تدوير الزوايا:
هل يستعين النظام الإيراني بالإصلاحيين لتهدئة التصعيد مع واشنطن؟

تدوير الزوايا:

هل يستعين النظام الإيراني بالإصلاحيين لتهدئة التصعيد مع واشنطن؟



تواجه محاولات النظام الإيراني الاستعانة بجهود بعض رموز الإصلاحيين في تقليص حدة التوتر مع واشنطن عقبات عديدة، يتمثل أبرزها في إمعان النظام في فرض قيود شديدة على الإصلاحيين، واحتمال استغلالهم ذلك للحصول على مكاسب سياسية، وتوجيه رسائل “ضعف” إلى واشنطن، واحتمال رفض الإصلاحيين القيام بدور “ناقل الرسائل” أو “ساعي البريد”.

موقع “اعتماد”: ما هي فحوى الرسالة التي نقلتها إيران إلى أمريكا عبر ظريف؟

رغم الجهود التي بذلتها إيران منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 7 أكتوبر الماضي، من أجل النأي بنفسها عن التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إلا أنها في النهاية وجدت نفسها مضطرة للانخراط في هذا التصعيد، بفعل الارتدادات التي تفرضها الهجمات التي تقوم بشنها المليشيات الشيعية الموالية لها في العراق وسوريا واليمن.

فقد حملت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إيران المسؤولية عن الهجمات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والأردن، ولا سيما الهجوم الأخير الذي وقع في القاعدة الأمريكية “البرج 22” في الأردن، في 28 يناير الفائت. وبدأت في توجيه ضربات عسكرية قوية ضد مواقع المليشيات الموالية لإيران. ورغم أنها لم تستهدف مواقع “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري بشكل مباشر في هذه الهجمات، إلا أن هذا الاحتمال قد لا يكون مستبعداً، باعتبار أن واشنطن الآن تتبنى سياسة “التصعيد التدريجي” ضد تلك المليشيات، طالما أن بعضها ما يزال يقوم بشن هجمات ضد قواعدها في العراق وسوريا.

خيارات جديدة

وهنا، بدأت إيران في البحث عن خيارات جديدة لتهدئة حدة التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تجنب ما تسميه بـ”المحظور” وهو التورط في مواجهة مباشرة مع الأخيرة، ترى إيران أن إسرائيل تدفع في اتجاه تعزيز احتمالاتها، في إطار سعيها لإجبار إيران على دفع القسم الأكبر من كلفة عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها كتائب القسام داخل غلاف غزة في 7 أكتوبر الماضي.

وفي هذا السياق، بدأت تقارير عديدة، في 2 فبراير الجاري، تشير إلى أن القيادة العليا في إيران ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي تستعين بخبرات بعض الشخصيات الإصلاحية، على غرار وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، في ظل امتلاكه شبكة واسعة من العلاقات على المستوى الدولي، منذ كان دبلوماسياً في الممثلية الإيرانية في الأمم المتحدة، وحتى قبل أن يتولى منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق حسن روحاني.

فقد نجح ظريف في نسج علاقات قوية مع مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، على غرار وزير الخارجية الأسبق جون كيري، المبعوث الأمريكي الحالي للمناخ. وكان لذلك دور بارز في الوصول إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015، قبل أن تنسحب منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 8 مايو 2018.

ورغم أن ظريف نفى أن يكون قد قام بنقل رسائل إيرانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يقلص من حدة الجدل الذي تصاعد على الساحة الداخلية الإيرانية حول رسائل التهدئة التي تقوم طهران بتوجيهها إلى واشنطن.

حدود التحرك

بصرف النظر عن هذا الجدل، يمكن القول إن النظام لا يستطيع التعويل بشكل كبير على أي دور محتمل قد يقوم به بعض رموز تيار الإصلاحيين، في تهدئة حدة التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لاعتبارات داخلية وخارجية عديدة يتمثل أبرزها في:

1- مواصلة تبني سياسة تهميش الإصلاحيين: يتوازى التصعيد المستمر على الساحة الخارجية بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع استمرار النظام الإيراني في تبني سياسة إقصاء وتهميش تيار الإصلاحيين، على نحو بدا جلياً في رفض أهلية عدد كبير من مرشحي هذا التيار لانتخابات مجلسى الشورى الإسلامي (البرلمان) وخبراء القيادة، بمن فيهم الرئيس السابق حسن روحاني الذي رفض مجلس صيانة الدستور أهليته للترشح لمجلس الخبراء، رغم أنه كان عضواً في هذا المجلس الذي يتولى صلاحية تعيين وعزل المرشد ومراقبة أعماله، لثلاث دورات متتالية.

