عقبات رئيسية:
هل يتمكن تنظيم “القاعدة” في الجزائر من إعادة التموضع مجدداً؟

عقبات رئيسية:

هل يتمكن تنظيم “القاعدة” في الجزائر من إعادة التموضع مجدداً؟



نفذت الجزائر خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، عمليتين عسكريتين استهدفت مجموعات تنظيم “القاعدة” التي كانت تتحصن في المرتفعات الجبلية الوعرة في محافظة سكيكدة شرقي البلاد، الأولى في فبراير أسفرت عن مقتل 7 إرهابيين معظمهم انضم للجماعات الإرهابية قبل 15 عاماً، والثانية في مارس أسفرت عن القبض على 7 إرهابيين ومقتل آخر، خلال مواجهات مع قوات الجيش الجزائري.

وتكشف طبيعة تفاعل فرع تنظيم “القاعدة” المسمى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، حجم التأثر جراء عمليات الجيش الجزائري، وتحديداً عقب العملية الأخيرة في مارس الماضي، إذ أعقبها نشاط إعلامي للتنظيم، في محاولة لمواجهة آثار عمليات الجيش الجزائري، على وقع نشاط التنظيم في الجزائر المتراجع بالأساس، قبل العمليات العسكرية الأخيرة ضد مجموعاته وعناصره.

محاولات التماسك

من خلال مراجعة إصدارات وبيانات “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” خلال الأشهر القليلة الماضية، فإن ثمة ملاحظة رئيسية تتعلق بزيادة النشاط الإعلامي، وتحديداً خلال شهر مايو الماضي، عبر ثلاثة مقاطع فيديو متنوعة، الأول بعنوان “لقاء مؤسسة الأندلس مع الأخ المجاهد عبد المحسن أبي جليبيب”، والثاني “قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم”، للقائد: أبي خليل إدريس، والثالث “خطبة عيد الفطر لعام 1443ه للأخ حمزة أبو المعتصم”.

وبالنظر إلى هذه الإصدارات الثلاثة، إضافة إلى بيان التنظيم المؤرخ في 29 مارس 2022، عقب عملية الجيش الجزائري على مرتفعات سكيكدة، فإنه يمكن تحديد أبعاد هذا النشاط وأهدافه كالتالي:

1- توجيه رسالة داخلية عبر خطاب “المحنة”: يمكن تصنيف خطاب التنظيم في إصداراته منذ شهر مارس الماضي، على أنه خطاب “محنة”، الذي تلجأ إليه التنظيمات الإرهابية في أوقات يتعرض التنظيم فيها لضربات شديدة ومتلاحقة، عبر استخدام مفردات تدعو إلى “الصبر على البلاء والمحن”، و”انتظار الفرج من الله رغم الصعاب”، و”التسليم لأقدار الله”. وهنا فإن هذا الخطاب داخلي موجه بالأساس إلى عناصر التنظيم، وهو محاولة للحفاظ على التماسك الداخلي، خوفاً من حدوث انشقاقات من قبل العناصر يمكن أن تؤثر على جسد التنظيم، وبالتالي تضاعف التأثيرات عقب مقتل واعتقال عدد من العناصر في عمليتي الجيش الجزائري في فبراير ومارس الماضيين، ويتضح هذا من خلال تعمد التنظيم بث ما وصفه بـ”خطبة عيد الفطر” بعد نحو شهر من توقيتها الأصلي.

2- محاولة إظهار الوجود ميدانياً: على الرغم من تأثير عمليتي الجيش الجزائري على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والاعتراف بذلك في تلك الإصدارات عبر بث صور لعناصره التي تعرضت للقتل في المواجهات؛ إلا أنه يسعى لإظهار الوجود ميدانياً، وليس عبر بيانات وإصدارات إعلامية، عبر تخصيص أحد الإصدارات حديثاً لأحد عناصره، ويدعى حركياً “عبد المحسن أبو جليبيب”، في إحدى المناطق الجبلية، في إشارة إلى استمرار الوجود بتلك المرتفعات الجبلية في سكيكدة، وهي محاولة للرد على ما نُشر إعلامياً بقضاء الجيش الجزائري على آخر المجموعات الإرهابية شرقي البلاد.

3- السعي لعمليات تجنيد عناصر جديدة: ويتصل بمحاولة إظهار الوجود سعي التنظيم إلى عمليات تجنيد جديدة من داخل الجزائر، لتعويض عناصره التي قُتلت أو اعتُقلت في عمليات الجيش الجزائري، من خلال الإشارة إلى أحد عناصره ويدعى حركياً “عبد المحسن أبو جليبيب”، انضم حديثاً، ويتحدث عن تجربته مع التنظيم، كما أنها -في الوقت ذاته- محاولة للتأكيد على استمرار “كتلة” رئيسية يمكن البناء عليها، وهي رسالة للعناصر التي ترغب في الانضمام للتنظيم، وتحديداً من المنتمين لتيار السلفية الجهادية.

