خلاف مستمر:
هل يعرقل اغتيال سليماني الصفقة النووية في فيينا؟

خلاف مستمر:

هل يعرقل اغتيال سليماني الصفقة النووية في فيينا؟



تمكنت القوى المشاركة في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، على ما يبدو، من تسوية الخلافات العالقة حول القضايا الرئيسية في الاتفاق، على غرار مستوى تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي والعقوبات الاقتصادية الأمريكية، إلا أنها أخفقت حتى الآن في الوصول إلى حل وسط للخلافات “السياسية” التي تتعلق بوضع الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، منذ 15 أبريل 2019، في إطار سياسة الضغوط القصوى التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد إيران.

وفي الواقع، فإن تلك الخلافات لا تتصل فحسب بصعوبة اتخاذ تلك الخطوة التي يمكن أن تكون ذات تكلفة كبيرة بالنسبة للإدارة الأمريكية على المستويين الداخلي والخارجي، وإنما ترتبط أيضاً بحرص الأخيرة على ممارسة ضغوط على إيران للتوقف عن محاولات “الانتقام” لقائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، الذي قتل في عملية عسكرية أمريكية في 3 يناير 2020، وهو ما ردت عليه إيران بالإصرار على متابعة هذا الملف وعدم التنازل عن ما أسمته بـ”الخطوط الحمراء”.

لم تتخذ الإدارة الأمريكية بعد قرارها النهائي من خطوة شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. وفي الواقع، فإن ذلك يوحي بأنها لا ترفض هذا الخيار بشكل عام، وإنما تسعى إلى تقييم ردود الفعل المتوقعة التي يمكن أن يثيرها سواء على الساحة الداخلية الأمريكية، أو على الساحة الخارجية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن القلق من ردود الفعل المتوقعة دفع الإدارة إلى محاولة الحصول على تنازلات من جانب إيران قبل اتخاذ تلك الخطوة، خاصة فيما يتصل بالتوقف عن محاولات الانتقام لسليماني، وهو ما رد عليه المدعي العام الإيراني حسين جعفر منتظري، في 3 أبريل الجاري، بتأكيد أن بلاده ستواصل متابعة هذا الملف، على نحو يمثل إحدى الإشكاليات العالقة التي تواجه الصفقة المحتملة.

دوافع رئيسية

يمكن تفسير أسباب تجدد الجدل بين طهران وواشنطن حول اغتيال سليماني، بعد مرور أكثر من عامين على ذلك، في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تزايد القلق من تحركات إيرانية بالداخل الأمريكي: أشارت تقارير أمريكية، في 7 مارس الجاري، إلى وجود مخطط يدعمه الحرس الثوري لاغتيال مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، وتورط فيه شخصان ينتمون لـ”فيلق القدس”. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن الإدارة الأمريكية ترددت، حسب تلك التقارير، في اتخاذ خطوة إجرائية ضد الشخصين رغم أن وزارة العدل الأمريكية تمتلك أدلة تدينهما، وذلك لتجنب فرض تداعيات سلبية على المفاوضات التي تجري مع إيران حول الاتفاق النووي في فيينا.

2- إصرار طهران على رفع كُلفة مقتل سليماني: ربما يمكن القول إن مقتل سليماني مثل إحدى أكبر الضربات الأمنية التي تعرضت لها إيران على مدى العقود الأربعة الماضية، على نحو لن يدفعها بسهولة إلى التراجع عن محاولة رفع كُلفة تلك الخطوة التي أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وقد كان لافتاً أنه بالتوازي مع الدعوات المتكررة في إيران للانتقام لمقتل سليماني، نشر حساب المرشد الأعلى للجمهورية على خامنئي، على موقع “تويتر”، في 14 يناير الماضي، فيديو رسوم متحركة لعملية تحاكي اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونال ترامب، وهو ما دفع إدارة الموقع إلى إغلاق الحساب.

