وكلاء موسكو:
هل يؤثر احتمال تسمية “فاجنر” منظمة إرهابية على أدوارها بدول الأزمات؟

وكلاء موسكو:

هل يؤثر احتمال تسمية “فاجنر” منظمة إرهابية على أدوارها بدول الأزمات؟



رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على مجموعة “فاجنر” الروسية، وقائدها ديمتري أوتكين، منذ يونيو ٢٠١٧، ومؤسسها يفجيني بريجوجين، القريب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ سبتمبر ٢٠١٨، إلا أن ذلك لم يمنع السيناتور الجمهوري روجر ويكر والديمقراطي بن كاردين من طرح مشروع قانون، في أول ديسمبر الجاري، بعنوان “محاسبة المرتزقة الروس”، وذلك بهدف تسمية المجموعة كمنظمة إرهابية أجنبية.

وقد اكتسبت هذه الخطوة أهمية خاصة، لا سيما بعد أن أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية، في 3 من الشهر ذاته، “فاجنر” على قائمتها السوداء المرتبطة بالحريات الدينية في العالم، مما يسمح لها بفرض عقوبات عليها. ومن دون شك، فإن هذه الخطوات في مجملها تطرح تساؤلات عديدة حول تداعيات ذلك على المهام والأدوار التي تقوم بها “فاجنر”، خاصة أنها تنشط بشكل واضح في بعض دول الأزمات، لا سيما ليبيا وسوريا ومالي وأفريقيا الوسطى.

أسباب عديدة

تتمثل أبرز الأسباب التي تدفع بعض المشرعين الأمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكذلك عدداً من المسئولين الاستخباراتيين السابقين، لتسمية مجموعة “فاجنر” كمنظمة إرهابية فيما يلي:

1- تقويض النفوذ الروسي عالمياً: تشير تقارير أمريكية إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس ما إذا كانت ستصنف مجموعة “فاجنر” الروسية باعتبارها منظمة إرهابية أجنبية، كجزء من الجهود التي تبذلها لاستهداف النفوذ الروسي عالمياً في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا والمستمرة منذ ٢٤ فبراير الماضي وحتى الآن، حيث استخدمت موسكو في السنوات الأخيرة المجموعة، التي ترتبط عبر علاقات غير رسمية مع الحكومة الروسية، ولا سيما الكرملين ووزارة الدفاع وجهاز الأمن الفيدرالي والاستخبارات، كأداة للحرب غير النظامية، مستغلة حالة عدم الاستقرار في بعض دول العالم لتحقيق أهدافها الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية الخاصة بها، وتوسيع نفوذها السياسي والعسكري والاستخباراتي وتأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية وتحقيق المكاسب الاقتصادية الأخرى.

كما أن المجموعة تسهل الاتفاق على صفقات بين روسيا والعديد من الدول. وقد رفضت تلك الدول العقوبات الأمريكية على روسيا وتجنبت التصويت بجانب واشنطن وحلفائها من الدول الأوروبية مع مشاريع القرارات التي تدين العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

2- المساهمة في الالتفاف على العقوبات الغربية: استخدمت موسكو المجموعة العسكرية لتقديم الدعم العسكري والأمني للدول الغنية بالموارد والتي تعاني من أزمات داخلية، بما في ذلك السودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومدغشقر وموزمبيق ومالي، في مقابل الحصول على مكاسب اقتصادية وجيوسياسية وعسكرية تشمل إبرام عقود تجارية وعسكرية والوصول إلى الموارد الطبيعية، مثل الذهب والأحجار الكريمة واحتياطيات الطاقة.

فعلى سبيل المثال، تعد مالي، وفقاً لوزارة التجارة وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكيتين، رابع أكبر مصدر للذهب في أفريقيا، كما تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط والمنجنيز واليورانيوم والليثيوم، التي تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. وقد يسمح الوصول إلى المواد الخام عن طريق امتيازات التعدين والفرص الاقتصادية الأخرى في الدول الشريكة في أفريقيا لموسكو بالالتفاف على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيون في أعقاب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ولا سيما مع الضغوط الأمريكية على حلفاء روسيا حول العالم بالالتزام بها.

3- محاصرة مصادر تمويل الحرب في أوكرانيا: تتهم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية مجموعة “فاجنر” باستغلال الموارد الطبيعية التي تسيطر عليها في دول أفريقية، ولا سيما في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان، لتمويل الحرب الروسية-الأوكرانية، وآلة الحرب في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بحسب تصريح للسفيرة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، في ٦ أكتوبر الماضي، خلال اجتماع بمجلس الأمن بشأن تمويل الجماعات المسلحة من خلال الاتجار غير المشروع بالموارد الطبيعية في أفريقيا.

وترى واشنطن وحلفاؤها أن تسمية “فاجنر” كمنظمة إرهابية قد تُقوِّض من انتشارها حول العالم ولا سيما في الدول الغنية بالموارد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلص من فرص استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية في ظل الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الروسي جراء العقوبات الأمريكية والأوروبية.

4- ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان: تُشير بعض التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الأمريكية والدولية إلى أن مجموعة “فاجنر” ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان في الدول التي تعمل فيها، ولا سيما في سوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وقد اتهم المسئولون الأوكرانيون المجموعة بارتكاب جرائم حرب قرب كييف في أبريل الماضي. وأشار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، في ٢١ أغسطس الماضي، إلى أن المجموعة تستخدم القوة العسكرية لتطهير المناطق الغنية بالموارد في جنوب غرب ووسط مالي قبل نشر مرتزقتها هناك للتنقيب والتعدين. وتسببت عمليات “فاجنر” عن نزوح آلاف الماليين من مناطقهم والفرار عبر الحدود إلى موريتانيا، فضلاً عن تورطها في ارتكاب مذابح داخل المناطق التي تعمل فيها.

5- ممارسة ضغوط على الدول الأفريقية: تنظر العديد من الدول، وخاصة الأفريقية، إلى مجموعة “فاجنر” الروسية على أنها حل للتحديات الأمنية؛ بسبب تكلفتها المنخفضة نسبياً وسهولة توافرها. ولكنها في حقيقة الأمر تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة ونادراً ما تسعى إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف وعدم الاستقرار، ويمكن أن تتسبب في الواقع في تفاقم الصراعات المحلية. ويهدف القرار الأمريكي من تسمية المجموعة كمنظمة إرهابية إلى ممارسة ضغوط على الدول الأفريقية لتجنب التعاقد معها، بحيث لا تقدم الدعم إلا لتلك الدول التي تخضع بالفعل لعقوبات أمريكية، أو على الأقل التي على استعداد للمخاطرة بتأسيس علاقات معها في تحدٍ للعقوبات الأمريكية.

تداعيات محدودة

رغم أن تصنيف مجموعة “فاجنر” كمنظمة إرهابية أجنبية قد يفرض تداعيات عليها، إلا أن ذلك لن يدفعها، على الأرجح، إلى إعادة صياغة الأدوار التي تقوم بها في دول الأزمات على غرار ليبيا وسوريا ومالي وأفريقيا الوسطى، وذلك لاعتبارات عديدة تتمثل في:

1- استيعاب الضغوط الدولية السابقة: يمكن القول إن الضغوط الدولية التي تتعرض لها “فاجنر” ليست جديدة، حيث سبق أن تعرضت لعقوبات، بسبب الأدوار التي تقوم بها في تلك الدول، وقد كان لافتاً أن العديد من المنظمات الدولية بدأت خلال الشهور الأخيرة في التحذير من الأنشطة التي تقوم بها المجموعة داخل ليبيا، حيث أشارت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في 31 مايو الماضي، إلى أن “فاجنر استخدمت الألغام الأرضية المحظورة والفخاخ المتفجرة في ليبيا خلال الفترة بين عامى 2019 و2020”. ومع ذلك فإنها كانت مصرة على المضى قدماً في ممارسة الأنشطة نفسها، باعتبار أن هذه الأنشطة تُؤمِّن لها مصادر رئيسية للتمويل.

2- إصرار روسيا على تعزيز أدوارها: من دون شك، فإن روسيا سوف تعتبر أن إعادة صياغة الأدوار التي تقوم بها “فاجنر” في دول الأزمات، تعني في المقام الأول إضعاف نفوذها، وهو ما تحاول تجنبه لنفى المقاربة التي تتبناها العديد من الاتجاهات الغربية وتقوم على أن انشغال روسيا في إدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا قد يؤثر على تواجدها في الدول التي سبق أن تدخلت فيها قبل 24 فبراير الماضي.

3- تجنب محاولات ملء الفراغ: سوف يسمح إضعاف موقع “فاجنر” في تلك الدول، في الغالب، لقوى عديدة، سواء من الحلفاء أو الخصوم، بمحاولة ملء الفراغ الناتج عن ذلك، وهو ما لا يتوافق مع مصالح وحسابات روسيا في هذا الصدد. ويبدو أن موسكو حذرة جداً إزاء هذا المسار، على نحو يتضح في سوريا، حيث أنها حريصة على مواصلة تعزيز نفوذها من أجل منع إيران من توسيع نطاق حضورها على المستويات المختلفة.

4- بروز اتجاه غربي مضاد: بينما يدفع عديد من المشرعين الأمريكيين إلى تسمية مجموعة “فاجنر” كمنظمة إرهابية، فإن هناك اتجاهاً يقلل من أهمية ذلك ودوره في تقليل النفوذ الروسي في الخارج، بل إنه يرى أن استمرار أدوار “فاجنر” من شأنه تحميل روسيا مزيداً من التكاليف، خاصة في ظل انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها المجموعة، لا سيما أنها ليست كياناً قانونياً أو دائماً، فضلاً عن أن اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية قد يعقد أي تعاون مستقبلي بين واشنطن وموسكو بشأن الحد من الأسلحة وتغير المناخ، والتفاوض لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، في ظل قناعة أمريكية بعدم حسمها من خلال العمل العسكري.

 نشاط مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن مجموعة “فاجنر” سوف تواصل أدوارها في دول الأزمات، حتى في حالة ما إذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيفها كمنظمة إرهابية، لا سيما أنه لا توجد مؤشرات توحي بإمكانية تقليص حدة التوتر والتصعيد خلال المرحلة القادمة بين واشنطن وموسكو، في ظل إصرار الأخيرة على مواصلة عملياتها العسكرية في أوكرانيا حتى تحقيق أهدافها، رغم كل الضغوط التي تتعرض لها في الفترة الحالية.