انعكاسات الإغلاق:
هل يتسبب لبنان في تصدع الجبهة الإعلامية للحوثيين؟

انعكاسات الإغلاق:

هل يتسبب لبنان في تصدع الجبهة الإعلامية للحوثيين؟



عاد الحديث مجدداً حول اتجاه السلطة اللبنانية إلى إغلاق القنوات الحوثية التي تبث من أراضيها، خاصة قناتي “المسيرة” و”الساحات”، إذ كشفت مصادر لبنانية ويمنية أن لبنان طلبت في 2 أبريل 2023، من القناتين إغلاق مكاتبهما في بيروت وتحديداً بالضاحية الجنوبية الواقعة تحت سيطرة جماعة “حزب الله اللبناني”، ومنحتهما مهلة لمدة أسبوعين للانتهاء من ذلك، وهو الأمر الذي يحمل انعكاسات، منها تضييق الخناق على باقي الأذرع الإعلامية الحوثية، وبحث حكومة صنعاء عن دولة بديلة لاستضافة قنواتها، وحلحلة العلاقة بين لبنان ودول الخليج، واتجاه مصر لتشديد الرقابة على “النايل سات”، وتوتر العلاقة بين الحزب اللبناني والانقلابيين.

يأتي قرار إغلاق القنوات الحوثية التي تبث من الأراضي اللبنانية منذ عام 2011 لقناة المسيرة، وعام 2013 لقناة الساحات، وغيرهما من الفضائيات التي تروج للفكر الحوثي، بالتزامن مع جملة من التطورات، يمكن إبرازها على النحو التالي:

1- البدء في تنفيذ الاتفاق السعودي الإيراني في الصين: استضافت بكين مطلع أبريل الجاري، وزيري الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” ونظيره الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” للبدء في تفعيل بنود الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم توقيعه في 10 مارس 2023 برعاية صينية، وقضى بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة دامت سبع سنوات، ووقع الوزيران على بيان قضى باستئناف العلاقات الدبلوماسية من خلال فتح السفارات والقنصليات، وأعاد التأكيد مجدداً على البند المتعلق بـ”عدم التدخل في الشؤون الداخلية”. ورغم أن البيان لم يتطرق إلى الأزمة اليمنية، إلا أن مراقبين أفادوا بأن لقاء وزيري الخارجية في بكين، تناول الملف المتعلق بأدوات إيران الإعلامية التي تبث من الخارج، وهو ما يفسر اتجاه السلطات اللبنانية إلى منح القنوات الحوثية مهلة لإغلاق مقراتها بالتزامن مع سريان الاتفاق السعودي الإيراني.

2- تزايد مطالبات الحكومة الشرعية بإغلاق قنوات الحوثيين: منذ الانقلاب الحوثي والسيطرة على العاصمة صنعاء في 2014 وعدد من المحافظات اليمنية، والحكومة اليمنية الشرعية تطالب السلطات اللبنانية بوقف بث هذه القنوات التي تخالف ميثاق جامعة الدول العربية وأيضاً القوانين والأعراف الدولية، وتعمل على بث الكراهية ونشر أفكارها المتطرفة، وتهديد ليس اليمن فقط بل دول المنطقة العربية كافة، كما أنها تبث دون تراخيص، ويرجع ذلك لكونها مدعومة ومحمية بقوة السلاح من “حزب الله اللبناني” (ذراع إيران في لبنان) الذي كان يعرقل أي محاولة لإغلاقها وكان الداعم الرئيسي لهم، إذ إنّ قناة المسيرة يديرها إعلامي إيراني، في حين أن قناة الساحات يديرها القيادي الميداني في حزب الله “ناصر أخض”، كما أن هذه القنوات تضم طاقماً إعلامياً وميدانياً معظمه لبناني موالٍ لحزب الله، وبسبب ذلك كثفت الشرعية على مدار السنوات الماضية من تحركاتها ودعواتها للسلطة اللبنانية لإغلاق هذه القنوات، كان من أبرزها تقديم وزير الإعلام اليمني “معمر الأرياني” في أكتوبر الماضي مذكرة رسمية إلى السلطات اللبنانية لإغلاق قنوات الحوثي، خاصة بعد رفض الأخير وقتها الموافقة على تجديد الهدنة الإنسانية التي تم انقضاؤها في أكتوبر الماضي، وقد تجددت دعوات الشرعية بعد أسبوع من الاتفاق السعودي الإيراني.

