تهديد متصاعد:
هل يتزايد عنف التنظيمات الإرهابية في النيجر؟

تهديد متصاعد:

هل يتزايد عنف التنظيمات الإرهابية في النيجر؟



على الرغم من أن النشاط الإرهابي في النيجر خلال السنوات الأخيرة لا يعبر عن ظاهرة جديدة، خاصة في ظل تصاعد عمليات التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، إلا أنه يمكن ملاحظة تزايد معدلات العنف المرتبط بتلك التنظيمات في النيجر خلال الشهرين الفائتين، وتحديداً منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في 26 يوليو الماضي، والذي انتهى بإزاحة الرئيس محمد بازوم من الحكم، وتشكيل سلطة انتقالية.

ودفعت التحولات التي شهدتها النيجر، وتحديداً على المستوى الأمني، كإحدى تداعيات الانقلاب العسكري، إلى تزايد العنف باتجاه غربي البلاد، خاصة مع اشتراكها مع الحدود الثلاثية الهشة مع مالي وبوركينافاسو، وهي منطقة تشهد نشاطاً متزايداً للتنظيمات الإرهابية.

وبخلاف تصاعد العنف المرتبط بالتنظيمات الإرهابية، فإن ثمة ملاحظة تتعلق بحجم العمليات لاستهداف قوات الجيش، إذ أسفرت عملية إرهابية عن سقوط نحو 29 قتيلاً، وإصابة عشرات آخرين في هجوم نفذه إرهابيون غربي البلاد، وفقاً لوزارة الدفاع، في 4 أكتوبر الجاري، وهو الهجوم الأكبر والأعنف منذ الانقلاب العسكري.

مُحفِّزات عديدة

في ضوء تزايد معدلات العنف غربي النيجر خلال الشهر الفائتين، يمكن الإشارة إلى عدد من العوامل المُحفِّزة التي يمكن أن تساهم في تصاعد معدلات العنف خلال الفترة المقبلة، وأبرزها:

1- الأوضاع المضطربة عقب الانقلاب: توفر الأوضاع المضطربة التي تشهدها النيجر منذ الانقلاب العسكري، في ظل التوترات بين السلطة الانتقالية ومحيط النيجر الجغرافي، وتحديداً مع مجموعة “إيكواس”، والتهديد بتدخل عسكري، فضلاً عن التوترات مع بعض القوى الدولية التي تصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري، وتحديداً مع فرنسا، التي طالبتها السلطة الانتقالية بسحب قواتها، فرصة للتنظيمات الإرهابية من أجل تعزيز نشاطها.

فقد ساهمت هذه الأوضاع في صرف الانتباه عن جهود عمليات مكافحة الإرهاب، خاصة باتجاه غرب البلاد، وهي الجبهة التي كان مرجحاً أن تشهد مزيداً من الانفلات الأمني، بخلاف جنوب شرقي البلاد، التي تشهد نشاطاً لجماعة “بوكو حرام”.

2- هشاشة الحدود الثلاثية مع مالي وبوركينافاسو: خلال السنوات القليلة الفائتة، أصبحت منطقة الحدود الثلاثية المشتركة بين مالي وبوركينافاسو والنيجر موطناً للتنظيمات الإرهابية، في ظل هشاشة تأمين الحدود، بما يسهل من انتقال العناصر الإرهابية بين الدول الثلاثة، خاصة مع تمدد تلك التنظيمات في الدول الثلاثة، وتحديداً على مستوى مالي وبوركينافاسو، اللتين تشهدان نشاطاً متزايداً مقارنة بالنيجر.

وفي ظل رغبة التنظيمات الإرهابية، لا سيما المجموعات التابعة لتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، في توسيع نفوذها وسيطرتها على مساحات واسعة في الدول الثلاثة، فإن تزايد معدلات العنف يبقى احتمالاً قوياً خلال الفترة المقبلة.

وتتكيف التنظيمات الإرهابية مع الأوضاع الأمنية، من خلال استخدام تكتيكات للهجوم تعتمد على الدراجات النارية في العمليات الإرهابية، وهو ما ظهر في الهجوم على الجيش النيجري، الذي أسقط 29 فرداً، وشارك فيه أكثر من 100 عنصر إرهابي، وفقاً لتقارير إعلامية، بما يشير إلى سهولة التحرك والتنقل بين الحدود الثلاثية.

3- احتمالات الفراغ بعد الانسحاب الفرنسي: اتخذت السلطة الانتقالية عقب الانقلاب العسكري في النيجر موقفاً حاداً إزاء فرنسا، بدعوى التدخل في الشئون الداخلية، على خلفية معارضة الانقلاب، وطالبت بانسحاب القوات الفرنسية، وهو مطلب رفضته باريس، قبل أن توافق على سحب قواتها.