كما أن معظم المسؤولين في حكومة روحاني تعرضوا أيضاً للاستبعاد من مؤسسات الدولة، على غرار جواد ظريف الذي لم يتم تعيينه في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو القرار نفسه الذي اتبع مع الرئيس السابق حسن روحاني على غرار القاعدة التي التزام بها النظام منذ تأسيس هذا المجلس في عام 1989. ومن هنا، فإن ذلك يضعف من إمكانية استناد النظام إلى بعض رموز الإصلاحيين في نقل رسائل إلى واشنطن، خاصة أنه يوجه اتهامات إلى بعضهم بـ”الخيانة” و”العمالة لجهات أجنبية”.

2- إمكانية استغلال الإصلاحيين للفرصة: ربما لا تستبعد القيادة العليا في النظام أن يؤدي الاستناد إلى هذا الخيار إلى منح فرصة للإصلاحيين من أجل ممارسة ضغوط مقابلة على النظام، بهدف تقليص حدة القيود التي يفرضها عليهم، وتبني شروط لا تتسامح مع التوجهات العامة التي يتبناها النظام في الوقت الحالي، على غرار توسيع هامش الحريات الاجتماعية التي تعرضت لإجراءات أكثر صرامة في مرحلة ما بعد انتهاء الاحتجاجات التي شهدتها إيران منذ منتصف سبتمبر 2022 وحتى بداية يناير 2023 بسبب الاعتراض على وفاة الفتاة الكردية العشرينية مهسا أميني على أيدي عناصر شرطة الأخلاق بسبب اتهامها بعدم الالتزام بقواعد ارتداء الحجاب.

3- توجيه إشارة “ضعف” إلى واشنطن: ترى القيادة العليا في إيران أنهذا الخيار يمكن أن يؤدي إلى توجيه إشارة إلى واشنطن تُفيد بأن النظام يعاني من ضعف شديد بسبب الضغوط التي يتعرض لها على المستويين الداخلي والخارجي في السنوات الأخيرة. وفي رؤيتها، فإن هذه الإشارة يمكن أن تدفع واشنطن إلى تبني سياسة أكثر تشدداً في التعامل مع إيران، في ظل استمرار التصعيد بين الأولى والمليشيات الشيعية الموالية للأخيرة، على نحو يبدو جلياً في اتجاه واشنطن إلى استهداف قيادات رئيسية في تلك المليشيات، مثلما حدث عندما استهدفت القوات الأمريكية القيادي في “كتائب حزب الله العراقي” أبو باقر الساعدي في 7 فبراير الجاري.

4- رفض الإصلاحيين لدور “ساعي البريد”: وهنا، فإن هذا الرفض المحتمل يعود في المقام الأول إلى أن مجرد القبول بنقل رسائل بين طهران وواشنطن حتى لو كان يخدم أهداف وحسابات الأولى، سوف يضفي وجاهة خاصة على الاتهامات التي توجه إلى تيار الإصلاحيين بـ”العمالة للخارج”، وهي الاتهامات القائمة منذ عام 2009 عقب الأزمة التي فرضتها الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أسفرت عن فوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، ثم تكثفت عقب انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، على نحو أدى إلى إفراغه من مضمونه وحرمان إيران من العوائد الاقتصادية التي كانت تتوقعها عبر مواصلة العمل به من جانب كل الأطراف التي توصلت إليه.

اختبار صعب

في ضوء ذلك، يمكن القول إن محاولات النظام الإيراني الحفاظ على مستوى منضبط من التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية، ربما انتظاراً لما سوف تؤول إليه التوازنات واتجاهات التفاعلات الإقليمية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في غزة، تواجه اختباراً صعباً في الفترة الحالية، بسبب التداعيات التي يفرضها إصرار المليشيات الشيعية الموالية لها على مواصلة شن هجمات ضد القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة. وهنا، فإن الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها النظام بسبب استمرار هذا التصعيد وربما انفلاته، وهو احتمال لا يمكن استبعاده، من شأنها أن تفرض خيارات محدودة وحرية حركة ضيقة أمام مساعيه لتجنب الانخراط في مواجهة مباشرة.