3- المفاوضات العُمانية السعودية في العاصمة صنعاء: يأتي الإعلان عن مساعي السلطة اللبنانية لإغلاق القنوات الحوثية التي تبث من لبنان، بالتزامن مع قيادة سلطنة عُمان خلال الفترة الأخيرة لوساطة لحلحلة الأزمة اليمنية والتوصل لاتفاق سلام يلبي مصالح جميع أطراف الصراع، إذ توجه وفد عُماني سعودي مطلع أبريل الجاري إلى العاصمة صنعاء، للتفاوض بشأن ذلك، بجانب الحديث مجدداً عن إبرام أطراف الصراع “هدنة طويلة الأمد”، وذلك بعد انقضاء الهدنة الأممية في أكتوبر الماضي، وعليه فإن إنجاح هذه المفاوضات مرتبط بوقف وسائل الإعلام الحوثية عن مهاجمة المملكة العربية السعودية وإطلاق مزاعم تارة بأنها طرف في حرب اليمن والسبب فيما تشهده الأراضي اليمنية من خسائر جمة في جميع القطاعات، وتارة أخرى بأن السعودية ليست “وسيطاً”، وأن عليها الخروج وسحب قواتها من البلاد حتى يمكنها القيام بدور الوساطة.

انعكاسات الإغلاق

ثمة انعكاسات قد يحملها إغلاق القنوات الحوثية التي تبث من لبنان، يمكن توضيحها كما يلي:

1- تضييق الخناق على باقي الأذرع الإعلامية الداعمة للحوثي: إن إعلان بعض المصادر اللبنانية وعدد من الناشطين اللبنانيين على منصات التواصل الاجتماعي وأيضاً مصادر يمنية، وعلى رأسهم وكيل وزارة الإعلام اليمنية “نجيب غلاب”، أن قناة الساحات الفضائية بدأت في تلبية دعوة السلطات اللبنانية وأغلقت مكتبها بشكل نهائي في بيروت، كما أن قناة المسيرة عملت هي الأخرى على تقليص عدد العاملين بها تمهيداً لإغلاق مكتبها نهائياً خلال المهلة المحددة لها من قبل لبنان؛ سينجم عنه خلال الفترة المقبلة اتجاه لبنان لإغلاق قنوات أخرى تتخذ من أراضيها مقراً وتدعم الفكر الحوثي وتحرض على الأنظمة الحاكمة بدول المنطقة. فوفقاً للمصادر اللبنانية يوجد بجانب قناتي المسيرة والساحات التابعتين للحوثي، أربع محطات تليفزيونية أخرى تبث من الضاحية الجنوبية لبيروت وتدعم الفكر الحوثي في منصاتها الإعلامية، ومنها قناة “اللؤلؤة الفضائية” المعارضة للبحرين، وقناة “نبأ الفضائية”، وقنوات موالية لوكلاء إيران بالعراق وتدعم الانقلابيين، وهما قناتا “النجباء الفضائية”، و”الغدير الفضائية”، وهو الأمر الذي في حال حدوثه سيشكل ضربة للنظام الإيراني،وللحوثيين بشكل خاص.

