خيارات محدودة:
هل يتسع نطاق الخلافات بين إيران وروسيا في سوريا؟

خيارات محدودة:

هل يتسع نطاق الخلافات بين إيران وروسيا في سوريا؟



مثّلت الانتقادات الحادة التي وجهتها صحيفة “جمهوري اسلامي” الإيرانية إلى روسيا، في 22 يناير الجاري، بعد الضربات العسكرية العديدة التي وجهتها إسرائيل داخل سوريا واستهدفت فيها قيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني، مؤشراً جديداً يكشف عن عمق الخلافات بين إيران وروسيا، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع التطورات الميدانية التي تشهدها الساحة السورية، والتي بدأت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة تنعكس عليها بشكل مباشر.

فقد تساءلت الصحيفة عن أسباب عدم تفعيل منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “إس 400” خلال الفترات التي وجهت فيها إسرائيل هذه الهجمات، والجهات التي سربت معلومات إلى الأخيرة عن أماكن تواجد القادة العسكريين الإيرانيين.

ورغم أن الصحيفة لا تعبر في النهاية عن وجهة النظر الرسمية الإيرانية، إلا أن السماح لها بنشر تقارير ومقالات تتضمن رسائل مباشرة إلى روسيا تحديداً، يوحي بأن دوائر صنع القرار في طهران ربما ليست بعيدة عن تبني الرؤية نفسها، والتي تقوم على “التشكيك في النوايا الروسية” داخل سوريا، خاصة بعد أن تغيرت توازنات القوى داخل الأخيرة لصالح النظام السوري، بفعل الأدوار التي قامت بها روسيا وإيران والمليشيات الموالية لها.

حدود التصعيد

مع ذلك، لا يبدو أن إيران في وارد أن تتجه إلى توسيع نطاق تلك الخلافات مع روسيا، على الأقل في المرحلة الحالية، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الاستعداد لمرحلة ما بعد غزة: تتصاعد حدة الصراع على المستوى الإقليمي تدريجياً، بفعل التشابك الملحوظ في الملفات المختلفة، حيث تواصل إسرائيل تحركاتها العسكرية لتوجيه ضربات قوية للنفوذ الإيراني القريب من حدودها، على غرار الضربات التي توجهها في سوريا، وكان آخرها الضربة التي شنتها في منطقة السيدة زينب بالعاصمة السورية دمشق، في 29 يناير الجاري، واستهدفت ما وصفته تقارير عديدة بأنه موقع استشاري تابع للحرس الثوري الإيراني، وقبلها الضربة القوية التي أسفرت عن مقتل قائد استخبارات الحرس الثوري صادق اوميدوار ونائبه علي آغازاده، في 20 من الشهر نفسه.

2- تفاقم التوتر مع واشنطن: لا يبدو أن المقاربة التي تبنتها إيران منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 7 أكتوبر الماضي، والتي تقوم على استثمار نفى ضلوعها في عملية “طوفان الأقصى” أو في التصعيد الذي انخرطت فيه المليشيات الموالية لها، في تعزيز فرص الوصول إلى تفاهمات “مؤجلة” مع الولايات المتحدة الأمريكية، في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، سوف تنجح في النهاية.

إذ تنخرط طهران وواشنطن تدريجياً في التصعيد الذي فرضته الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وذلك لسببين: أولهما، رفض الأولى الاستجابة لمطالب الثانية بالتدخل وممارسة ضغوط على مليشيا الحوثيين لوقف الهجمات التي تهدد من خلالها حركة التجارة في البحر الأحمر، خاصة بعد الضربات التي شنتها، بالمشاركة مع بريطانيا، بداية من 12 يناير الجاري.

وثانيهما، سقوط قتلى عسكريين أمريكيين، لأول مرة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي، على خلفية الهجوم الذي نفذ بواسطة طائرة من دون طيار واستهدف القاعدة الأمريكية “تي 22” في شمال شرق الأردن، في 28 يناير الجاري، وأسفر عن مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة نحو 35 آخرين.

