوم من تنافس وتحالفات فى منطقة المحيط الهندى ليس وليد التطورات الأخيرة، ولكن له جذور وأصول تاريخية. وإذا كان التاريخ لن يعيد نفسه، فإنه يساعدنا بالتأكيد فى فهم ما يحدث الآن.

نقلا عن الأهرام