4- مواجهة التفكك على المستوى الفكري: وبعيداً عن أهداف ورسائل التنظيم لمواجهة التفكك على المستوى التنظيمي بفقدان النواة الرئيسية له في الجزائر؛ فإن تفكك البنية الفكرية تمثل أزمة أكبر، إذ إن تفكك الأيديولوجيا المؤسِّسة للتنظيمات والسرديات المرتبطة بها تؤدي -إلى حد كبير- إلى تفكك التنظيم بالتبعية. وهنا فإن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي خصص إصداراً لمواجهة دعوات وقف العنف وترك السلاح، الصادرة عن أحد قيادات التنظيمات الإرهابية بعد القبض عليه من قبل الجيش الجزائري، ويدعى حركياً “عاصم أبو حيان”، ويُصنف بأنه “قاضٍ شرعي”، في ظل تخوفات من التنظيم من تأثيرات هذه الدعوة من “أبو حيان” يمكن أن تجد صدى في أوساط تيار السلفية الجهادية بشكل عام وعناصر التنظيم بشكل خاص، بما يؤدي لتفكك البنية الفكرية.

معوقات ضاغطة

على الرغم من محاولات تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، التماسك داخل الجزائر؛ إلا أنه يواجه عقبات رئيسية يمكن تحديد أبرزها كالتالي:

1- التحركات الجزائرية الأمنية الاستباقية: تستمر السلطات الجزائرية في توجيه الضربات الاستباقية للعناصر والمجموعات الإرهابية في الداخل بصورة متواصلة، سواء على مستوى العناصر المرتبطة بـ”القاعدة”، أو تلك المرتبطة بـ”داعش”، وسط نجاح في تحييد المجموعات المرتبطة بالأخير، خلال السنوات القليلة الماضية، في ظل محاولات “داعش” التمدد والتوسع في عدة بلدان عربية. إذ أعلنت الجزائر عن تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية خلال الأشهر القليلة الماضية في إطار نهج استباقي، كما أن الجزائر تسعى إلى تفكيك الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي خلال الفترة المقبلة، مع طرح آليات لتعزيز مكافحة الإرهاب في القارة، خلال القمة الاستثنائية الـ16 لمجلس الاتحاد الأفريقي حول الإرهاب والتغييرات غير الدستورية للحكومات في أفريقيا، خوفاً من الارتدادات العكسية للإرهاب في القارة عليها.

2- تفكك الكتلة الصلبة لتنظيم القاعدة: تُرجح بيانات وزارة الدفاع الجزائرية بشأن العمليات ضد “القاعدة” منذ شهر مارس الماضي، إضافة إلى تعاطي التنظيم معها ونعي عناصره المقتولة، والتطرق إلى الأخرى المعتقلة حديثاً، في ضوء محاولات إظهار التماسك؛ أن “الكتلة” الرئيسية التي كان يعتمد عليها التنظيم في وجوده على الساحة الجزائرية تفككت، أو على أقل تقدير ضعفت بصورة كبيرة، بما يُصعب محاولات التنظيم إعادة التموضع في الجزائر خلال المدى الزمني القريب، خاصة وأن تلك العناصر أغلبها انضم للتنظيم قبل 15 عاماً، بما يشير إلى امتلاكها خبرة في التعامل مع الوضع في الجزائر، إذ كانت تلك العناصر تتحصن في مرتفعات جبلية وسط مناخ ضاغط أمنياً، وبالتالي يصعب تعويضها من قبل عناصر منضمة حديثاً.

3- ضعف تنظيم القاعدة داخل الجزائر بالأساس: يعزز من صعوبات إعادة تموضع “القاعدة” داخل الجزائر، ضعف التنظيم بالأساس، بفعل الملاحقات الأمنية المستمرة، إضافة إلى إمكانية توجيه بعض العناصر الجديدة إلى ساحات أخرى في نطاق الساحل الأفريقي تكون فرص النشاط فيها أكبر، مع الأخذ في الاعتبار فشل التنظيم في توسيع استقطاب عناصر من خارج الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة مع إشارة بعض التقديرات الغربية إلى أن خطاب القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، منذ عام 2011، كان موجهاً في جزء منه إلى دول الجوار، وهذا على الرغم من إظهار أحد إصدارات التنظيم الحديثة أن أحد العناصر تونسي الجنسية.

4- توافر مناخ غير مهيأ داخل الجزائر للتجنيد: سعى تنظيم القاعدة في خطابه الموجه للداخل الجزائري إلى توظيف بعض القضايا المحلية لاستقطاب عناصر جديدة، وإثارة الرأي العام ضد التوجهات الحكومية بصورة تُظهر قدراً من المرونة في التماهي مع المطالب الشعبية، بعيداً عن تبني خطاب ديني أيديولوجي، في إطار محاولات التفاعل مع الاضطرابات التي شهدتها الجزائر منذ عام 2011. ولكن يُرجِّح تراجع هذه الاحتجاجات واستقرار الأوضاع أن المناخ ليس مهيأ لعمليات تجنيد، مع إشارة بعض الدراسات الغربية إلى عدم وجود استجابات واضحة من الشعب الجزائري حيال رفع السلاح، عقب ما يُعرف بـ”العشرية السوداء”، ومعاناة الجزائر خلال تلك الفترة.

تراجع كبير

وأخيراً، فإن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يواجه مأزقاً داخل الجزائر خلال الفترة الحالية، بعد توجيه ضربة لـ”نواة” التنظيم الرئيسية التي كانت تتحصن في المرتفعات شرقي البلاد، هذا على الرغم من انضمام كيانات جديدة لفرع “القاعدة” الإقليمي، وكان أحدثها انضمام “جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان” التي تنشط في نيجيريا، العام الماضي. ولكن بشكل عام، وفي ظل عقبات رئيسية، فإنه من غير المتوقع استعادة هذا الفرع تموضعه على الساحة الجزائرية في المدى المنظور.