تحديات ميدانية:
هل يتكرر السيناريو الأفغاني في الصومال؟

تحديات ميدانية:

هل يتكرر السيناريو الأفغاني في الصومال؟



تتصاعد التخوفات من تكرار السيناريو الأفغاني في الصومال خلال الفترة المقبلة، وتحديداً على مستوى توسع سيطرة حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية على السلطة، أو على الأقل توسيع مناطق نفوذها وسيطرتها، على غرار سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في أفغانستان، عقب عمليات للسيطرة على عدد من الولايات، وصولاً إلى العاصمة كابول، في أغسطس 2021.

وقد عبّر عن هذه التخوفات الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، في مطلع أكتوبر الجاري، خاصة مع انسحاب الدفعة الثانية من القوات الأفريقية “أتميص” بنهاية سبتمبر الفائت، بما يزيد من حدة الضغوط على عمليات مكافحة الإرهاب في الصومال.

تحولات رئيسية

تحذيرات الرئيس الجيبوتي من تكرار التجربة الأفغانية في الصومال يعود إلى وجود تحولات متعددة خلال الفترة الحالية، على مستوى جهود مكافحة الإرهاب، والعمليات العسكرية لمواجهة حركة “الشباب”، ويتمثل أبرزها في:

1- الفراغ الأمني بعد انسحاب القوات الأفريقية: من المقرر أن تنسحب القوات الأفريقية “أتميص” المفوضة من قبل مجلس الأمن من الصومال بنهاية عام 2024، على دفعات، يتوقف عدد كل دفعة على تقييم مسبق للتقدم الميداني المحرز في عمليات مكافحة الإرهاب، وتحديداً حركة “الشباب”. وبالفعل تم الاتفاق على انسحاب 5 آلاف عنصر من القوات الأفريقية على دفعتين، كان آخرها بنهاية سبتمبر الفائت.

وقد طالبت الصومال مجلس الأمن بإرجاء انسحاب الدفعة الثانية من القوات الأفريقية لمدة 3 أشهر، لتنسحب بنهاية ديسمبر بدلاً من سبتمبر، إلا أن الاتحاد الأفريقي رفض هذا المقترح، وأبقى على الخطط كما هي دون تغيير، رغم اعتراض الدول الأفريقية الخمس المشاركة في تلك القوات على اعتبار أن الوضع الميداني ليس مستقراً، ولا يسمح بتنفيذ الخطط التي سبق الاتفاق عليها.

وتسود تخوفات من أن يؤدي انسحاب تلك القوات بهذه الوتيرة، في ظل الأوضاع الميدانية المعقدة في عمليات مكافحة الإرهاب، إلى إحداث فراغ أمني، وتحديداً في المناطق التي كانت تتواجد فيها تلك القوات، بما يعرقل جهود مكافحة الإرهاب، خاصة أن المواقع التي كانت تحت سيطرة تلك القوات ستؤول إلى القوات الصومالية، بما يفرض أعباء عليها.

2- الاستجابة المحدودة للقوات الصومالية: رغم التقدم الذي أحرزته القوات الصومالية في عمليات مكافحة الإرهاب، منذ وصول الرئيس حسن شيخ محمود للحكم في مايو 2022، وإطلاق حرب شاملة على الإرهاب، مع حشد كل الدعم الدولي والإقليمي لمواجهة حركة “الشباب”؛إلا أن الأزمات التي شهدتها الصومال على مدار الأشهر القليلة الفائتة، ضاعفت التخوفات من أثر انسحاب القوات الأفريقية، وفقاً للمعدلات المتفق عليها.

وخلال الشهرين الفائتين، أظهرت معارك القوات الصومالية خلال عمليات مكافحة الإرهاب وسط الصومال، وتحديداً في ولاية جلجدود، استجابة محدودة لتلك القوات في مواجهة حركة “الشباب”، خاصة مع فقدان بعض البلدات التي سيطرت عليها من حركة “الشباب”، عقب سلسلة هجمات عنيفة من الأخيرة.

وبشكلٍ عام، فإن التكتيكات العسكرية المتبعة من قبل القوات الصومالية تواجه أزمة، بما استدعى مراجعتها، إضافة إلى إدخال تغييرات في مستوى قيادات الجيش الصومالي، تجاوزت رئيس أركان الجيش، إلى بعض القيادات البارزة.

3- قدرة “الشباب” على التماسك: مع استمرار عمليات مكافحة الإرهاب، في أكثر من اتجاه جغرافي في الصومال، مع التركيز على معارك استكمال تحرير مناطق وسط البلاد من عناصر حركة “الشباب”؛ إلا أن الأخيرة أظهرت قدراً من التماسك في تلك المعارك، خلال الأشهر الأخيرة، خاصة منذ مطلع العام الجاري.

