يسعى تنظيم “داعش” منذ فقدان الأراضي السورية التي كانت تحت سيطرته حتى عام 2019، إلى استغلال الأوضاع الميدانية المتغيرة، وتنازع السيطرة بين المكونات الداخلية والقوى الخارجية المنخرطة في الأزمة السورية، لاستعادة نشاطه من جديد. ويبدو أنه يحاول في هذا السياق استغلال تداعيات الزلزال المدمر الذي تعرضت لها مناطق في تركيا وسوريا في 6 فبراير الجاري من أجل تحقيق ذلك.
إذ أن خريطة النفوذ والسيطرة على الساحة السورية والمستقرة بين القوى الفاعلة منذ بضع سنوات، تفرض عقبات لوجستية عديدة أمام عمليات الإنقاذ، على مستوى فرق الإنقاذ والآليات المستخدمة، إضافة إلى صعوبة إرسال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية للناجين، وبالتالي يواجه آلاف السوريين أوضاعاً صعبة، وهو ما ترى قيادة “داعش” أنه يوفر فرصة للتنظيم.
ومع تركيز المكونات المحلية والأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع السوري، على مواجهة تداعيات الزلزال، فإن التنظيم تعمد تنفيذ هجوم في مدينة تدمر بمنطقة البادية، في 12 فبراير الجاري، والتي يُعتقد أنها مركز للتخطيط العملياتي، استهدف بشكل أساسي عمالاً مدنيين يعملون في جمع “الكمأة”، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
أبعاد التحرك
يمكن الوقوف على أبعاد محاولات تنظيم “داعش” في سوريا استغلال الأوضاع المضطربة والتأثيرات الإنسانية المتفاقمة للزلزال، في ضوء استراتيجية التحرك على الساحة السورية، وذلك على النحو التالي:
1- تفعيل النشاط العملياتي بعيداً عن نطاق الزلزال: تتبع مجموعات تنظيم “داعش” في سوريا استراتيجية للتعامل مع الاضطرابات الأمنية الناشئة على الساحة السورية خلال السنوات الماضية، فيما يتعلق بالتخطيط للنشاط العملياتي، لاستغلال تلك الأوضاع المضطربة، وتعتمد على توجيه النشاط العملياتي باتجاه معاكس لمنطقة الأزمات، وعدم الدخول في خضم الصراعات المسلحة، كما هو الحال بالنسبة للقصف التركي الجوي والمدفعي على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الذي بدأ خلال شهر نوفمبر الماضي، بشكل مكثف، إذ بدأ التنظيم في الظهور بشكل علني في مناطق بمحافظة دير الزور على سبيل المثال، إضافةً إلى تنفيذ عملية على مركز أمني بمحافظة الرقة خلال شهر يناير الماضي، لتهريب بعض عناصره المحتجزين.
ومع ذلك، من غير المستبعد تنفيذ مجموعات التنظيم عمليات لاستهداف قوات الجيش السوري والمليشيات الموالية لإيران في المحافظات التي تضررت بفعل الزلزال، انطلاقاً من منطقة البادية، إضافة إلى استهداف مراكز سيطرة “قسد” في المناطق التي تضررت بدرجة أقل، وتحديداً بمنطقة الطبقة بمحافظة الرقة، والتي شهدت هجوماً في شهر يناير الماضي.
2- تزايد احتمالات فرار كوادر “داعش” من السجون: يُعد تحرير تنظيم “داعش” لعناصره المحتجزين في السجون السورية هدفاً استراتيجياً منذ سنوات، مع تكرار محاولات الهجوم على السجون ومواقع الاحتجاز. وقد تمكن نحو 20 فرداً على الأقل من الهرب من أحد السجون شمال غربي سوريا في بلدة تدعى راجو، على الحدود مع تركيا، بعد افتعال أعمال شغب داخل السجن، وذلك في 7 فبراير الجاري.
ويضم السجن نحو ألفي شخص، منهم 1300 تقريباً يُعتقد انتماؤهم لتنظيم “داعش”، وفقاً لما أفادت به تقارير عديدة. وقد تدفع الأوضاع الأمنية المضطربة جراء تأثيرات الزلزال بعض عناصر التنظيم للتخطيط من أجل تكرار محاولة الهروب من داخل السجن، الذي يقع في نطاق الزلزال.
