هل هناك هيكل اقتصادي عربي واحد؟ – الحائط العربي
هل هناك هيكل اقتصادي عربي واحد؟

هل هناك هيكل اقتصادي عربي واحد؟



عندما كان إخفاق العمل العربي المشترك واضحاً في عقود مضت، جرى الحديث عن الخروج من دائرة السياسة إلى توظيف البعد الاقتصادي لخلق نوع من التكامل بين الدول العربية، وارتطم الأمر بعقبات لا تزال قائمة حتى الآن، وأعني بها ذلك التفاوت في مستويات الدخل القومي، ولا أقول الدخل الفردي، لأن قضية عدالة التوزيع ذات أبعاد أخرى لا نتطرق إليها في هذا المقال، ولكننا نشير إلى حجم الثروة الطبيعية والبشرية لكل قطر عربي، وتأثير الفوارق الواضحة بينها في مفهوم التكامل العربي من الناحية الاقتصادية. وقد حاول البعض الهروب من ذلك العامل المتصل بالتفاوت الاقتصادي إلى التركيز على العامل الثقافي – وأنا أنتمي إلى هذه الطائفة لعلمي بالمحاذير الكبيرة لمثل هذا الطرح – فهناك إحساس عام لدى بعض الأنظمة العربية، خصوصاً تلك التي تركزت ثروتها في البداية في ظل الاقتصادات الريعية، مثل عوائد بيع البترول المتراكمة عبر السنين، وهو أمر يثير مخاوف أبناء الدول الثرية عموماً، رغم أنهم فتحوا أبواب بلادهم – والحق يقال – للعمالة العربية وغير العربية للإسهام في بناء الدولة العصرية في تلك الأقطار، ولكن ظل هناك إحساس مستتر بأن من لا يملكون يتطلعون في الأغلب إلى من يملكون، وليس ذلك الأمر صحيحاً على إطلاقه، فقد استفادت معظم الدول العربية الفقيرة من تلك الثروة العربية، حيث امتصت دول النفط قدراً كبيراً من العمالة، واستقبلت مئات الألوف من العاملين والعاملات من الأقطار الشقيقة على امتداد العقود الأخيرة، ولذلك، فإن الانتقاد الذي يتم توجيهه أحياناً إلى دول الثروة هو انتقاد جارح ينطوي على نوع من التعميم، ولا يعبر بدقة عن الحقيقة.

كان من الطبيعي أن أفكر في محاولة إيجاد العامل المشترك بين الأقطار العربية والذي لا يثير مشكلة على المستوى العربي، قومياً وقطرياً، على السواء، فالعامل الثقافي مشترك بين الجميع، كما أن له بعداً حضارياً يتصل بالتاريخ الاجتماعي لتلك الدول، والعمق التراثي لكل منها، فالثراء ليس أموالاً فقط، ولكنه أيضاً تراكم حضاري جرى تكوينه عبر السنين من أجيال متعاقبة، وفي عصورٍ مختلفة، ويهمني هنا أن أسجل الملاحظات التالية:

أولاً: إن الهيكل الاقتصادي لكل دولة يعتمد بالدرجة الأولى على حجم الثروتين، البشرية والطبيعية، وقد عرفنا في مراحل مختلفة من تاريخ المنطقة كيف أن الثروة أعطت لأصحابها بديلاً قوياً اختصرت به عقوداً من الجهد المطلوب، وحرقت به مراحل كان لا بد أن تقطعها في الأحوال العادية، ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى دول أخرى، من هنا فإن التفاوت بين الهياكل الاقتصادية العربية هو أمر متوقع ويتسق مع إمكانات كل دولة في إطار ما تملك من ثروة، طبيعية أو بشرية.

ثانياً: إن الهياكل الاقتصادية العربية تخضع في كل دولة لعوامل أخرى، في مقدمتها المستوى الذي بلغته التكنولوجيا في تلك الدول، فالثروة الراكدة لا محال زائلة، ولكن الثروة التي توظف التكنولوجيا الحديثة هي التي تدرك جيداً شكل المستقبل والتزاماته التي لا يمكن تجاهلها، كما أنها تستعد لمرحلة ما بعد نضوب مصادر الاقتصادات الريعية الخاصة بها. فدوام الحال من المحال، وكل يوم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لذلك فإنني أنظر إلى التقدم التكنولوجي في بعض دول الثروة العربية بارتياح شديد، وأرى أن في الأمر برمته ميزات تنسحب على الجميع، وليست على من يملكون فقط، من دون غيرهم من الدول الشقيقة.

ثالثاً: إن التشابه في هياكل الاقتصادات العربية عموماً، قد أدى إلى ضعف التجارة البينية على المستوى العربي الشامل، وجعلنا في كثير من الأحيان نواجه علاقات اقتصادية عربية – عربية تتسم بالهشاشة والضعف الملحوظين، من هنا تبدو أهمية المشروعات العربية الكبرى ذات الأبعاد المشتركة، خصوصاً في قطاعات التصنيع والتعليم والتدريب، فضلاً عن الشركات الناجحة ذات الاختراقات العابرة للأقطار العربية في كل الظروف.

رابعاً: إن إعمال مبدأ التوزيع العادل في تنوع المنتجات العربية في كل قطر هو إضافة للناتج العربي القومي، عموماً، فالميزة النسبية في اقتصادات كل دولة تقوم على ماهو متاح لديها، خصوصاً في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة، كما أن هناك بعض الدول، خصوصاً في منطقة الخليج، تسعى لتنوع هياكلها الاقتصادية لتشمل كل القطاعات بغير استثناء، على اعتبار أن التكامل الاقتصادي يحتاج إلى تعددية وتنوع في كل الأحوال.

هذه ملاحظات سقناها حول أوضاع الاقتصادات العربية، وإمكانية الانطلاق منها نحو تكامل اقتصادي عربي تخضع له الهياكل الاقتصادية في كل دولة عربية، ويكون مستجيباً في الوقت ذاته لنداءات الشارع في كل قطر، على حدة.

نقلا عن الخليج