الطرف المعطِّل:
هل يسعى الحوثيون إلى التسوية السياسية؟

الطرف المعطِّل:

هل يسعى الحوثيون إلى التسوية السياسية؟



تنامى الحديث خلال الأسبوع الماضي عن ملف التسوية السياسية اليمنية في ضوء التحركات الأممية المكثفة التي قام بها المبعوث الأممي هانز غروندبرغ في هذا الإطار. إلا أن الأخير أشار إلى أن عملية التسوية السياسية في اليمن بالغة التعقيد. وكشفت تقارير يمنية عبر مصادر حكومية عن طبيعة التعقيدات التي تفرضها المليشيا الحوثية على عملية التسوية، ومن بينها أن الأخيرة لا تعترف بالحكومة الشرعية كطرف في مفاوضات التسوية، كما تهدف إلى مفاوضات مباشرة مع الرياض حول تسوية الأزمة وبالتالي لا تعتبر الرياض وسيطاً، فضلاً عن أنها لا تعترف بمرجعيات الحل السياسي (القرار الأممي 2216، المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني).

وبالتزامن مع هذه التطورات السياسية، نشرت المليشيا الحوثية صواريخ باليستية في مأرب والجوف، كما أعلنت القوات الحكومة اعتراضها هجوماً بطائرات من دون طيار في مأرب كمؤشر على استمرار عملية التصعيد العسكري الحوثي.

 توجهات المليشيا

تكشف توجهات المليشيا الحوثية الخاصة بالتسوية السياسية أنها تتعاطى مع عملية التسوية بمنطق “المنتصر” في الحرب الذي يمكنه فرض شروطه على الآخرين، ومن ثم تسعى من خلال عملية التسوية إلى شرعنة تموضعها كسلطة سياسية بحكم هيمنتها على مساحة من البلاد منها العاصمة صنعاء، وبالتبعية تفرض شروط الحوار، كما تحدد من هو الوسيط ومن هو الطرف، وإن كان هذا المنطق يتعارض مع الواقع، فالمليشيا لم تكسب الحرب حتى وإن تمكنت من الحفاظ على مناطق النفوذ كسلطة انقلاب، لكنها وعلى مدار سنوات الحرب لم تتمكن من اختراق الجبهات التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى أن الحرب في اليمن لم تنتهِ عملياً حيث تواصل المليشيا بناء موازين عسكرية جديدة تهدف إلى الحفاظ على مناطق النفوذ وتطوير الهجمات على مواقع الشرعية، على نحو ما سلفت الإشارة من خلال نشرها صواريخ باليستية في اتجاه مأرب التي تسيطر القوات الحكومية على معظمها بالإضافة إلى الجوف، وهي عملية تحمل رسالة ضمنية أيضاً تعكس تحدي المليشيا للرياض بنشرها صواريخ في منطقة الجوف المتاخمة للحدود السعودية.

فضلاً عن ذلك، فإن المليشيا تسعى إلى أن تكسب من خلال المفاوضات ما لم تكسبه بالسلاح، فقد فشلت في الوصول إلى الموارد الاقتصادية في مأرب وشبوة (الموارد النفطية). ومع ذلك، لا تزال تراهن على أن تمتد المعركة للوصول إلى تلك المواقع، وفي حال فشلها في ذلك تقوم بالتفاف من خلال اتفاق تهدئة –وليس عملية تسوية- للحصول على مقابل مالي للتهدئة يتمثل في تقاسم العوائد النفطية مع الحكومة الشرعية من خلال دفع الأخيرة لرواتب الموظفين بمن فيهم العناصر العسكرية والأمنية الموالية للمليشيا. بالإضافة إلى توسيع تلك المكاسب من خلال زيادة حركة الطيران إلى الخارج عبر مطار صنعاء، وكذلك حركة الملاحة في ميناء الحديدة، وذلك من دون أن تقدم أي مقابل لذلك سوى الوصول إلى وقف إطلاق النار.

تفسر العديد من المصادر اليمنية هذه التوجهات بأن المليشيا الحوثية لا تريد أن تتنازل عن مشروعها للهيمنة على اليمن، بحيث لا يقتصر الأمر على الهيمنة على السلطة وفرض مشروعها السلالي الطائفي الذي تلعب فيه العائلة الحوثية دور المرشد الأعلى، واتخذت العديد من الخطوات في هذا السياق، فزعيم المليشيا هو من يعين مكتبها السياسي، وبالتبعية الحكومة التي يشكلها، لكن أيضاً فرض المشروع الأيديولوجي الطائفي، وبالتالي فأقرب التصورات لرؤية المليشيا أنها تسعى إلى تكوين ائتلاف حكومي عبر عملية تسوية بحيث تكون الحكومة ضمن هيكل السلطة الحوثي، وهي أقرب إلى هيكل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعليه تلغي النظام الجمهوري التقليدي وتفكك السلطة الشرعية الحالية.

 ومن غير المتصور أن القوى الدولية أو الإقليمية المنخرطة في الملف اليمني بالإضافة إلى اللاعبين المحليين الآخرين يمكنهم القبول بالمشروع السياسي الحوثي، وعليه سيكون من الصعوبة بمكان قبول التسوية على أرضية هذا المشروع.

