قد كانت مفاجأة التوقيت بعودة العلاقات السعودية الإيرانية وإعلان فتح السفارتين خلال أسابيع قادمة مصدر ارتياح ودهشة فى الوقت ذاته وأنا شخصيًا أراه قرارًا سعوديًا حكيمًا ورغبة إيرانية ملحة فى هذه الفترة، إن انعكاسات هذه الخطوة على الساحة الإقليمية سوف تكون إيجابية إلى حد كبير، فهى تعنى التهدئة فى اليمن والقبول فى سوريا والتفاؤل فى لبنان والارتياح فى العراق حارس البوابة الشرقية لأمته العربية، ولذلك يحق لنا أن نتساءل هل تسعى إيران لتغيير سياستها وأن تترك الشئون الداخلية لأصحابها دون الإصرار على أن تكون طرفًا فى كل منها! وأنا أتذكر الآن تصريحًا إيرانيًا رسميًا منذ عدة شهور عندما سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء أو معظم أحيائها، لقد قال المتحدث الإيراني: سقطت العاصمة العربية الرابعة فى حوزتنا بعد بغداد ودمشق وبيروت، وتلك لهجة استفزازية غير مبررة تشير بوضوح إلى مبدأ التدخل فى الشأن الداخلى للدول الأخرى وهو الذى اعتنقته إيران منذ وصول الملالى إلى الحكم فى طهران مع شهر فبراير/ شباط عام 1979 وكان قد تردد أيضًا أن الإمام الخمينى قد قال أثناء عودته بالطائرة من فرنسا إلى مطار مهراباد فى إيران: إن العرب قد قادوا الأمة الإسلامية منذ بداية ميلادها لعدة قرون ثم حكمها الترك لعدة قرون أخرى، وقد جاء الدور الآن على الفرس لكى يقودوا الأمة الإسلامية نحو أهداف نريدها فى ظل الثورة الإسلامية، ولقد كنا نتصور دائمًا – وأنا شخصيًا على الأقل – إن إيران يجب أن تكون قوة إضافية للعالم العربى وليست خصمًا منه بحكم الجوار الجغرافى والارتباط التاريخى واضعين فى الاعتبار أن الخلاف المذهبى لا يشكل عقبة فى ذلك، فالمسلمون شيعة وسنة يؤمنون بالله وبأركان الدين الحنيف وكتابهم المقدس هو القرآن الكريم وقبلتهم واحدة وليست الخلافات بينهم إلا فى تفسير الأحداث التاريخية التى جرت قبل واقعة التحكيم وبعدها فى القرن الأول الهجرى، وأستطيع أن أؤكد هنا أن الشيعة العرب تسبق عروبتهم أى خلافات مذهبية فى ظل الدين الحنيف، ولقد ألقيت محاضرة عام 1989 بالعاصمة القطرية الدوحة فى افتتاح منتدى الجسرة الثقافى بدعوة من الأستاذ يوسف درويش وحضرها عدد كبير كان من بينهم الشيخ القرضاوى – رحمه الله – وكنت أسعى أنا وغيرى إلى أن تتحول إيران الثورة إلى داعم للوحدة العربية وشريك للعمل العربى المشترك بدلًا من أن تتحول إلى رأس حربة موجهة إلى العواصم المجاورة، ولذلك فإننى أتساءل اليوم هل تسعى إيران إلى تبنى سياسات إقليمية جديدة خصوصًا فى ظل مشروعها النووى الذى ترفضه بشدة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهما؟ إن دول الجوار العربى هى إيران وتركيا وإسرائيل ومؤخرًا إثيوبيا حيث تلعب كلها أدوارًا تصب فى مصالحها على حساب العرب إلا أن اليقظة التى دفعت الدول العربية المختلفة إلى تبنى سياسات واعية استغلتها المملكة العربية السعودية بقرار ذكى قوميًا، مطلوب عربيًا، متسق دينيًا ومذهبيًا لكى تتوقف المدافع والطائرات المسيرة فوق أرض اليمن وغيرها من بلاد العرب خصوصًا فى الجزيرة والخليج لندخل مرحلة تعاون مشترك مع دول الجوار بشرط احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية من أجل استقرار غرب آسيا وشمال إفريقيا بل والمنطقة كلها بغير استثناء خصوصًا وأن طبول الحرب تدق غير بعيدة عنا وتدخل الحرب الأوكرانية الروسية مرحلة معقدة تقذف بالبلدين وربما بالعالم كله نحو المجهول، وليسمح لى القارئ بأن أضع أمامه الملاحظتين الآتيتين:-
أولًا: إن تحسن العلاقات العربية الإيرانية – ولو نسبيًا – أمر لا يسعد الدولة العبرية بمخاوفها المتزايدة من مستقبل النشاط النووى الإيرانى وشعورها الدائم بضرورة تحويل الخطر القادم إلى العرب من صورة دولة إسرائيل إلى مخاوف أخرى تجاه الدولة الفارسية لكى تحل بديلًا عن الصراع العربى الإسرائيلى وتتحول إلى صراع عربى فارسى، ولا شك أن عودة العلاقات بين طهران والرياض هى خطوة على الطريق السليم يمكن أن تتبعها خطوات أخرى مثل عودة العلاقات إلى طبيعتها بين القاهرة وأنقرة وهو أمر نتطلع إليه فى الشهور القادمة.
ثانيًا: إن تأثير عودة العلاقات بين السعودية وإيران سوف يؤدى بالضرورة إلى حالة من التهدئة والاسترخاء فوق هضاب اليمن وجباله على نحو يرفع المعاناة عن الشعب اليمنى الذى عانى طويلًا عبر تاريخه الذى جعل تسمية اليمن السعيد اسمًا على غير مسمى، كما أننى أزعم أن التفاهم الإيجابى بين السعودية وإيران سوف ينعكس على الساحة اللبنانية وقد يسرع باختيار رئيس توافقى ويضع حدًا للأوضاع الاقتصادية المتدهورة فى ذلك البلد العربى الجميل، وقد رحبت مصر من جانبها بالخطوة السعودية الإيرانية رغم أن مصر ذاتها قد جمدت التمثيل الدبلوماسى مع إيران عند مرحلة قسم رعاية المصالح منذ اندلاع الثورة الإسلامية فيها.
وأخيرًا.. إن المهم هو النوايا الصادقة والخطوات المخلصة التى تقفز على حساسيات الماضى ومشكلات الحاضر من أجل إقليم شرق أوسطى يهدأ فيه الجميع بغير استثناء.. دعنا نأمل بذلك!
نقلا عن الأهرام