فقد فرض هذا التطور خيارات محدودة أمام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للتعامل معه، خاصة في ظل الضغوط الداخلية القوية التي تتعرض لها، من جانب بعض أقطاب الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الذين طالب بعضهم بتوجيه ضربة عسكرية داخل إيران نفسها. وبصرف النظر عن الأهداف التي يمكن أن تشملها الضربة الأمريكية المحتملة للرد على ذلك الهجوم، فإن إيران، في كل الأحوال، لم تعد تستبعد أن تنخرط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد انعكس ذلك بشكل واضح في التصريحات التي أدلى بها قائد الحرس الثوري حسين سلامي، في 31 يناير الجاري، والتي علق فيها على تصريحات الرئيس بايدن والتي أشار خلالها إلى اتخاذ قرار بتوجيه ضربة عقابية، دون أن يحدد أهدافها، حيث قال سلامي: “إننا نسمع هذه الأيام بعض التهديدات الواردة على لسان مسئولين أمريكيين”، مضيفاً: “نقول لهم إنكم اختبرتمونا ونعرف بعضنا البعض، لن نترك أي تهديد دون رد”.

3- احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض: وذلك في ظل تزايد فرصه في منافسة الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في 5 نوفمبر القادم. ومن دون شك، فإن إيران لا تستبعد هذا الاحتمال، وترى أنه، في حالة تحققه، سوف يفرض عليها مزيداً من الضغوط على الساحتين الإقليمية والدولية، في ظل السياسة التي سبق أن تبناها الرئيس السابق دونالد ترامب خلال فترته الرئاسة (2017-2021)، حيث انسحب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 على نحو وجه ضربة قوية له، خاصة بعد أن أعاد فرض العقوبات الأمريكية على إيران بداية من 7 أغسطس من العام نفسه. لكن الخطوة الأكثر تأثيراً وقوة والتي اتخذها ضد إيران تمثلت في قراره بقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في بغداد في 3 يناير 2020، والذي أنتج تداعيات سلبية عديدة على الدور الإقليمي الإيراني، ما زالت إيران تعاني من تبعاتها حتى الآن.

وهنا، فإن إيران ليست في وارد أن تخسر ظهيراً دولياً، مثل روسيا، سبق أن دعمها في العديد من الأزمات التي واجهتها مع الدول الغربية، سواء فيما يتعلق بتطورات الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي منه، حيث خفَّضت إيران مستوى التزاماتها فيه، أو فيما يتصل ببرنامج الصواريخ الباليستية، الذي رفع الحظر الأممي الذي كان مفروضاً عليه في 18 أكتوبر الماضي.

ومن دون شك، فإنه هذه السياسة الروسية لا تعود فقط إلى تعزيز موقع إيران في مواجهة الضغوط الغربية، وإنما تعود أيضاً إلى أهمية إيران بالنسبة لروسيا، والتي بدت جلية في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث قدمت الأولى إلى الثانية دعماً عسكرياً ممثلاً في طائرات من دون طيار استخدمتها موسكو في إدارة عملياتها العسكرية داخل أوكرانيا. بل إن هناك تقارير باتت تشير إلى أن هذا الدعم العسكري الذي تقدمه إيران إلى روسيا قد يشمل في المرحلة القادمة الصواريخ الباليستية أيضاً.

4- تحجيم مستوى التنسيق الروسي-الإسرائيلي: من شأن توسيع نطاق الخلافات بين إيران وروسيا أن يعزز من احتمالات اتجاه الأخيرة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل، التي تستغل ذلك في إدارة عملياتها العسكرية داخل سوريا، وضد القوات النظامية السورية وإيران والمليشيات الموالية لها. وقد بدأت تقارير عديدة تشير أيضاً إلى أن روسيا بدأت في صياغة ترتيبات أمنية جديدة في هضبة الجولان، تحسباً لتصاعد حدة التوتر بين إسرائيل والمليشيات الموالية لإيران عبر هذه المنطقة، على نحو تراه اتجاهات عديدة محاولة لتحجيم قدرة إيران على إدارة التصعيد مع إسرائيل عبر الساحة السورية.

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران لا تمتلك هامشاً واسعاً من الخيارات وحرية الحركة، لا سيما على المستوى الدولي، وهو ما سوف يدفعها إلى وضع سقف للخلافات التي تتصاعد مع روسيا حول بعض الملفات، خاصة في ضوء الاستحقاقات الاستراتيجية التي تبدو المنطقة مقبلة عليها خلال المرحلة القادمة بفعل الارتدادات الإقليمية للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.