تتصاعد التخوفات في المنطقة العربية من اتساع نطاق المواجهات الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، التي بدأت بهجوم على بعض المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة؛ إذ تتحسب دول المنطقة من تحول تلك المواجهات إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف، حال عدم احتواء التصعيد في قطاع غزة.
وحال استمرار عمليات القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، والاستعداد لعملية برية، فقد تتسع رقعة المواجهات لتشمل أطرافاً أخرى، بخلاف الفصائل الفلسطينية، وإحدى تلك الجبهات التي يُرجح أن تدخل على خط الأزمة هي الساحة السورية، خاصة مع دعم النظام السوري للفصائل الفلسطينية، وانتشار مليشيات إيرانية على الأراضي السورية، وهي ظروف قد يستغلها تنظيم “داعش” خلال الفترة المقبلة.
مؤشرات التوتر
رغم تأكيد مختلف الأطراف الإقليمية والدولية على السعي لاحتواء التصعيد، وعدم انخراط أطراف إقليمية أخرى في المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية؛ إلا أن ثمة مؤشرات تزيد من احتمالات اتساع نطاق المواجهات. ويمكن التطرق إلى تلك المؤشرات، فيما يخص الساحة السورية، مع عدم الجزم بمسار التصعيد الشامل في المنطقة، وذلك على النحو التالي:
1- إعادة تموضع المليشيات الموالية لإيران: يبدو أن المليشيات الموالية لإيران، المنتشرة في الجغرافيا السورية، بدأت في إعادة التموضع خلال الأسبوع الأول من عملية “طوفان الأقصى”، خاصةً مع سحب بعض العناصر من مناطق دير الزور والبوكمال والميادين، دون معلومات حاسمة عن موقع استقرارها، قبل أن يسحب حزب الله عناصره من مواقع انتشارها في سوريا، باتجاه الحدود السورية-اللبنانية، وفقاً لتقارير إعلامية. وتداولت بعض التقارير أن المليشيات الإيرانية في سوريا فتحت الباب أمام تطوع نحو ألف عنصر من مناطق نفوذها وسيطرتها بسوريا، مقابل مبلغ مالي.
2- قصف متقطع على الحدود السورية: بخلاف التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، والقصف المتبادل بين حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، فإن الجبهة السورية شهدت أيضاً توترات، وإن كانت بدرجة أقل، إذ أطلقت أطراف مجهولة قذائف هاون باتجاه هضبة الجولان، وردت إسرائيل بقصف مدفعي لمناطق إطلاق القذائف.
3- إصرار إسرائيلي على عملية برية: منذ الأيام الأولى للمواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، فإن الأخيرة بدأت في عمليات حشد عسكرية على حدود قطاع غزة، مع استدعاء قوة الاحتياط، استعداداً لعملية برية عسكرية.
ورغم الاستعداد لهذه الخطوة، بالدفع بآليات عسكرية، مع تنفيذ عمليات قصف جوي عنيف في مناطق شمال غزة؛ إلا أن إسرائيل لم تُطلق العملية البرية بعد، ولكن تشير تصريحات مسئوليها إلى المضيّ في تنفيذ تلك العملية.
4- الرفض الإقليمي والتحذير الإيراني: تدفع بعض الأطراف الإقليمية والدولية إلى ممارسة الضغوط لوقف التصعيد وتراجع إسرائيل عن تنفيذ عملية برية، من خلال تحركات عبر أكثر من مسار، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت دعمها الكامل لإسرائيل، إذ زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن دولاً بالمنطقة لمناقشة تطورات الأوضاع، والتأكيد على ضرورة التهدئة لعدم اتساع دائرة الصراع، وتدخل أطراف أخرى.
وتتجه التخوّفات إلى تحركات إيران عبر أذرعها في المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا، لاستهداف إسرائيل، وتحويل الأزمة إلى حرب على نطاق إقليمي، خاصةً مع تحذيرات إيرانية من أنّ العملية البرية ستكون لها عواقب. وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي زار لبنان وسوريا والعراق، وأجرى اتصالات هاتفية مع نظرائه في بعض الدول، بأن “إيران لن تبقى متفرجة إذا استمر العدوان على غزة”.
