استهداف الوكلاء:
هل غيّرت طهران مقاربتها لإدارة التصعيد مع واشنطن؟

استهداف الوكلاء:

هل غيّرت طهران مقاربتها لإدارة التصعيد مع واشنطن؟



لم تتوقف الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا حتى بعد الضربات العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية، في 2 فبراير الجاري، ضد مواقع تلك المليشيات في الدولتين، رداً على الهجوم الذي تعرضت له القاعدة الأمريكية في شمال شرق الأردن في 28 يناير الفائت. لكن اللافت في هذا السياق، هو أن “بنك أهداف” الهجمات التي تشنها المليشيات لم يعد ينحصر في القواعد الأمريكية، وإنما بات يمتد إلى المليشيا الكردية المتعاونة مع واشنطن ممثلة في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

إذ أعلنت ما يُسمى بـ”المقاومة الإسلامية في العراق”، في 5 فبراير الجاري، أنها شنت هجوماً جديداً ضد القاعدة الأمريكية في حقل العمر النفطي السوري، على نحو أسفر عن مقتل 6 من عناصر قوات المهام الخاصة التابعة لـ”قسد” فضلاً عن إصابة 20 آخرين.

اعتبارات عديدة

يُمكن تفسير أسباب تعمد المليشيات الموالية لإيران شن هجوم جديد واستهداف عناصر من “قسد” في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفع كُلفة العمليات العسكرية الأمريكية: من شأن هذه الهجمات، في رؤية طهران والمليشيات الموالية لها، أن ترفع من كُلفة العمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية داخل العراق وسوريا واستهدفت فيها 86 موقعاً، مشيرة في الوقت نفسه إلى استعدادها لمواصلة هذه الهجمات في حالة ما إذا تعرضت لتهديدات جديدة من قبل تلك المليشيات.

وهنا، فإن تلك المليشيات تدرك أهمية الدور الذي تقوم به قوات “قسد”، والذي يحظى باهتمام خاص من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى أن “قسد” تعد طرفاً رئيسياً وفاعلاً محورياً في الحرب ضد تنظيم “داعش”، ومن ثم فإنها تسعى عبر ذلك إلى تأكيد أن لديها القدرة على استهداف الحلفاء المحليين لواشنطن داخل سوريا.

2- تأكيد القدرة على استيعاب الضربات: رغم أن بعض المليشيات الموالية لإيران أعلنت وقف الهجمات ضد القواعد الأمريكية، على غرار “كتائب حزب الله العراق”، تفادياً للتعرض لضربات عسكرية قوية؛ إلا أن بعض المليشيات الأخرى رفضت ذلك، وبدأت في تجديد هجماتها العسكرية ضد القواعد الأمريكية، على غرار “المقاومة الإسلامية في العراق”.

وهنا، فإن الهدف من ذلك يكمن في تأكيد القدرة على استيعاب الضربات العسكرية الأمريكية، خاصة بعد أن سعت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها إلى استعراض قدراتها العسكرية، بعد أن استخدمت في هذه الضربات قاذفات القنابل بعيدة المدى من طراز “بي 1”. وربما يمكن القول في هذا الصدد إن تلك المليشيات تتبع السياسة نفسها التي تبنّتها مليشيا “الحوثيين” في تعاملها مع الضربات العسكرية التي توجهها الولايات المتحدة الأمريكية، بالمشاركة مع بريطانيا، منذ 12 يناير الفائت، وذلك لتحدي الضغوط التي تمارسها واشنطن عبر تلك الضربات، وتسعى من خلالها إلى دفع تلك المليشيات إلى وقف هجماتها.

3- تجنب تكرار أزمة “هجوم الأردن”: لا يمكن استبعاد أن يكون تركيز المليشيات الموالية لإيران على استهداف عناصر مليشيا “قسد” مرتبطاً بمحاولاتها تفادي تكرار الأزمة التي فرضها الهجوم الذي شنته على القاعدة الأمريكية في الأردن “البرج 22” في 28 يناير الفائت، والذي أسفر عن مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة نحو 40 آخرين. فرغم أن هذا الهجوم لم يكن الأول من نوعه، حيث سبقه نحو 158 هجوماً على القواعد الأمريكية في كل من العراق وسوريا؛ إلا أنه الهجوم الأول الذي يُسفر عن سقوط قتلى أمريكيين.

هذا التحول في مسار التصعيد بين إيران والمليشيات الموالية لها من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، كان له دور في دفع الأخيرة نحو رفع مستوى الضربات العسكرية التي توجهها إلى المواقع التابعة لتلك الأطراف، بعد أن فرض هذا الهجوم خيارات محدودة أمام إدارة الرئيس جو بايدن التي تعرضت لانتقادات وضغوط داخلية غير مسبوقة، بسبب التحفظات التي يبديها العديد من نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فضلاً عن الرئيس السابق دونالد ترامب، على السياسة التي تتبعها في إدارة التفاعلات مع إيران.

اتجاه واشنطن نحو رفع مستوى ضرباتها العسكرية وعبر الآليات العسكرية الجديدة التي استخدمتها في تلك الضربات، فضلاً عن تهديداتها المتواصلة بإمكانية توسيع نطاق “بنك أهداف” تلك الضربات ليشمل مواقع تابعة لإيران بشكل مباشر؛ كان له دور في دفع الأخيرة نحو ممارسة ضغوط على المليشيات الموالية لها من أجل ضبط مستوى التصعيد مع الأولى، على نحو يمكن من خلاله تفسير اتجاه “كتائب حزب الله العراق” إلى تبني ما أطلقت عليه “الدفاع السلبي”، في إشارة إلى التوقف عن شن مزيد من الهجمات ضد القواعد الأمريكية.

4- ممارسة ضغوط أقوى ضد “قسد”: تصاعدت حدة التوتر في العلاقات بين إيران والمليشيات الموالية لها من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى، خلال الفترة الماضية، على خلفية الاتهامات التي وجهتها الأخيرة إلى الأولى، في بداية سبتمبر الماضي، بتحريض مسلحي العشائر في ريف دير الزور ضدها، على نحو ساهم -وفقاً لها- في اندلاع مواجهات بين الطرفين، استغلتها تلك المليشيات من أجل توسيع نطاق نفوذها في مناطق سيطرة “قسد”.

وهنا، فإنه يمكن القول إن الهجوم الأخير الذي أسفر عن سقوط قتلى ومصابين في صفوف “قسد” يأتي في إطار سياسة إيرانية جديدة لرفع مستوى التصعيد مع الأخيرة، وهو ما يتوازى مع اتجاه طهران نحو تشكيل مليشيا جديدة من مسلحي العشائر تحت اسم “مليشيا الهاشميين” وذلك لتقليص نفوذ “قسد” واستنزافها في مواجهات عسكرية فرعية.

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذه السياسة التي تتبناها إيران والمليشيات الموالية لها سوف تساهم في استقطاب الخصوم ضدها، على نحو قد يفرض تداعيات مباشرة على الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في بعض الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري، الذي يبدو أنه سوف يشهد استحقاقات استراتيجية مهمة خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزةفي ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذه السياسة التي تتبناها إيران والمليشيات الموالية لها سوف تساهم في استقطاب الخصوم ضدها، على نحو قد يفرض تداعيات مباشرة على الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في بعض الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري، الذي يبدو أنه سوف يشهد استحقاقات استراتيجية مهمة خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.