توافقت القوى السياسية الرئيسية في إقليم كردستان العراق، في 3 أغسطس الجاري، على تحديد يوم 25 فبراير المقبل موعداً جديداً للانتخابات البرلمانية في الإقليم، بعد إرجائها لأكثر من عام نتيجة لخلافات سياسية بين الحزبين الرئيسيين: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. وجاء الإعلان عن الموعد الجديد بعد الاجتماع الذي عقده الحزبان الرئيسيان في نهاية يوليو الماضي بمدينة السلمانية.
ويُشير الاتفاق على تحديد موعد الانتخابات إلى إمكانية تسوية الملفات العالقة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى حل القضايا الدستورية المتعلقة بشرعية البرلمان الحالي، لا سيما بعد أن أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية العليا، في 30 مايو الماضي، حكماً بعدم دستورية تمديد عمل برلمان كردستان لعام إضافي، بعدما جدّد لنفسه في عام 2022، معتبرة أن كل القرارات الصادرة عنه بعد تلك المدة “باطلة”.
سياق مواتٍ
جاء التوافق على تحديد موعد انتخابات الإقليم، في سياق عدد من التطورات، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- الدعم الدولي لإجراء الانتخابات: جاء إعلان موعد الانتخابات في أعقاب تحركات إقليمية ودولية لإقناع القوى السياسية في الإقليم بإجراء الانتخابات، كما مارست البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق وكردستان دوراً بارزاً في تسوية العديد من القضايا الخلافية بين القوى السياسية في الإقليم. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة إدراكاً لدى رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، ونائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، باهتمام الخارج بشكل عام، والدول الغربية على وجه الخصوص، بالملف الانتخابي في الإقليم.
وكانت هذه الدول بالتعاون مع الأمم المتحدة، قد ربطت استمرار دعم الإقليم، ومواصلة التعاون مع الأحزاب الرئيسية فيه، بتحقيق مجموعة من المطالب الأساسية، منها ضرورة الاتفاق مع بغداد حول ملف النفط وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها “حفاظاً على الشرعية”، فضلاً عن المضي في توحيد القوات الأمنية والعسكرية المنقسمة بين الحزبين في إطار مؤسسة غير حزبية.
2- تثبيت نفوذ الإقليم على الساحة الداخلية: لا ينفصل قرار تحديد موعد الانتخابات عن المخاوف التي وصلت إلى الذروة في أوساط القوى الحاكمة في كردستان من تراجع نفوذ الإقليم على الساحة العراقية، خاصة أنه منذ لجوء الإقليم في عام 2017 لإجراء استفتاء للانفصال عن الحكومة المركزية في العراق، والإقليم بدأ يفقد ثقله تدريجياً، وبدا ذلك مع مساعي الحكومة لتحديد سياساته من خلال التحكم في الميزانية، وإدارة موارده النفطية. وتجدر الإشارة إلى أن الإقليم تعرض لضغوط داخلية غير مسبوقة تحت وطأة عدد من الاحتجاجات المجتمعية، بالإضافة إلى تأزم الوضع السياسي، خاصة بعد إعلان جماعة العدل الكردستانية، في أول مايو الماضي، استقالة نوابها السبعة من برلمان كردستان، اعتراضاً من جانبها على عدم إجراء الانتخابات، وتمديد عمل البرلمان عاماً إضافياً.
وفي سياق تصاعد ضغوط الداخل جنباً إلى جنب مع تزايد شكوك قوى إقليمية في توجهات الإقليم منذ إجرائه الاستفتاء، فإن نخب الحكم في الإقليم يبدو أنها وصلت إلى قناعة بأهمية معالجة الاختلافات البينية فيما بينها، أو على الأقل تقليص حدتها، فضلاً عن توافر قناعة جديدة لدى الأحزاب الرئيسية في الإقليم بأن الخيار الأفضل للحفاظ على مكانة الإقليم ونفوذه الاستراتيجي، سواء داخل منظومة الحكم العراقية أو على المستوى الإقليمي، يكمن في رأب الصدع بين قواه الرئيسية عبر إعادة ترتيب الأوراق وتبني موقف موحد، خاصة أن استمرار الخلافات يمثل السبب الرئيسي لتراجع حضور الإقليم.