وخلال النصف الثاني من العام الفائت، تراجعت مناطق سيطرة ونفوذ الحركة في وسط الصومال، مع ضغوط شديدة لعمليات مكافحة الإرهاب، بمشاركة مليشيات محلية لبعض أبناء عشائر منطقة الوسط. وعلى الرغم من ذلك، حافظت الحركة على نشاط عملياتي في منطقة الوسط، أسفر عن عرقلة استكمال تحرير وسط البلاد من الإرهاب.

 وبفعل تماسك حركة “الشباب” في معارك وسط البلاد، تأخر الرئيس الصومالي في إطلاق المرحلة الثانية من عمليات مكافحة الإرهاب، التي تستهدف تحرير مناطق الجنوب، خلال العام الجاري، بما دفع الجيش الصومالي للتركيز على معارك وسط البلاد.

4- عدم إرسال قوات عسكرية من دول الجوار: بالتوازي مع انسحاب القوات الأفريقية، لجأت الصومال إلى تعويض النقص في القوات المشاركة في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على الأمن، عبر الاتفاق مع بعض دول الجوار للدفع بقوات عسكرية إلى أراضيها، للمشاركة في القضاء على حركة “الشباب”، وتحديداً من دول إثيوبيا وجيبوتي وكينيا، عقب لقاءات جمعت رؤساء وقادة تلك الدول مع الرئيس الصومالي.

ورغم مرور نحو 7 أشهر على الاتفاق على إرسال قوات عسكرية إلى الصومال، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات تنفيذية في هذا الصدد، خاصة في ظل ما تواجهه تلك الدول من تحديات داخلية، إذ تشهد إثيوبيا حالات تمرد مسلح داخلي بصفة متكررة، فضلاً عن تصعيد حركة “الشباب” العمليات الإرهابية في شمال كينيا خلال الأشهر القليلة الفائتة، بما يفرض ضغوطاً أمنية على كينيا لمواجهة تلك العمليات.

وكانت الصومال تعتمد على الاتفاق مع دول الجوار لتعويض انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي على دفعات، لسحب كل القوات بنهاية عام 2024، وبالتالي فإن من شأن عدم تعويض انسحاب القوات الأفريقية أن يؤدي إلى حالة من الخلل الأمني.

5- أزمة انخراط العشائر في العمليات العسكرية: تواجه الصومال أزمة مضاعفة، خاصة مع تراجع الانخراط الفاعل للمليشيات العشائرية التي شاركت في مواجهة حركة “الشباب” العام الفائت، في معارك وسط البلاد خلال الأشهر القليلة الفائتة، بما دفع الحكومة الصومالية لمحاولة معالجة الأزمة، من خلال اتخاذ تدابير لحث العشائر على المشاركة بفاعلية خلال عمليات مكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق، ترددت بعض الأنباء عن اتجاه داخل الحكومة الصومالية لدمج تلك المليشيات المحلية في الجيش الصومالي خلال الفترة المقبلة، وتخصيص بعض الميزانيات لأبناء العشائر، مع زيادة الاعتماد على تلك المليشيات في مواجهة حركة “الشباب”. وتشير بعض التقديرات إلى أن الخلافات السياسية داخل الصومال تساهم في عرقلة انخراط العشائر في عمليات الجيش الصومالي.

ضغوط مضاعفة

هناك بعض أوجه التشابه بين تجربتي التمرد المسلح في أفغانستان والصومال، ووجود بعض العوامل الضاغطة على عمليات مكافحة الإرهاب للقضاء على حركة “الشباب”، والتأثيرات المحتملة لانسحاب القوات الأفريقية على الفراغ الأمني، بما يجعل التخوفات الداخلية والإقليمية من توسيع نفوذ حركة الشباب مبررة، من دون الجزم بإمكانية تكرار السيناريو نفسه.

وربما جاءت تصريحات الرئيس الجيبوتي في إطار محاولة ممارسة ضغوط على الاتحاد الأفريقي لعدم استكمال خطط سحب القوات من الصومال، على الأقل إلا بعد مراجعة دقيقة للوضع الميداني، ومدى قدرة القوات الصومالية على تولي المسئولية، لعدم إحداث حالة من الفراغ الميداني، التي يمكن أن تستغلها حركة “الشباب”، واحتمالات استعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها، وتوسيع النفوذ الميداني بصورة أكبر، خاصة مع إظهار الحركة قدرة على التماسك والتكيف في المعارك وسط البلاد.

ورغم تأثيرات خروج الآلاف من القوات الأفريقية، فإن ثمة انخراطاً إقليمياً ودولياً لدعم جهود الصومال في مكافحة الإرهاب، خاصة مع إظهار حسن شيخ محمود جدية في القضاء على “الشباب”، وجعلها أولوية منذ انتخابه رئيساً.

وقد اتجه الرئيس الصومالي إلى محاولة تسريع استعادة السيطرة على مختلف مناطق وسط البلاد، قبل انسحاب الدفعة الثانية من القوات الأفريقية، خوفاً من تداعيات هذا الانسحاب الضاغط على القوات الصومالية في عمليات تأمين المناطق التي تنسحب منها تلك القوات، وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، بما ضاغف الضغوط التي تتعرض لها الصومال.