2- بحث حكومة صنعاء عن دولة بديلة لاستضافة قنواتها: سيضع قرار الإغلاق هذه المرة مليشيا الحوثي أمام صعوبة في اختيار الدولة التي ستستضيف قنواتها تلك، خاصة أنه في نوفمبر الماضي، وبعد أن استجابت لبنان للمذكرة الرسمية التي قدمها وزير الإعلام اليمني “الأرياني” إلى الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي أواخر أكتوبر ٢٠٢٢، لإغلاق هذه القنوات، نشرت وقتها منصات التواصل الاجتماعي تصريحاً للمتحدث باسم الحوثيين “محمد عبدالسلام” ليعلن عن دعوة لبنان لهم لإغلاق قناتي المسيرة والساحات، وأنه سيتم نقل القنوات إلى العاصمة الإيرانية طهران، وهو ما لم ينفِهِ المتحدث الحوثي، ولكن مع تطور الأحداث فقد بات خيار نقل القنوات الحوثية إلى إيران أمراً مستبعداً إلى حد ما لأمرين، أولهما الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه نظام الملالي والتي أثّرت بشكل سلبي ليس فقط على الداخل الإيراني، بل على تمويل طهران للقنوات التابعة لها بدول المنطقة، أما الأمر الثاني اتفاق عودة العلاقات مع السعودية. وعليه ينبغي على إيران أن تظهر بادرة حسن النية لإثبات استعدادها الكامل لتنفيذ بنود الاتفاق مع المملكة، ومن ثم فإن إغلاق هذه القنوات أو على الأقل التقليل من حدة خطابها تجاه التحالف، يعد أمراً ضرورياً، ونتيجة لذلك فقد كشفت المصادر اليمنية أن اليمن هي من ستستقبل قنوات الحوثي.

3- حلحلة العلاقة بين لبنان ودول الخليج: رغم أنه حتى الآن لم تصدر السلطات اللبنانية قراراً رسمياً يقضي بالإعلان عن وقف القنوات الحوثية التي تبث من أراضيها، إلا أن تأكيد مصادر لبنانية ويمنية لهذا الأمر يكشف عن وجود تحركات لبنانية جادة بالفعل هذه المرة لتضييق الخناق على إعلام الحوثي، خاصة أن ذلك في مصلحة لبنان في ظل سياق المصالحات التي يشهدها الإقليم، ومن المتوقع أن الإعلان عن إغلاق قنوات الحوثي في هذا التوقيت يعد محاولة من قبل لبنان لكسب ود دول الخليج بعد سنوات من توتر العلاقة بين البلدين والتي وصلت إلى ذروتها في 2021، عندما سحبت بعض هذه الدول سفراءها وعلى رأسها الإمارات والسعودية.

إلا أنه في أبريل 2022، بدأت العلاقة بين إيران وعدد من دول الخليج تشهد تحسناً تدريجياً وأعادت هذه الدول سفراءها مرة أخرى إلى بيروت، وذلك بعد أن أكد رئيس الوزراء اللبناني “نجيب ميقاتي” وقتها أن بلاده ستعمل على “إنهاء جميع الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تؤثر على السعودية وغيرها من دول الخليج”، هذا بالإضافة إلى أن لبنان بحاجة في الوقت الراهن وفي ظل الأزمات التي يشهدها العالم، لإنعاش اقتصادها المتدهور مرة أخرى، والخروج من الضائقة المالية التي تشهدها، وهذا لن يحدث بدون الحصول على دعم دول الخليج الذي لا يزال محدوداً بسبب النفوذ المتنامي لحزب الله الذي يسلط إعلامه على مهاجمة دول الخليج التي لديها الرغبة أيضاً في إعادة لبنان إلى محيطه العربي.

4- اتجاه مصر لتشديد الرقابة على “النايل سات”: عقب الإعلان عن تحركات لبنانية لإغلاق قنوات الحوثي، ارتفعت الأصوات اليمنية لمطالبة السلطات المصرية بتشديد الرقابة على القمر الصناعي “نايل سات” بل ومحاولة إيقاف بث القنوات الحوثية، وعدم منحها أي تردد عبر نايل سات، خاصة أن هذه القنوات فور انطلاقها بدأت البث عبر النايل سات ثم طلبت الرئاسة اليمنية وقتها بقيادة الرئيس السابق “عبدربه منصور هادي” في مارس 2015، من إدارة شبكة النايل سات المصرية المسؤولية عن البث بإيقاف القنوات التي سيطر عليها الحوثيون، ويستخدمونها لخدمة مخططهم المتطرف وزرع الفتنة الطائفية. وبالفعل استجابت مصر للدعوات اليمنية، خاصة أنها جزء من التحالف العربي لمواجهة الحوثيين، وهو ما دفع الأخيرة إلى الاستفادة من القمر الاصطناعي الخاص بـ”تلفزيون المنار” التابع لحزب الله التي تبث عبر القمر الروسي إكسبرس 44.