3- تخوفات إيران من تكرار العملية العسكرية: لا تستبعد إيران أن تتعرض لضربة مماثلة في مرحلة لاحقة، تستهدف أحد قياداتها العسكرية أو الأمنية، على غرار ما حدث في عملية اغتيال سليماني، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعود إلى عاملين: أولهما، تركيز الاتفاق النووي المحتمل فقط على الجوانب الفنية الخاصة بالبرنامج النووي، ربما باستثناء قضية شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني أنالملفات الخلافية الأخرى سوف تبقى قائمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية،على نحو يمكن أن يوفر للأخيرة حرية حركة أكبر في إدارة تلك الخلافات مع إيران، لا سيما بعد أن رفضت الأخيرة مطالبها بخفض مستوى التصعيد كجزء من صفقة يتم بموجبها شطب “الباسدران” من قائمة التنظيمات الإرهابية. وثانيهما، غياب الثقة بين طهران وواشنطن، للدرجة التي تدفع الأولى إلى عدم استبعاد انهيار أى اتفاق نووي محتمل في المرحلة القادمة، خاصة أن الإدارة الأمريكية رفضت بدورها منح إيران ضمانات بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق، مستندة في هذا السياق إلى أن الرئيس الحالي لا يمتلك صلاحية منح ضمانات تشكل قيداً على الرئيس القادم.

4- رفع سقف التوقعات بشأن الرد المتوقع: كان لافتاً أن طهران حرصت على رفع سقف توقعات الشارع الإيراني إزاء الرد على اغتيال سليماني. إذ لم تكن الهجمات الصاروخية التي وجهتها إيران، في 8 يناير 2020، ضد قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية، كافية، في رؤيتها، لرفع كُلفة تلك الضربة الأمريكية، لا سيما أن إيران كانت ستجازف في هذا التوقيت بالانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مستعدة لها، بل إن حالة التحفز التي بدت عليها القوات الإيرانية في أعقاب الهجمات الصاروخية كان لها دور في إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية في الليلة نفسها.

وربما يعود ذلك، في قسم منه، إلى أن النظام الإيراني يحاول تأكيد قدرته على الرد بشكل أكبر على تلك الضربة، حتى بعد مرور أكثر من عامين على مقتل سليماني، والترويج إلى أنه يستطيع من خلال ذلك إدارة التصعيد مع القوى المناوئة له، خاصة إسرائيل، التي اتهمها بالمسئولية عن العمليات الأمنية التي تعرضت لها منشآت نووية إيرانية على مدى الأعوام الأربعة الماضية. وقد كان لافتاً أن عودة الجدل حول “الانتقام” لمقتل سليماني توازى مع الهجمات التي شنتها إيران ضد ما أسمته “قاعدة سرية” تابعة لإسرائيل في محافظة أربيل العراقية، في 13 مارس الفائت، إلى جانب الكشف عن تفكيك خلية كانت تخطط لمهاجمة مفاعل “فوردو” لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، وتشكيل قيادة جديدة من الحرس الثوري لحماية المنشآت النووية الإيرانية.

5- تصاعد تداعيات الأزمة الأوكرانية: باتت إيران ترى أن تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية في هذا التوقيت أضفى مزيداً من الأهمية على الوصول إلى صفقة نووية جديدة في فيينا بالنسبة للدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط لجهة تجنب اندلاع أزمة حادة في منطقة الشرق الأوسط في التوقيت نفسه، وإنما أيضاً لحاجة الدول الغربية إلى توسيع هامش الخيارات المتاح أمامها فيما يتعلق بمصادر الطاقة، في إطار سعيها إلى تقليص أهمية تلك الورقة التي تستخدمها روسيا في إدارة مواجهاتها معها. ومن هنا، فإن إيران تسعى من خلال تلك الرؤية إلى توسيع نطاق الامتيازات التي يمكن أن تعود عليها من خلال الصفقة النووية المحتملة، عبر دفع الإدارة الأمريكية إلى شطب الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية دون الإقدام على إغلاق ملف متابعة قضية مقتل سليماني.

نهج متواصل

تبدو إيران مطمئنة إلى أنها تستطيع الوصول إلى اتفاق نووي جديد يتضمن مكاسب استراتيجية واقتصادية عديدة. ومن هنا، فإنها تحاول الإمعان في ممارسة ضغوط قوية على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل الحصول على أعلى مستوى من التنازلات قبل الإعلان عن نتائج المفاوضات. وعلى ضوء ذلك، لا يبدو أن إيران سوف تتراجع عن نهجها الحالي، خاصة أن هناك قيوداً يفرضها الحرس على الخيارات المتاحة أمام المفاوضين الإيرانيين في فيينا.