ورغم اختلاف تجربة فرنسا في مكافحة الإرهاب، عن الوضع في النيجر، إذ كانت الأولى أكثر انخراطاً في عمليات مكافحة الإرهاب، ولكن بغض النظر عن حدود فعالية القوات الفرنسية في عمليات مكافحة الإرهاب بشكل عام في منطقة الساحل، أو في النيجر على وجه الخصوص، فإن انسحاب القوات الفرنسية يمكن أن يؤدي إلى حالة من الفراغ الأمني.

وقد ينسحب هذا الفراغ على مستوى تدريب قوات الجيش، أو المشاركة في مهام استطلاع، أو تقديم دعم لقوات الجيش النيجري خلال عمليات مكافحة الإرهاب، وخاصة على مستوى الجانب الاستخباراتي وجمع المعلومات.

وفي هذا السياق، ورغم عدم الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من النيجر، مع امتلاك قاعدة للطائرات المسيرة، إلا أن الانقلاب العسكري قد يؤدي في أحد جوانبه إلى تقييد عمليات هذه القوات.

4- الصراع بين مجموعات “داعش” و”القاعدة”: تشهد منطقة الساحل خلال السنوات القليلة الفائتة صراعاً عنيفاً بين مجموعات تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، والتي برزت منذ شهر مارس 2022، بعد إعادة تنظيم “داعش” هيكلة مجموعاته بمنطقة الساحل، والاتجاه إلى تصعيد الصراع مع جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وتحديداً في مالي وبوركينافاسو، وهو صراع بدأت مؤشراته تظهر في النيجر بصورة واضحة منذ الانقلاب العسكري.

إذ اتجهت مجموعات التنظيمين إلى تنفيذ عمليات لاستهداف قوات الجيش في النيجر، في إطار الصراع بينهما على النفوذ والسيطرة، وهي محاولات لإظهار قوة كل طرف على حساب الآخر، بما يحقق استفادة لكل طرف، على أكثر من مستوى، منها تجنيد عناصر جديدة، أو استقطاب عناصر من التنظيم الآخر، في ظل ما تتسم به التنظيمات الإرهابية من حالة سيولة لتحرك العناصر بين التنظيمات المختلفة.

ومن المتوقع أن تشهد النيجر انعكاسات حالة الصراع بين مجموعات التنظيمين خلال الفترة المقبلة، ولكن هذا يتوقف على قدرة النيجر في ظل السلطة الانتقالية الحالية على تحقيق التماسك وتطوير استراتيجية للتعامل مع التنظيمات الإرهابية غربي البلاد.

5- ضعف القدرات العسكرية للنيجر: بعيداً عن العوامل الخارجية المُحفِّزة لتصاعد العنف المرتبط بالتنظيمات الإرهابية في النيجر، فإن ثمة عاملاً مهماً يتعلق بضعف القدرات العسكرية للجيش، بما يشكل تحدياً في مكافحة الإرهاب خلال الفترة المقبلة.

وبخلاف قلة عدد القوات العسكرية المنتسبة للجيش النيجري، فإن ثمة تحديات تتعلق بضعف القدرات التسليحية، على مستوى القوات البرية أو الجوية، التي يفترض أن تشارك بفاعلية في مواجهة الإرهاب، ويُصنف الجيش النيجري في المرتبة 119 بين 145، وفقاً لموقع ” Global Fire Power”.

سياسة جديدة

رغم توقيع النيجر اتفاقاً للدفاع المشترك مع السلطة الانتقالية في كل من مالي وبوركينافاسو، خلال شهر سبتمبر الفائت، كأحد مظاهر الدعم من الدولتين للسلطة الانتقالية في النيجر، عقب الانقلاب العسكري، بعد التعهد بالدفاع عن النيجر ضد أي تدخل عسكري محتمل مع الأيام الأولى للانقلاب، إلا أن هذا الاتفاق قد لا يكون كافياً لمواجهة التهديد المشترك للدول الثلاثة، المتعلق بالتنظيمات الإرهابية.

صحيح أن الاتفاق تطرق إلى مواجهة التهديد المشترك المتعلق بالإرهاب بشكل صريح، إلا أنه يغلب عليه الطابع السياسي في جوهره. ولكن بشكل عام، تحتاج النيجر، إضافة إلى مالي وبوركينافاسو، إلى تطوير استجابة مختلفة لمكافحة الإرهاب، خاصة أن الدول الثلاثة شاركت مسبقاً ضمن تجمع G5، دون نتائج ملموسة على مستوى كبح النشاط العملياتي المتزايد للتنظيمات الإرهابية، على نحو أسفر عن انسحاب مالي، عقب الانقلاب الذي وقع فيها.