كما أنه خلال الفترة الماضية فإن الأقمار الصناعية الفضائية بالمنطقة منعت إعلام الحوثي من البث عبر أقماره مثل القمر “عرب سات”، إضافة للقمر “يوتلسات الأوروبي”، الأمر الذي دفع بالدوحة في أواخر ديسمبر الماضي لإعلان بث القنوات الحوثية على القمر الصناعي القطري “سهيل سات 2″، وعليه من المتوقع أن تستجيب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة للدعوات المطالبة بوقف بث أية قنوات تابعة للحوثي عبر “النايل سات” وخاصة قناتي المسيرة والساحات حينما تنتقلان إلى الأراضي اليمنية، وتحديداً للعاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، ويرجع ذلك لرغبة القيادة المصرية في إنجاح المصالحات التي يشهدها الإقليم في الوقت الراهن، إذ إنها لطالما رفضت استغلال أية جماعات إرهابية للأبواق الإعلامية لنشر مخططها.

5- توتر العلاقة بين الحوثي وحزب الله اللبناني: تأمل الجماعة المتمردة حتى هذه اللحظة في تدخل جماعة حزب الله لوقف أية تحركات من السلطات اللبنانية لإيقاف بث قنواتها الإعلامية، تحت شعار أن “إعلام الحوثي في حصن الحزب اللبناني”، ولكن يبدو أن الأخير سيتخلى عن الانقلابيين، خاصة بعدما أفادت مصادر يمنية مطلعة بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني بتحركات للحزب اللبناني بطلب من نظام الملالي لتجميد أي نشاط يقوم به الحزب ومعارض لليمن أو دول الخليج خاصة بالضاحية الجنوبية لبيروت، مبينة أن ذلك دفع الحزب لتعليق عمل مستشاريه العسكريين باليمن خاصة بمناطق سيطرة الحوثي، وذلك لإنجاح عملية التقارب بين السعودية وإيران، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر العلاقة بين الحوثيين وحزب الله الذي قدم على مدار السنوات الماضية دعماً هائلاً للجماعة الانقلابية، ولكن يبدو أن “إعلاء مصلحة إيران” هو الضرورة الآن بالنسبة للحزب اللبناني بغض النظر عن الحوثيين.

توظيف حوثي

خلاصة القول، يمكن الإشارة إلى أن إغلاق لبنان لقنوات الحوثي وعدم تدخل حزب الله لعرقلة هذا القرار قد يكون توجهاً من قبل إيران لتهدئة خطاب وسائل الإعلام التابعة لها بالمنطقة، ومع ذلك فمن المتوقع أن تقوم الجماعة الحوثية برد فعل على هذا القرار في حال تم تنفيذه وذلك بمحاولة توظيفه لصالحها، وإطلاق ادعاءات أخرى بأن إعلام التحالف هش وغير قادر على مواجهة إعلام الحوثي المؤثر، وإيصال رسائل إلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية المعنية بأنّ هناك تضييقاً على حرية إعلامها وأن دول المنطقة تخالف المواثيق والقوانين الدولية بانتهاك حرية الرأي والتعبير للشعب اليمني، جراء تخوف من دولها من كشف الحوثيين لمخططاتهم وجرائمهم المزعومة، وستوجه أيضاً دعوة إلى وسائل الإعلام والاتحادات والنقابات الصحفية العربية والدولية، للوقوف بجانبهم والتضامن مع منصاتهم الإعلامية وحمايتها من الاستهداف والإغلاق.