ورغم أن التنظيم لم يظهر عملياتياً في منطقة السجن المشار إليه بمنطقة عفرين، إلا أن مدينة عفرين شهدت موجات نزوح من المتضررين من آثار الزلزال، وهنا فإن الأوضاع بالمدينة وبالشمال السوري قد تؤدي إلى تزايد احتمالات ترتيب مجموعات التنظيم هجوماً لتسهيل هروب عناصره من السجن، خاصة مع الكشف عن وجود خلايا للتنظيم في ريف حلب، إذ أعلنت قوات “قسد” تفكيك خلية في مارس 2022، تضم قيادياً في التنظيم.
وخلال نهاية العام الماضي، وكأحد تداعيات القصف التركي، حاولت بعض مجموعات “داعش” الهجوم على مخيم الهول، بما دفع قوات “قسد” بالتعاون مع التحالف الدولي، لمواجهة “داعش”، وتكثيف التأمين في محيط السجون والمخيمات التي تضم عناصر التنظيم وأسرهم المحتجزين.
3- استغلال الأوضاع المضطربة لاستقطاب عناصر جديدة: تعكف الأطرافالمختلفة على الساحة السورية على مواجهة تداعيات الزلزال، ومحاولات الانشغال بالتوظيف السياسي للحادث،بصورة تؤثر على وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى المناطق المتضررة، والتي تقع تحت سيطرة فصائل مسلحة تُصنف بـ”المعارضة”، وسط اتهامات للنظام السوري بعرقلة وصول مساعدات إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرته في الشمال السوري، في ظل تضرر الطرق من جنوب تركيا إلى الشمال السوري.
وإضافةً للاتهامات الموجهة النظام السوري، فإن الإدارة الذاتية لمناطق شمال شرق سوريا تشير إلى عرقلة توصيل المساعدات إلى المناطق المنكوبة، في ظل رفض تركيا السماح بمرور تلك المساعدات عن طريق الفصائل المسلحة الموالية لها، بما يزيد من معدلات النزوح من المناطق الأكثر تضرراً إلى مناطق أخرى آمنة، وهي أوضاع قد تؤدي إلى اتجاه بعض خلايا التنظيم إلى محاولة استقطاب عناصر جديدة، اعتماداً على الأوضاع الصعبة التي تواجه الآلاف من السوريين.
4- تنفيذ عمليات تهريب عبر الحدود: تعرضت مناطق جنوب تركيا إلى أضرار جسيمة بفعل الزلزال، على نحو فرض حالة من الاضطرابات والفوضى الأمنية الملحوظة، إلى حد إعلان فريق إنقاذ بالجيش النمساوي ورجال إنقاذ من ألمانيا توقف أعمال البحث والإنقاذ، بعد اشتباكات بين مجموعات غير معروفة داخل تركيا، وانتشار أعمال السرقة والنهب من المحلات التجارية والمنازل، قبل أن يتدخل الجيش التركي، وفقاً لتقارير إعلامية دولية.
وفي ظل نقص الإمدادات الغذائية بالجنوب التركي، وبشكل أكبر في الشمال السوري، تتزايد التخوفات من إمكانية اختراق مئات السوريين للحدود متسللين إلى الداخل التركي، على خلفية الاضطرابات الأمنية، وانشغال الجيش والجهات المسئولة بأعمال الإنقاذ والبحث ورفع آثار الزلزال.
وقد أشارت تقارير إعلامية سورية إلى اعتداء عناصر حرس الحدود التركية على مواطنَيْن سوريين حاولا التسلل من قرية دير صوان بريف عفرين بمحافظة حلب، بعد أيام من الزلزال. وفي ظل الاضطرابات الأمنية، قد يستغل تنظيم “داعش” الأوضاع في تنفيذ عمليات تهريب عناصر له إلى داخل سوريا حال حدوث اضطرابات على الحدود، أو تهريب أموال من تركيا، لدعم نشاطه العملياتي، خاصة وأن التنظيم يعتمد على سوريا في عمليات تهريب الأموال.
تنشيط الخلايا
وأخيراً، فإن تنظيم “داعش” يسعى لاستغلال الاضطرابات التي تشهدها الساحة السورية منذ عام 2019 لصالحه، سواء على مستوى النشاط العملياتي، أو على مستوى تعزيز حضوره عبر نطاقات جغرافية تشهد تراجعاً عملياتياً بفعل عمليات التحالف الدولي و”قسد” من ناحية، أو الجيش السوري والقوات الروسية من ناحية أخرى، وذلك من أجل تنشيط خلاياه التي تعمل متخفية في بعض المناطق، وإعادة ترتيب صفوفه لتوسيع نطاق نفوذه، دون الاتجاه بالضرورة إلى نشاط مكثف خلال فترة الاضطرابات.