انتقال محتمل:
هل يتحوّل شمال سوريا إلى مسرح مواجهة إيرانية-أمريكية؟

انتقال محتمل:

هل يتحوّل شمال سوريا إلى مسرح مواجهة إيرانية-أمريكية؟



كشفت تقارير أمريكية عن تهديدات إيرانية محتملة ضد القوات الأمريكية في سوريا، خاصة بعد أن أكدت واشنطن أنها لن تغادر سوريا، مستندة إلى أن مهمة الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي لم تنتهِ بعد. وجاءت هذه التطورات بعد أيام من الجدل حول نقل الجيش الأمريكي منظومة “هيمارس” الدفاعية إلى شمال سوريا، مما أثار اعتراض تركيا، بدعوى أنه تم تسليمها إلى مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهو ما نفته واشنطن مؤكدة على صحة نقل المنظومة إلى سوريا في إطار الاحتياجات الدفاعية الأمريكية، في إشارة إلى صحة التسريبات التي تكشف أن القوات الأمريكية بالفعل تواجه تهديداً وجودياً هناك.

طبيعة التهديدات

تخطط إيران، حسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مطلع الشهر الجاري، لتصعيد الهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا، وتعمل مع روسيا على استراتيجية أوسع لطرد الأمريكيين من المنطقة. كما نشرت الصحيفة وثائق حصلت عليها وتفيد بأن طهران تعمل على تدريب وتسليح مقاتلين موالين لها في سوريا على استخدام قنابل أكثر قوة خارقة للدروع على جوانب الطرق لبدء مرحلة جديدة من الهجمات المميتة ضد القوات الأمريكية في سوريا عبر استهداف المركبات العسكرية وقتل عناصر الجيش الأمريكي.

وقال مسئولون من الاستخبارات الأمريكية إنّ هذا السياق يُشكل تصعيداً إيرانياً لحملة طويلة الأمد عبر الحرب بالوكالة، تنطوي على تطوير الهجمات على الوجود الأمريكي، واحتمال شنّ ضربات بصواريخ وطائرات مسيّرة على القوات الأمريكية في سوريا.

وتقول إحدى الوثائق إن عناصر من “قسد” حصلوا على ثلاث عبوات ناسفة خارقة للدروع كانت عناصر موالية لإيران تقوم بنقلها بالقرب من منطقة الرميلان شمال شرقي سوريا استعداداً لتنفيذ إحدى الهجمات. واللافت أن الوثائق التي تحتفظ بها “واشنطن بوست” كشفت أيضاً عن دور روسي داعم للتوجه الإيراني ضد الوجود الأمريكي على الرغم من عدم وجود ما يدعم أن روسيا ضالعة في التخطيط للحملة الإيرانية، إلا أن معلومات استخباراتية أمريكية كشفت أن لقاءً إيرانياً-روسياً عُقد في نوفمبر 2022 وقد تضمن الاتفاق على إنشاء مركز تنسيق لقيادة الحملة ضد الأمريكيين.

حسابات واشنطن

بعد يومين تقريباً من تسريبات “واشنطن بوست”، أعلن جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أن الولايات المتحدة تعتزم الإبقاء على تواجدها العسكري في سوريا (حوالي 900 جندي أمريكي)، وضمان الحماية الكاملة لجنودها هناك، وأن القوات الأمريكية ستواصل مهمتها الخاصة بمحاربة “داعش” في ظل الحاجة إلى استمرار عمليات المكافحة.

وقبل تصريحات كيربي بأيام، كشفت تقارير تركية عن نقل منظومة “هيمارس” أمريكية إلى سوريا وتسليمها إلى “قسد”، الأمر الذي اعتبره مسئولون أتراك بمثابة تصعيد جديد في إطار تنامي التعاون الأمريكي مع “قسد” التي تصنفها أنقرة تنظيماً إرهابياً، مما يضاعف من مساحة التوتر التركي–الأمريكي في هذا الصدد. وفي مقابل ذلك، أكد المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية على صحة المعلومات بشأن نقل المنظومة الدفاعية، إلا أنه نفى في الوقت ذاته أن تكون قد سُلمت إلى “قسد”، وقال أنها ستظل في عهدة الجانب الأمريكي لتعزيز الدفاعات في تلك المنطقة.

جولة تصعيد

كان لافتاً أن شهر مارس الماضي شهد تصعيداً مسلحاً أمريكياً-إيرانياً غير مسبوق في مناطق الشمال السوري، بعد أن أصبحت نقاط الانتشار الأمريكي متاخمة تقريباً لنقاط انتشار المليشيات الموالية لإيران، خاصة على الشريط الحدودي العراقي-السوري، حيث تعمل القوات الأمريكية على التموضع في بعض المناطق التي يعتقد أن إيران تستخدمها لنقل الأسلحة من العراق إلى الداخل السوري، لا سيما منطقة البوكمال، بالإضافة إلى شرقي دير الزور.