مكاسب متعددة
رغم أن المؤشرات السابقة لا تجزم باتساع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تشير إلى تصاعد التوترات في المنطقة، على خلفية استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، وفي حال اتساع دائرة الصراع المسلح فإن تنظيم “داعش” قد يستفيد من هذا السيناريو، وذلك كما يلي:
1- إتاحة حرية الحركة نسبياً: يمكن أن يؤدي تحويل المليشيات الإيرانية في سوريا باتجاه الحدود السورية مع لبنان أو هضبة الجولان،استعداداً لإمكانية تنفيذ عمليات أو هجمات ضد إسرائيل، وفقاً لتطورات الموقف وتصاعد الأزمة في غزة، وصدور قرار من إيران، بطبيعة وحدود الاشتباك مع إسرائيل؛إلى توفير ميزة لتنظيم “داعش”، لجهة استغلال الفراغ الذي قد تخلفه تلك المليشيات في مناطق تمركزها.
وبالنظر إلى انشغال المليشيات الإيرانية حال اندلاع مواجهات مع إسرائيل، فإن تنظيم “داعش”، وبفعل انتشار عناصره في نطاقات انتشار بعض المليشيات الشيعية، وتحديداً باتجاه دير الزور، ومناطق البادية السورية؛ قد يستغل تراجع أعداد تلك المليشيات، وهو ما من شأنه أن يتيح مساحة أكبر لتحرك عناصره بحرية أكبر.
2- احتمالات زيادة معدل النشاط العملياتي: رغم تراجع النشاط العملياتي للتنظيم خلال العام الجاري في سوريا، وفقاً لعدد من المؤشرات، سواء البيانات الصادرة عن التنظيم، أو تأكيدات القيادة المركزية الأمريكية في شهر أبريل الماضي، بتراجع معدل النشاط خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، إلا أن نشوب مواجهات موسعة في المنطقة، ودخول الجبهة السورية على خط المواجهة مع إسرائيل، قد يساهم في زيادة معدل عمليات التنظيم.
ولكن حال زيادة معدل النشاط العملياتي للتنظيم إن اتسعت رقعة المواجهات، فلا يعني ذلك بالضرورة قدرته على تطوير هجمات، لفرض السيطرة الميدانية على مناطق واسعة في الساحة السورية، خاصة وأن التنظيم يقاتل خلال العامين الماضيين في إطار مرحلة تُعرف بـ”القتال من أجل البقاء”.
3- تراجع الضغوط من إحدى جبهات المواجهة: في حال انشغال المليشيات الإيرانية في سوريا بمواجهات مع إسرائيل، فإن ذلك يمثل تراجعاً في الضغوط على تنظيم “داعش” من إحدى جبهات المواجهات في سوريا، والتي يتمثل أبرزها في جبهتين: الأولى، تقودها روسيا والمليشيات والجيش السوري. والثانية، يمثلها التحالف الدولي لمواجهة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ومع تراجع إحدى الجبهات الضاغطة، فإن التنظيم قد يلجأ إلى توجيه عملياته باتجاه مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، خاصة مع الرغبة في تحقيق هدف مرحلي رئيسي يتعلق بتحرير عناصره وأسرهم في السجون ومقرات الاحتجاز والمخيمات الواقعة تحت سيطرة “قسد”، كما حدث في محاولة اقتحام سجن غويران في يناير 2022. ويعد تحرير عناصر التنظيم أبرز الأهداف خلال الأعوام القليلة الماضية، إذ يمثلون قوة دافعة لمحاولة استعادة التنظيم نشاطه العملياتي في سوريا منذ معركة الباغوز عام 2019.
4- إعادة التموضع في نطاقات جغرافية محددة: يتحرك تنظيم “داعش” في إطار نطاقات جغرافية واسعة، وتحديداً في منطقة البادية السورية، والتي يشترك فيها عدد من المحافظات، ولكنها تعد مناطق صحراوية وعرة، ولا تشهد كثافات سكانية، ومع انسحاب بعض عناصر المليشيات الإيرانية من مناطق تمركزاتها، فقد يتجه التنظيم إلى إعادة تموضعه جغرافياً باتجاه مناطق تجمعات سكانية، بما يتيح له محاولة توسيع النفوذ، وتوفير الدعم اللوجيستي، وفرض “إتاوات” على تلك المجتمعات المحلية.
توظيف المتغيرات
مع أن سيناريو التصعيد الشامل في المنطقة، وتحديداً من الجبهة السورية، ضد إسرائيل، على خلفية المواجهات مع الفصائل الفلسطينية في غزة، قد يتيح ظروفاً لتنظيم “داعش” يمكن استغلالها، إلا أن ذلك لا ينفي أن المتغيرات التي قد تحدث على الجبهة الأخرى في شمال شرقي سوريا، مع تصعيد عسكري تركي، بدعم من المليشيات الموالية لأنقرة، تزيد من إضعاف الجبهات الضاغطة على تنظيم “داعش”، وبالتالي محاولة استعادة النشاط العملياتي، وبالأخص تحقيق الهدف الرئيسي لتحرير عناصره من السجون والمخيمات.