3- تأمين شرعية البرلمان الكردي: تزامن تحديد موعد الانتخابات مع صعود ظاهرة لجوء التيارات المعارضة في الإقليم، والأطراف المنافسة للحزبين الرئيسيين، للطعن أمام المحكمة الاتحادية في القرارات الصادرة عن الحكومة والبرلمان الكرديين، وهو ما تسبب في ارتباك عمل الحكومة. وقد تزايدت مخاوف السلطة الحاكمة في الإقليم من تراجع نفوذها أو على الأقل توفير بيئة خصبة للتدخلات في شئون الإقليم، في 30 مايو الماضي، بعد قضاء المحكمة الاتحادية بـ”عدم دستورية” قانون استمرار الدورة الخامسة لبرلمان كردستان رقم 12 سنة 2022 الصادر في 9 أكتوبر الماضي، كما اعتبرت المحكمة الاتحادية أن مدة الدورة الخامسة لبرلمان كردستان “منتهية بانتهاء المدة القانونية المحددة لها في 6 نوفمبر 2022”. وفي هذا السياق، فإن التوافق على موعد الانتخابات جاء مدفوعاً بمخاوف الحزبين من مواجهة أزمة دستورية في حال فشل تسوية الخلافات بينهما ومع باقي الأحزاب في الإقليم حول تنظيم الانتخابات التشريعية.
4- معالجة الملفات العالقة بين القادة: ارتبط تحديد موعد الاقتراع التشريعي في إقليم كردستان بنجاح القوى السياسية الرئيسية في تسوية بعض خلافاتها العالقة، على نحو بدا جلياً في لقاء رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني ونائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، في 8 مايو الماضي، وذلك لمناقشة المشاكل المالية والإدارية التي تواجه حكومة إقليم كردستان، وتم الاتفاق على حل جميع المشاكل، وأهمها إجراء الانتخابات. كما ساهم اللقاء بين بارزاني وطالباني في عودة الحزبيْن للعمل معاً في إطار حكومة الإقليم، حيث أنهى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في 14 مايو الماضي، مقاطعة استمرت شهوراً لاجتماعات حكومة كردستان العراق مع شريكه الرئيسي في الائتلاف، وهو ما قلص من حدة التوتر بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
مساران رئيسيان
ربما يزيد التوافق الملحوظ في مواقف الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تجاه حسم الجدل الدائر حول تحديد موعد الانتخابات، من احتمال حل العديد من القضايا العالقة بين مكونات سلطة الإقليم. ويرجح أن يكون أول التداعيات المحتملة هو تراجع حدة الاستقطاب السياسي، لا سيما وأن الحزبين أكدا على ضرورة مواصلة الحوار والتعاون لتسوية الإشكاليات السياسية، فضلاً عن تعزيز مساحات التنسيق بينهما لمواجهة ضغوط السلطة المركزية على الإقليم في الملفات الشائكة.
وفي هذا السياق، فإن ثمة مسارين محتملين: يتمثل أولهما في الاتجاه نحو إجراء الانتخابات في الموعد الجديد، ويبدو أن هذا هو السيناريو الأقرب، خاصة وأن تأجيل الانتخابات أضر بموقع الحزبين، كما تسببت حدة الاستقطاب السياسي داخل الإقليم في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وظهر ذلك في الأزمات التي تتعلق بتأخير دفع رواتب موظفي الإقليم، وضعف الخدمات البلدية.
وينصرف ثانيهما، إلى تصعيد حدة الأزمة السياسية، وعدم قدرة الحزبين الرئيسيين في الإقليم على تجاوز خلافاتهما، خاصة أن ثمة صراعاً منذ فترة طويلة على النفوذ بينهما. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الصراع فرض حالة من عدم الاستقرار الأمني والفوضى في الإقليم. بيد أن هذا السيناريو يبدو غير مرجح، في ظل الضغوط الغربية لإجراء الانتخابات في الإقليم، بالإضافة إلى مخاوف الحزبين من بدء فقدان نفوذهما في الإقليم بفعل لجوء معارضيهما إلى انتزاع مكاسب عبر المحكمة الاتحادية.