 ورغم أن تقارير أمريكية أشارت إلى أن إيران انسحبت من بعض المناطق التي تعرضت فيها لهجوم أمريكي، مما أدى إلى تراجع جولة التصعيد؛ إلا أن الوثائق الأمريكية تكشف مجدداً أن طهران استبدلت بعض مجموعات المليشيات بـ”فيلق القدس السوري” الموالي لها، والذي يتولى عمليات التجهيز لنشر الألغام الأرضية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن النظام السوري كان قد أعلن مطلع العام الجاري عن أن طهران ستنقل أسلحة دفاعية تحتاج إليها سوريا، فيما أكد تقرير للتلفزيون الإيراني، في 24 فبراير الماضي، أنه من المرجح جداً أن تمد طهران حليفتها دمشق بالرادارات والصواريخ الدفاعية مثل نظام “15 خرداد”، لتعزيز الدفاعات الجوية السورية، وكان المتوقع أن تكون تلك المنظومات هي وسيلة لسد الفجوة السورية مقابل الهجمات الإسرائيلية المتوالية على دمشق، في ظل تقارير تفيد بأن روسيا اضطرت لسحب بعض المنظومات من سوريا ونقلها إلى أوكرانيا لتغطية تحركات قواتها هناك، لكن لم يتم الكشف لاحقاً عما إذا كانت المنظومة قد تم نقلها بالفعل، إلا أن التسريبات الأمريكية تفيد بتركيز عمليات شحن الأسلحة في اتجاه مناطق السيطرة الكردية.

في هذا السياق، يبدو أن عملية التحشيد والتحشيد العسكري المضاد بين الطرفين تشير إلى فصل جديد من التصعيد، ربما لن يتوقف فقط على هجمات إيرانية على مواقع الانتشار الأمريكي في سوريا، بل قد يمتد أيضاً إلى الساحة العراقية. لكن في سوريا يتم نقل خبرات “المقاومة” ضد التواجد الأمريكي في العراق مثل زرع العبوات الناسفة والخارقة للدروع إلى الساحة السورية، وفي حين أن واشنطن تعزز دفاعاتها هناك بالدرونز والصواريخ، فإنها قد تدفع بالمزيد من القوات المعنية بعمليات مكافحة الألغام، وقد يتطلب ذلك زيادة في عناصر التواجد الأمريكي، كما ستزيد واشنطن من عمليات المراقبة والرصد لدخول الأسلحة الإيرانية للساحة السورية من الحدود العراقية في الوقت الذي تتولى فيه إسرائيل مراقبة الأسلحة التي تصل دمشق جواً، وربما سيدفع ذلك إلى مزيد من التنسيق الأمريكي–الإسرائيلي في هذا الصدد، وهو ما ستكون له تداعياته أيضاً في زيادة التوتر الإيراني–الإسرائيلي على الجانب الآخر في الجبهتين السورية واللبنانية.

تطورات لافتة

لم تكن روسيا معنية في أي وقت خلال الحرب في سوريا بالهجمات التي تتعرض لها إيران من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل على العكس تشير العديد من التقارير إلى أن روسيا كانت تقوم في الكثير من الأحيان بالاستجابة لإخطارات الاستهداف الجوي الإسرائيلي ضد التحركات الإيرانية، إلا أن الحرب الروسية-الأوكرانية ربما شكلت أكثر من دافع لتغير موقف موسكو، التي عززت مع طهران الاصطفاف في العديد من الجبهات، من أوكرانيا التي أصبحت مسرحاً لمسيرات “شاهد” الإيرانية، إلى سوريا. وعلى الجانب الآخر، فإن تركيا تقترب من هذا الاصطفاف تحديداً في سوريا، بينما تزداد الفجوة بينها وبين واشنطن على خلفية الملف الكردي. وبالتالي ستواجه واشنطن تكتل خصوم من الرباعي السوري-الروسي-الإيراني-التركي في هذه المنطقة.

ومن الأهمية بمكان أيضاً فهم أن تعاون روسيا وإيران في الساحة الأوكرانية ساهم في التعامل مع خبرات نوعية لم تتعرف عليها الأخيرة في الساحة العراقية، خاصة عندما تتم الإشارة إلى منظومة “هيمارس” التي تمكنت روسيا من تقليل فاعليتها عبر التشويش، وفي حال جرى نقل خبرة من هذا النوع إلى سوريا فمن المتصور أن القوات الأمريكية ستكون في مأزق دفاعي، بالإضافة إلى أن نشر الألغام على جانبي الطرق سيقيد من حركة القوات الأمريكية في تلك المناطق، وبالتالي لن تكون المهمة الأمريكية سهلة في المستقبل القريب، أو حتى عملية تأمين التواجد العسكري ممكنة بالشكل الذي تتحدث عنه واشنطن، إلا إذا ما اضطرت إلى تكثيف التواجد، أو أنها ستضطر إلى السيناريو العكسي وهو الانسحاب من هناك.

في الأخير، يمكن القول إن مركز التصعيد الإيراني-الأمريكي ينتقل من العراق إلى سوريا، ولا يعني ذلك أن التواجد الأمريكي في العراق تراجع، لكنّ الساحة السورية قد تشهد مباراة أكثر كثافة في عمليات التصعيد في بيئة هشة أمنياً، كما أن تكتل الخصوم الذي يسعى إلى إضعاف واشنطن وحليفتها “قسد” في الوقت ذاته يؤكد على هذه الفرضية.