التصعيد بالوكالة:
هل كلّفت إيران حلفاءها بالرد على جولة بايدن؟

التصعيد بالوكالة:

هل كلّفت إيران حلفاءها بالرد على جولة بايدن؟



لم تكتفِ إيران بشن حملة ضد الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بتوقيعه ما يسمى بـ”إعلان القدس” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، وإنما بدأت في تكليف حلفاءها بالمشاركة في تلك الحملة، عبر توجيه رسائل تصعيدية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وهي خطوات ربما لا ترتبط فقط بإدارة صراعاتها مع القوى المناوئة لها في المنطقة، وإنما تتصل أيضاً بما يجري على صعيد انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على المنطقة.

كما كان متوقعاً، أبدت إيران مواقف متشددة إزاء ما انتهت إليه الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو الجاري، خاصة فيما يتعلق بتوقيع “إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”. إذ أكد الرئيس إبراهيم رئيسي، في 14 من الشهر نفسه، أن أي “خطأ سوف يرتكبه الأمريكيون سيواجه بردٍ قاسٍ”. فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، بعد ذلك بثلاثة أيام، إن “تصريحات الرئيس الأمريكي تهدف إلى إثارة التوتر في المنطقة”. وبالتوازي مع ذلك، أعلنت إيران عن تدشين أول فرقة بحرية تمتلك قدرات منها إتاحة إطلاق الطائرات المسيرة من سفن وغواصات في المحيط الهندي، سواء القتالية أو المخصصة للرصد والتدمير.

رسائل متوازية

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن إيران أوعزت -على ما يبدو- لحلفاءها بالمشاركة في رسائل التصعيد على نحو بدا جلياً في مؤشرات رئيسية ثلاثة تتمثل في:

1- تهديد حزب الله اللبناني بشن حرب ضد إسرائيل: تعمد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الإدلاء بخطاب جديد تضمن تهديدات مباشرة لإسرائيل بالتزامن مع زيارة الرئيس بايدن. ورغم أن الخطاب كان بمناسبة ذكرى حرب يوليو “تموز” 2006، إلا أن هدفه الأساسي كان توجيه رسائل مباشرة ليس لإسرائيل فحسب، بل للولايات المتحدة الأمريكية أيضاً. إذ قال نصر الله: “سجّلوا المعادلة الجديدة، كاريش (حقل الغاز المتنازع عليه) وما بعد كاريش وما بعد ما بعد كاريش، ونحن نتابع كل الحقول والآبار والمنصات على امتداد الحدود الفلسطينية.. نقول للأمريكي وللإسرائيلي إذا أردتم لهذا البلد أن يُمنع من استخراج حقوقه لاستنقاذ نفسه فلن يستطيع أحد أن يستخرج النفط أو أن يبيع النفط والغاز”.

2- ضغوط قوى “الإطار الدستوري” لتسمية رئيس الحكومة العراقية: تمارس قوى “الإطار الدستوري”- الموالية لإيران- ضغوطاً قوية من أجل تسمية رئيس جديد للوزراء من بين صفوفها بعد انسحاب التيار الصدري من عملية تشكيل الحكومة واستقالة نوابه من مجلس النواب. إذ اجتمع قادة “الإطار”، في 15 يوليو الجاري، من أجل التباحث حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي سيصدر بدوره تكليفاً للتيار الأكثر حصداً للمقاعد أو الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة. وهنا، يحاول قادة “الإطار” تجاوز الجدل الواسع الذي أثارته التسريبات التي تضمنت انتقادات لاذعة وجهها زعيم ائتلاف “دولة القانون” رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، خاصة أن بعض الاتجاهات داخل “الإطار” ترى أن الهدف من هذه التسريبات -التي نفاها المالكي- هو دفع الصدريين إلى النزول للشارع مجدداً، بهدف الضغط من أجل إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، للعودة مجدداً إلى خريطة التوازنات السياسية بعد الاستقالة من البرلمان.

3- تلميح المليشيا الحوثية لرفض تمديد الهدنة باليمن: وجّهت المليشيا الحوثية المتمردة رسائل ضمنية بأنها سوف ترفض تمديد الهدنة الأممية التي سوف تنتهي في 2 أغسطس القادم. إذ أشار ما يسمى بـ”المجلس السياسي الأعلى” إلى أن هذه الهدنة “مثلت تجربة صادمة ومخيبة للآمال ولا يمكن تكرارها في المستقبل”. كما أبدى “المجلس” رفضه لأي مخرجات تصدر عن زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، كونها “تمس بسيادة وأمن واستقرار اليمن”.

