تهديد محتمل:
هل يركز “داعش” على مخيمات اللاجئين في لبنان؟

تهديد محتمل:

هل يركز “داعش” على مخيمات اللاجئين في لبنان؟



سعى تنظيم “داعش” إلى استقطاب عناصر جديدة من الأراضي اللبنانية خلال الفترة الماضية، لكن اللافت أنه لم يركز فقط على الشباب اللبناني، وإنما حاول أيضاً التمدد إلى داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. وفي هذا السياق، أعلن الجيش اللبناني، في 15 مارس الجاري، توقيف شخصين يحملان الجنسيتين الفلسطينية والسورية، ينتميان للتنظيم، وأظهرت التحقيقات معهما أنهما كانا على تواصل مع قياديين من التنظيم في سوريا، بغرض الالتحاق به في الخارج.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحرك فيها تنظيم “داعش” بين قاطني مخيمات اللاجئين سواء السوريين الذين توافدوا على لبنان عقب الأزمة التي اندلعت عام 2011، أو الفلسطينيين المنتشرين في المخيمات الموجودة على الأراضي اللبنانية، إذ لا يزال التنظيم قادراً على اختراق تلك المخيمات، سواء عبر نشاط ميداني في التجنيد، أو من خلال توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب عناصر جديدة.

عوامل مُحفِّزة

يمكن القول إن ثمة عدداً من العوامل التي تدفع تنظيم “داعش” إلى تنفيذ عمليات استقطاب وتجنيد عناصر جديدة داخل الأراضي اللبنانية، يتمثل أبرزها في:

1- تعويض النقص الحاد في العناصر الإرهابية: تتفاوت التقديرات الخاصة بأعداد عناصر تنظيم “داعش” بين العراق وسوريا، حيث قدَّرها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف بنحو 10 آلاف عنصر، في حين تشير بعض التقديرات الأخرى إلى أنها تتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف. لكن ذلك لا ينفي أن التنظيم فقد الآلاف من عناصره، منذ عام 2017 وحتى مطلع عام 2023، بفعل استمرار عمليات مكافحة الإرهاب.

وهنا، يسعى التنظيم إلى إعادة بناء قدراته، على مستوى استقطاب عناصر جديدة، بالتركيز على لبنان، سواء على مستوى تجنيد اللبنانيين أنفسهم، أو على صعيد محاولة إعادة الانخراط بين اللاجئين في المخيمات المنتشرة في لبنان، التي تضم الآلاف من الشباب القادرين على حمل السلاح والانضمام لصفوف التنظيم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التنظيم سبق وأن سعى لتشكيل خلايا ومجموعات للموالين له على الساحة اللبنانية، وذلك منذ عام 2014، وقد تمكن الجيش اللبناني خلال عام 2016 من القبض على شخص يدعى عماد ياسين، عُرف حينها بأمير “داعش” في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، ليكشف عن حراك لعناصر التنظيم داخل مخيمات اللاجئين.

2- دعم العمليات بنطاق “القيادة المركزية”: تهدف عمليات تجنيد واستقطاب عناصر جديدة إلى تشكيل خلايا ومجموعات داخل الدول الأصلية لتلك العناصر، والمرجح أن تشهد نشاطاً إرهابياً، في ظل مجموعة من العوامل المُحفِّزة، أو توجيه تلك العناصر الجديدة إلى دول أخرى تشهد نشاطاً إرهابياً لتلك التنظيمات.

ويعتمد “داعش” على النمطين في توجيه عناصره الجديدة، سواء بتشكيل خلايا في الدول الأصلية لتلك العناصر، بغض النظر عن الهدف المرحلي للتنظيم، أو توجيه كل أو بعض تلك العناصر إلى مناطق أخرى، ولكن ترجيح أحد النمطين يخضع لمجموعة من العوامل وفقاً لاستراتيجية التنظيم في كل مرحلة، وأعداد العناصر الجديدة، وطبيعة أوضاع وظروف دولهم الأصلية.

ولكن خلال المرحلة الحالية التي يواجه فيها التنظيم ضغوطاً شديدة، بفعل عمليات مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا، يتضح أن الأولوية لتوجيه العناصر التي يتم تجنيدها من لبنان لدعم عملياته في الدولتين، نظراً لرمزية النشاط العملياتي، باعتبارها “القيادة المركزية” للتنظيم، إذ يرغب التنظيم في دعم عملياته من أجل البقاء.

وتبرز في هذا السياق إشارة بيان الجيش اللبناني إلى أن الشخصين الموقوفين كانا يخططان للانتقال إلى سوريا، عبر الحدود اللبنانية، بعد تجنيدهما من قبل قيادات في التنظيم بسوريا، وسبق أن تدفق العشرات من الشباب اللبناني إلى سوريا، منذ صيف 2021، وهو ما اتضح خلال يناير 2022، بمقتل بعضهم خلال عمليات مكافحة الإرهاب في العراق.

