تغييرات محتملة:
هل يضغط الكونجرس لإجراء تحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؟

تغييرات محتملة:

هل يضغط الكونجرس لإجراء تحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة؟



لم يقتصر الخلاف بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والمشرعين الأمريكيين (الديمقراطيين والجمهوريين) داخل مجلسي النواب والشيوخ على قضايا الداخل الأمريكي، والأجندة التشريعية للرئيس فقط، ولكنه امتد أيضاً إلى قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، والمقاربات التي تتبناها الإدارة للتعامل مع الأزمات والتحديات العالمية المختلفة. ولهذا، لم يكن من المستغرب أن يوجّه الكونجرس انتقادات حادة للعديد من سياسات الرئيس بايدن تجاه بعض القضايا الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وطرح رؤى بديلة لتلك التي تنتهجها الإدارة راهناً في المنطقة.

محاور رئيسية

على الرغم من اختلاف المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين بمجلسي الكونجرس (مجلس النواب والشيوخ) حول العديد من السياسات الأمريكية، فإنه كان هناك اتفاق نادر حول ضرورة قيام الإدارة الأمريكية بإجراء العديد من التغييرات في مقاربتها تجاه بعض الأزمات في منطقة الشرق الأوسط. وتتمثل أبرز محاور الضغوط التي يمارسها الكونجرس على الإدارة الأمريكية لتغيير سياساتها في المنطقة في:

1- الدعوة لتصنيف الحوثيين تنظيماً إرهابياً مجدداً: مع تزايد هجمات المليشيا الحوثية المتمردة المدعومة من إيران على منشآت مدنية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مؤخراً، يرى العديد من المشرعين الأمريكيين الجمهوريين والديمقراطيين أن قرار إدارة الرئيس بايدن بوقف العمل بتصنيف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب للمليشيا كتنظيم إرهابي خلال أول شهر له في البيت الأبيض كان “خطوة متهورة” تضر باليمن وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعم النظام الإيراني. ودعا هؤلاء إلى إعادة فرض سريع للعقوبات الأمريكية على الحوثيين لوقف اعتداءاتهم على المدنيين، والوقوف بجانب الحلفاء في المنطقة بدلاً من المحاولات “اليائسة” لطمأنة النظام الإيراني الذي يزعزع استقرار المنطقة من أجل العودة للاتفاق النووي لعام ٢٠١٥.

وقد قدّم السيناتور الجمهوري تيد كروز مشروع قانون، حظي بدعم من جانب عدد كبير من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين بمجلس الشيوخ، يطالب بفرض عقوبات على مليشيا الحوثيين ومسئوليها وعملائها أو المنتسبين إليها، بسبب الهجمات الإرهابية التي تشنها على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وتحت الضغوط المتعددة على الإدارة الأمريكية لتسمية الحوثيين كتنظيم إرهابي، واحتمالات تمرير مجلسي الكونجرس قانوناً بأغلبية أعضائه لإرغام الإدارة على القيام بذلك، أعلن الرئيس بايدن خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، بمناسبة مرور عام على توليه السلطة في ٢٠ يناير من العام الفائت، أن إدارته تدرس تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وذلك بعد تعدد هجماتها الإرهابية التي تشنها على شركاء وحلفاء واشنطن في المنطقة.

2- المطالبة بالانسحاب من مفاوضات فيينا: مع تعثر الإدارة الأمريكية في إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام ٢٠١٥ الذي يعد أحد أهداف الرئيس جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط، وإخفاقات الجولات الثمانية لمباحثات فيينا غير المباشرة، وجّه عشرات المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين رسائل متعددة إلى الرئيس بايدن، كان آخرها في ١٢ يناير الجاري، لدعوته للانسحاب الفوري من المفاوضات غير المباشرة في فيينا، بالإضافة إلى المطالبة بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران بعد اتجاهها إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجة تُقرِّبها من إنتاج سلاح نووي، فضلاً عن وقف مبيعات النفط الإيراني للصين وفنزويلا، لأن استمرارها يشكل تحدياً للولايات المتحدة الأمريكية. كما رفضوا رفع العقوبات عن إيران لأنه سيمكنها من الحصول على مليارات الدولارات التي ستستخدمها في تمويل الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة. ومع تزايد ضغوط المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين لإجراء تحول في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه إيران، ولا سيما مع تعثر مفاوضات فيينا، بدأت الإدارة تتحدث عن إجراءات غير دبلوماسية، حيث حذر وزير الخارجية أنتوني بلينكن من أنه لم يتبقَّ سوى بضعة أسابيع لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للجوء إلى خيارات أخرى في حالة فشل مفاوضات فيينا. كما تخطط الإدارة لممارسة المزيد من الضغوط على إيران، بفرض آلية عقوبات مجلس الأمن الدولي “سناب باك”، التي ستكون ذات تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني، مع التركيز على الدور الإقليمي لإيران، ودعمها للمليشيات المسلحة في المنطقة التي تهدد أمن المدنيين وكذلك القوات الأمريكية في عديد من دول المنطقة.