أهداف عديدة

يمكن القول إن ثمة أهدافاً عديدة تسعى إيران وحلفاؤها إلى تحقيقها عبر تلك الخطوات التصعيدية، وهي:

1- توسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل: توحي تهديدات نصر الله بأن إيران وحزب الله يسعيان إلى ممارسة ضغوط أقوى على إسرائيل، عبر التلويح بتوسيع نطاق المواجهات بين الطرفين، بحيث لا تقتصر فقط على الساحة السورية التي شهدت ضربات عسكرية إسرائيلية مكثفة خلال المرحلة الماضية، وإنما تمتد إلى الساحتين اللبنانية والإسرائيلية نفسها. وهنا، فإن الهدف الأساسي يكمن في تأكيد أن حرص الولايات المتحدة الأمريكية، خلال زيارة بايدن، على تأكيد التزامها بدعم إسرائيل في مواجهة إيران، لن يدفع الأخيرة إلى إجراء تغيير في سياستها باتجاه خفض مستوى التصعيد مع تل أبيب، خاصة أن الأخيرة بدورها ما زالت مصرة على شن مزيد من العمليات الأمنية ضد قدرات إيران العسكرية والنووية.

2- التلويح بتهديد إمدادات الطاقة: لا يمكن فصل تهديدات نصر الله عن جولة الرئيس بايدن تحديداً، خاصة فيما يتعلق بأحد أهدافها الرئيسية، وهو إقناع دول المنطقة بزيادة إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية في ضوء الأزمة التي تتصاعد حدتها على المستوى الدولي خلال المرحلة الحالية بسبب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. وهنا، فإن الرسالة واضحة ومفادها أن إيران، ومن خلفها الحزب، لديهما القدرة على التأثير في مستوى تلك الإمدادات، في حالة ما إذا تحولت “الوعود” الأمريكية لإسرائيل إلى خطوات إجرائية على الأرض. واللافت في هذا السياق، هو أن نصر الله استدعى لغة التهديد الإيرانية نفسها، حيث سبق أن لوحت إيران مراراً بإغلاق مضيق هرمز في حالة منعها من تصدير نفطها، وتمثلت مقاربتها في هذا السياق في أنه في حال منعها من تصدير النفط فلن يتم تصدير نفط من المنطقة.

3- تأكيد الحضور في الملفات الإقليمية: خاصة في الملفين العراقي واليمني اللذين كانا حاضرين في اللقاءات التي عقدها الرئيس الأمريكي خلال الجولة. وهنا، فإن إيران تسعى إلى تأكيد قدرتها على إرباك أو تحديد اتجاهات العملية السياسية في العراق، ومنع أو استمرار تمديد الهدنة في اليمن، حيث يرتبط ذلك بمدى توافق أي من هذه المسارات مع مصالحها وحساباتها في المرحلة الحالية. وبالطبع، فإن ذلك لا يعود فقط إلى المعطيات الجديدة التي فرضتها جولة بايدن في المنطقة، وإنما إلى التطورات الأخرى التي تمس ملفات تحظى بأهمية خاصة من جانبها، لا سيما تعثر المفاوضات النووية، بعد انتهاء الجولة الأخيرة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في الدوحة، يومي 28 و29 يونيو الفائت، دون تحقيق نتائج تذكر. وقد كان لافتاً أن الرئيس بايدن حرص خلال الجولة على تحذير إيران من احتمال فشل المفاوضات، مشيراً إلى أن “المفاوضات لن تستمر إلى الأبد”، بالتوازي مع تأكيده، خلال زيارته لإسرائيل، التزام واشنطن بمنع طهران من امتلاك القنبلة النووية.

4- التماهي مع التحركات الروسية: رغم أن إيران ما زالت حريصة على الترويج لأن وصول النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية يمثل إحدى الآليات الفعالة التي يمكن من خلالها احتواء أزمة الطاقة التي يواجهها العالم في الوقت الحالي، في محاولة من جانبها للترويج لـ”إيجابيات” الوصول إلى صفقة نووية معها؛ إلا أنها في الوقت نفسه حريصة على تأكيد التزامها بعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، التي يقوم رئيسها فيلاديمير بوتين بزيارة طهران في 19 يوليو الجاري. وهنا، فإن ذلك قد يكون معناه أن إيران وحلفاءها، ولا سيما حزب الله، لن يسمحوا بمحاولة عزل روسيا أو تقليص تأثير ورقة الطاقة التي تستخدمها في مواجهة الدول الغربية، وهو ما يمكن فهمه من الخطاب الأخير لنصر الله.

سياسة مزدوجة

مع ذلك، لا يبدو أن إيران سوف تتراجع عن توجيه مزيد من الرسائل التي تفيد اهتمامها بتحسين علاقاتها مع بعض دول المنطقة، في سياق السياسة المزدوجة التي تتبناها في المرحلة الحالية، وتسعى من خلالها إلى توسيع نطاق حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها للتعامل مع التطورات التي طرأت على المستوى الإقليمي في الفترة الماضية، خاصة مع تعثر المفاوضات النووية وارتفاع مستوى التصعيد مع إسرائيل.