3- تزايد القدرة على الاستقطاب داخل المخيمات: تتعدد دوافع “داعش” لاستقطاب عناصر من المخيمات السورية والفلسطينية على حد سواء، في ظل انتشار الأفكار المتطرفة بين بعض قاطني تلك المخيمات، وانتماء بعضهم إلى تيارات “إسلاموية جهادية”، وهو ما يسهل عملية الاستقطاب، بسبب الطبيعة السائلة التي يتسم بها ما يسمى بـ”التيار الجهادي”، إضافة إلى تركز الآلاف في نطاق جغرافي واحد، بما قد يدعم من عملية انتشار الأفكار المتطرفة، وتحديداً الإطار الأيديولوجي لـ”داعش”، الذي اتضح، وفقاً لاتجاهات عديدة، أنه لا يزال جاذباً لبعض القطاعات الشبابية.

كما أن تلك المخيمات تشهد حالة من تردي مستوى المعيشة، في ظل ضغوط اقتصادية صعبة، وعدم القدرة على إيجاد فرص عمل مناسبة، إضافة إلى شكاوى متكررة من قاطنيها لصعوبة الأوضاع المعيشية في ظل الدعم المادي المحدود من قبل الجهات المانحة.

وتواجه الأجهزة والسلطات اللبنانية مأزقاً في ضبط وملاحقة العناصر المتشددة، في ظل صعوبة إحكام السيطرة الأمنية على تلك المخيمات، وتعدد الأطراف الفاعلة في إدارتها، وانتشار الأسلحة داخلها.

4- الهشاشة الأمنية للحدود وسهولة الاختراق: ركز التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” منذ تأسيسه بقيادة الولايات المتحدة، على تحجيم موجات تدفق العناصر الموالية للتنظيم من مختلف الدول سواء بالشرق الأوسط أو خارجه إلى العراق وسوريا، باعتباره أحد العوامل المؤثرة على تمدد وانتشار التنظيم على مستوى الجغرافيا العراقية والسورية.

ومع تراجع السيطرة الميدانية لـ”داعش” على الأراضي التي كانت بحوزته بالعراق وسوريا، وإحكام انتقال العناصر من دولهم باتجاه “القيادة المركزية” للتنظيم، فإنه ربما يتجه للتركيز على لبنان بشكل عام، ومخيمات اللاجئين بشكل خاص، نظراً للهشاشة الأمنية للحدود بين لبنان وسوريا، بما يسمح بانتقال العناصر من داخل لبنان، للانخراط في صفوفه بنطاق النشاط العملياتي، مقارنة بتجنيد ونقل عناصر من دول خارج النطاق الجغرافي القريب من العراق وسوريا.

وتشهد الحدود اللبنانية – السورية انتشاراً لعصابات التهريب التي تسيطر على نقاط حدودية، ربما يستغلها التنظيم في تهريب عناصره، وهو ما أشارت إليه تقارير إعلامية محلية، خلال شهر يناير 2022، بعد انتقال عناصر من لبنان للانضمام إلى “داعش”، إذ تم ترجيح أن تلك العناصر انتقلت إلى داخل سوريا، عبر الحدود الهشة مع لبنان.

5- مساعي التنظيم لتشكيل نواة صلبة: رغم أن الاتجاه الأبرز في مسارات تجنيد “داعش” داخل مخيمات اللاجئين في لبنان يتركز حول توجيه تلك العناصر إلى الخارج للانخراط في مناطق نشاط عملياتي بالعراق أو سوريا، إلا أن التنظيم ربما يدفع إلى عدم نقل كل العناصر الجديدة إلى الخارج، في إطار محاولة تشكيل نواة صلبة، يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً في عمليات تجنيد ميداني في المخيمات، وقد يمتد نشاطها للربط مع مجموعات أخرى للتنظيم خارج المخيمات، والتي تعكس اهتماماً من جانب التنظيم بمحاولة إعادة تنشيط خلاياه ومجموعاته في لبنان.

ويتضح ذلك من خلال تعمد تنظيم “داعش” إبراز مبايعة عدد من عناصره من داخل الأراضي اللبنانية لزعيم التنظيم الجديد المعروف بـ”أبي الحسين الحسيني القرشي”، وذلك عبر صحيفة “النبأ” الأسبوعية، في 9 ديسمبر الماضي، في إشارة إلى أن التنظيم يمتلك خلايا داخل لبنان، رغم عدم تنفيذ عمليات إرهابية.

خطوات استباقية

تفرض هذه التحركات التي يقوم بها تنظيم “داعش” ضغوطاً قوية على السلطات الأمنية والجيش اللبناني، لمواجهة ملامح النشاط المتزايد للتنظيم، والذي قد يتحول من عمليات التجنيد بهدف توجيه العناصر الجديدة لسوريا والعراق، إلى تنفيذ عمليات إرهابية داخل لبنان نفسها، دون أن ينفي ذلك أن الأخيرة تشهد حالة استنفار أمني من قبل الجيش والأجهزة الأمنية، منذ مطلع العام الماضي، عقب الكشف عن انضمام شباب لبناني إلى “داعش” في سوريا والعراق على مدى زمني متقارب، وذلك بهدف اتخاذ خطوات استباقية تحول دون توسع نشاط “داعش” داخل الأراضي اللبنانية خلال المرحلة القادمة.