ولكن هذا لا يعني أن الرئيس يمكن أن ينصاع دائماً لضغوط المشرعين الأمريكيين لتغيير سياساته تجاه إيران، حيث إنه عارض بنداً بقانون تفويض الدفاع الوطني لعام ٢٠٢٢ طالبه بتزويد الكونجرس بتقارير مفصلة بشأن القدرات العسكرية الإيرانية والأنشطة ذات الصلة، وذلك بعد أيام من ضبط البحرية الأمريكية أسلحة إيرانية متجهة إلى اليمن في ٢٣ ديسمبر الفائت.

3- توجيه انتقادات للسياسة المتبعة في سوريا: يعتقد العديد من المشرعين الأمريكيين أن الإدارة تتهاون مع محاولات التطبيع التي تقوم بها العديد من الدول العربية مع نظام بشار الأسد، فقد حذر كبار أعضاء لجنتي الشئون الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ من إعطاء الإدارة موافقة ضمنية على التعامل الدبلوماسي الرسمي مع النظام السوري. وتدعو مجموعة من المشرعين من الحزبين الرئيس جو بايدن لاتخاذ إجراءات مشددة بشأن سوريا، كما تطالب بتقديم إحاطة مشتركة من الوكالات الأمريكية حول استراتيجية الإدارة لإنهاء الحرب الأهلية السورية، والاستفادة من قانون قيصر الذي مرره الكونجرس في عام ٢٠١٩ لحماية المدنيين في سوريا، والذي يجيز فرض عقوبات واسعة ضد أي شخص، سواء كان سورياً أو أجنبياً، يقدم الدعم للعمليات العسكرية للنظام، أو يتعامل عن عمد مع الحكومة السورية، وتحديداً في قطاع البناء والطيران والطاقة. ويرى العديد من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين أن إدارة بايدن لم تُولِ الاهتمام الكافي للأزمة السورية، حيث تسبب عقد من الحرب الأهلية في مقتل مئات الآلاف من السوريين، وأسوأ أزمة لاجئين في العالم. وعلى عكس أسلافه، لم يعين بايدن مبعوثاً خاصاً للأزمة السورية، في الوقت الذي عين فيه مبعوثين للأزمة اليمنية والليبية وإيران.

وفي المقابل، يرفض العديد من مسئولي الإدارة انتقادات المشرعين بأن الإدارة لم تُعطِ الأولوية للأزمة السورية، حيث يصرحون بأن الإدارة لا تزال تركز على تقديم المساعدة الإنسانية للسوريين، والحفاظ على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وضمان هزيمة تنظيم “داعش”. وتحت ضغوط الكونجرس الأمريكي، فإن الإدارة ملتزمة بعد توقيع بايدن، في ٢٧ ديسمبر الفائت، على قانون تفويض الدفاع الوطني لعام ٢٠٢٢، بأن تقدم في غضون ٩٠ يوماً تقريراً عن الاستراتيجية الدبلوماسية والدفاعية الأمريكية لسوريا، بما في ذلك مشاركتها مع تركيا وروسيا والجهود المبذولة لمنع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

4- إبداء تحفظات تجاه قضايا التحول الديمقراطي: على الرغم من أن قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان تتقدم أجندة الإدارة الأمريكية، فإن سياسات الإدارة تجاه تعثر التحول الديمقراطي، والمراحل الانتقالية في العديد من دول المنطقة، كانت محل انتقاد العديد من المشرعين الأمريكيين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. فقد عبر العديد من أعضاء الكونجرس من الحزبين في رسائل للإدارة الأمريكية عن مخاوفهم بشأن التطورات الأخيرة في تونس والسودان “التي تهدد الديمقراطية في البلدين”. ولذا يطالبون إدارة بايدن بمواصلة الضغوط على قيادات البلدين للالتزام بمسار التحول الديمقراطي، لضمان نمو الدولتين وازدهارهما على المدى الطويل.

5- الدفع في اتجاه تعزيز الانخراط في الصراع الإثيوبي: مع أن عدداً من أعضاء الكونجرس، وفي مقدمتهم السيناتور الجمهوري البارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب جيم ريش، رحبوا بالمكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في ١٠ يناير الجاري، حيث أوضح ريش أنه على الرغم من تأخر تلك المكالمة إلا أنها هامة في ظل الظروف التي تعاني منها الدولة الإثيوبية؛ فإنهم يطالبون الإدارة الأمريكية بالضغط على رئيس الوزراء الإثيوبي للتحرك بشكل عاجل لوقف الأعمال العدائية، بما في ذلك الضربات الجوية على أهداف مدنية، وإنهاء الحصار الإنساني، وتكثيف الجهود الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق السلام، مع الوفاء بوعودها لمحاسبة جميع الجهات المسئولة عن عرقلة تسليم المساعدات الإنسانية للإثيوبيين.

دور الموازِن

منح الدستور الأمريكي الكونجرس العديد من الأدوات التي تمكنه من موازنة سلطة المؤسسة التنفيذية في صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي يُمكِّن المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين الذين لديهم رؤى متشابهة حول إخفاقات إدارة بايدن في التعامل مع أزمات منطقة الشرق الأوسط من ممارسة ضغوط لإجراء تحولات فعلية في سياستها الخارجية تجاه المنطقة، وهو توجه ربما يتصاعد خلال المرحلة القادمة، ولا سيما في حالة فقدان الديمقراطيين الأغلبية الهشة في مجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقرر لها في نوفمبر المقبل.