إدارة التصعيد

تناور المليشيا الحوثية أولاً بفصل الجبهات اليمنية في الداخل عن بعضها بعضاً، حيث تصعد في اتجاه القوات الحكومية في شرق البلاد في مأرب وفي الجوف، وترفع مستوى التصعيد لاختراق هذه الجبهة لإضعاف الشرعية مستفيدة من تجميد التحالف العربي لدعم الشرعية عملياته العسكرية في اليمن، كاستجابة لعملية التهدئة على الرغم من عدم تجديد الاتفاق منذ أكتوبر الماضي. كما تصعد في اتجاه الجنوب ضد القوات التابعة للمجلس الانتقالي، ورفعت من وتيرة التصعيد في محور شبوة وخط لحج وأبين، وفي الغرب ضد قوات الساحل الغربي التابعة لطارق صالح. وتواصل أيضاً فرض الحصار على مدينة تعز، وقد يكون هذا المنظور العسكري هو ذاته منظور المليشيا لمن يمكن أن يتفاوض معها، بمعنى أنها تسعى لتجاهل خطوة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي للتسوية مع الأطراف كل على حدة، وتهدئة التصعيد على كل جبهة بحسب الطرف الذي يمكن أن تدخل معه في اتفاق.

ينطبق سلوك المناورة ذاته على موقف المليشيا من الرياض، حيث ترفض مساعي الرياض كوسيط لحل الأزمة مع الحكومة الشرعية، وذلك وفق دوافع واضحة، فالرياض كانت الطرف الذي بلور المبادرة الخليجية التي تشكل إحدى المرجعيات الثلاث. كذلك، فإنها تعتبر أن قبول الرياض بالانخراط في تسوية ثنائية سيؤكد على الاعتراف بشرعية المليشيا كسلطة أمر واقع، بالإضافة إلى حالة الندية التي تتعامل بها بناءً على ذلك مع الرياض. وفي المقابل، فإنها توقف التصعيد على الجبهة الخارجية مقابل الاستفادة من رفع القيود الخاصة بالموانئ والمطارات وحرية التجارة التي تتوسع فيها المليشيا بشكل رئيسي مع إيران، وفق تقارير يمنية تُشير إلى انتشار السلع الإيرانية فضلاً عن إمداد إيران للمليشيا بمشتقات الطاقة. وتسعى المليشيا عبر هذه المناورة أيضاً للاستفادة من تجميد التحالف للعمليات العسكرية، وبالتبعية وقف الدعم الذي يمكن أن يقدم للقوات الحكومية.

السيناريو التالي

باستثناء المليشيا الحوثية، تتفق معظم الأطراف على أن التسوية السياسية هي السيناريو التالي المطلوب بعد عملية التهدئة، على أن تتضمن التسوية خريطة طريق لإنهاء الانقلاب الحوثي خلال مرحلة انتقالية، ويمكن أن تتحول المليشيا إلى حزب سياسي، وتسلم السلاح للدولة على اعتبار أن تلك المسألة تمثل أحد معايير السيادة الوطنية، بالإضافة إلى تقويض التدخلات الخارجية. لكن لا تبالي المليشيا الحوثية بهذه الاعتبارات، ومن ثم من غير الواضح بالنسبة للأمم المتحدة من أين يمكن أن تبدأ العملية السياسية الخاصة بمسار التسوية في اليمن.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن الأطراف الدولية لا سيما الأمم المتحدة معنية كأولوية في المقام الأول بمعالجة الأزمة الإنسانية التي تفاقمت خلال سنوات الحرب الممتدة. وتشكل الأزمة الإنسانية أعباء هائلة على الأطراف التي تمول هذه العملية، فضلاً عن صعوبات الوصول إلى المتضررين من الحرب، ويترتب على ذلك إدارة مرحلة التهدئة بغض النظر عن وجود اتفاق رسمي للاستفادة منها في هذا السياق.

في مقابل ذلك، توظف المليشيا كافة هذه التطورات لصالحها، فهي تستفيد من رغبة السعودية ودول التحالف والقوى الدولية في إنهاء الحرب، ومع ذلك تتعامل مع المرحلة الحالية كـ”استراحة محارب”، فقد وسعت برامجها التعليمية الطائفية خلال الصيف، كما استفادت اقتصادياً من توسيع دائرة الاقتصاد الموازي، ومؤخراً تعيد بناء موازين القوة العسكرية.

في ضوء ما سبق، من المتصور أن المليشيا الحوثية هي الطرف المعطِّل لعملية التسوية السياسية في اليمن، ومع ذلك من غير الواضح ما هو تصور الحكومة الشرعية لهذه العملية، فكافة التصريحات الرسمية الحكومية تشير إلى أن الحكومة تتعامل كرد فعل، كما تعكس العديد من التصريحات السياسية لمجلس القيادة أنه لا يوجد إجماع حول تصور السيناريو التالي، وإنما بانتظار أن تقدم المليشيا الحوثية أولاً على تقديم تنازلات سياسية وعسكرية وإنهاء مظاهر الانقلاب، وهو سياق غير ممكن، وعليه فإن الحكومة الشرعية تواجه هي الأخرى تحدي السيناريو التالي.