صفقة محتملة:
هل سيقضي “أردوغان” على الديمقراطية التركية في حال خسر الانتخابات؟

صفقة محتملة:

هل سيقضي “أردوغان” على الديمقراطية التركية في حال خسر الانتخابات؟



تزداد مخاوف الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” من خسارة الانتخابات الرئاسية المقرر لها في يونيو 2023، لا سيَّما أن خسارته، وخسارة حزبه، العدالة والتنمية، في مقابل فوز مرشح أحزاب المعارضة، ستجعلهم يخضعون للتحقيقات بسبب تهم تتعلق بقضايا فساد وإساءة استخدام للسلطة، وهو الأمر الذي يدفعهم للحفاظ على وجودهم في السلطة بشتى الوسائل المتاحة لهم، حتى لو على حساب الإضرار بالديمقراطية التركية.

وفي هذا الشأن، سلَّط مقال نشرته مجلة “الشؤون الخارجية Foreign Affairs”، في 4 يناير الجاري، تحت عنوان “نهاية لعبة أردوغان: هل سيقوض الديمقراطية التركية للبقاء في السلطة؟”، للكاتب سونر كاجابتاي، الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الضوء على اضطراب الرئيس التركي في الآونة الأخيرة، وزيادة قمعه للمعارضة السياسية والمنتقدين له بسبب خوفه من فقدان السلطة، خاصةً في ظل تراجع شعبيته بسبب السياسات غير الحكيمة الذي قام باتخاذها مؤخراً، والتي جاء على رأسها التهديد بطرد الدبلوماسيين الأمريكيين، وبعض أولئك التابعين للدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وتخفيض أسعار الفائدة بالرغم من ارتفاع مستويات التضخم، متسبباً في دخول أنقرة في حالة من الاضطراب الاقتصادي.

تحولات “أردوغان”

شرح الكاتب التحول الذي طرأ على شخصية الرئيس التركي على مدار العقدين الماضيين، مشيراً إلى نجاحه منذ تبوّئه منصب رئاسة الوزراء بين عامي 2003 و2014 في تحسين أوضاع الطبقة الوسطى التركية، ودوره في فوز حزب العدالة والتنمية في أكثر من اثني عشر انتخاباً على مستوى البلاد. ومع ذلك، أوضح المقال تحوّل “أردوغان” في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 عليه بعدما أصبح رئيساً للجمهورية التركية؛ إذ حاول إحكام قبضته على وسائل الإعلام والمجتمع المدني وكافة مؤسسات الدولة، بما في ذلك الشرطة والقضاء، كما عمل على ملاحقة المعارضة، والزّج بعشرات الآلاف منهم في السجون، فضلاً عن فصله ما يزيد على 150 ألف أكاديمي وصحفي من وظائفهم جراء الاشتباه في صلتهم بالانقلاب، بجانب محاولته غير الموفَّقة لعكس نتائج انتخابات بلدية إسطنبول في عام 2019.

وقد ذكر المقال بدايات وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2003؛ حيث عمل على تعزيز المؤسسات الديمقراطية في البلاد، وتحسين الوصول إلى الخدمات بما في ذلك الرعاية الصحية، وتخفيض معدلات البطالة، وتحسين مستويات النمو الاقتصادي، فأضحت الطبقة الوسطى هي ذات الأغلبية التركية. كما تم منح الأقليات الكردية بعض الحقوق، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة شعبية “أردوغان” على المستوى الداخلي؛ إذ بنى الرئيس التركي وحزبه قاعدة جماهيرية تركية من المحافظين والريفيين والعاملين، فضلاً عن ناخبي الطبقة الوسطى الذين حرصوا على التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية. وعلى المستوى الخارجي، اعتبرته الولايات المتحدة وأوروبا نموذجاً للديمقراطية الليبرالية الإسلامية، وتم النظر في مسألة انضمام تركيا كعضو إلى الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، يرى الكاتب أن الرئيس التركي أظهر نزعات استبدادية مع مرور الوقت. ففي عام 2008، فتح تحقيق شامل في القضية التي عُرفت بـ”قضية إرجينكون”، حيث تم اتهام أكثر من 140 شخصاً بالتخطيط لشن انقلاب ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطياً. وفي عام 2013، استخدم “أردوغان” القوة لقمع الاحتجاجات التي خرجت من “حديقة جيزي” لمناهضة الحكومة التركية، وتم تشديد الخناق على المجتمع المدني، وتقويض الأنشطة السياسية. وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، قام “أردوغان” بفرض حالة الطوارئ التي استخدمها لقمع المعارضة، وشن حملة انتقامية ضد حلفائه السابقين في حركة كولن، وطرد الآلاف من أتباع الحركة والليبراليين واليساريين والقوميين الأتراك والأكراد من مناصبهم الحكومية.

وأوضح المقال أن ممارسات “أردوغان” الداخلية أفضت إلى توتر علاقته مع الولايات المتحدة وأوروبا. ولذلك تحالف في المقابل مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في الحرب الأهلية السورية، وسمح بوتين لأردوغان بمحاربة وحدات حماية الشعب الكردية التي اعتمدت الولايات المتحدة عليها لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واتفق “أردوغان” على شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع (إس-400)، مما وضعه في مأزق مع واشنطن.

السلطان الجديد

رأى المقال أن “أردوغان” قد ارتكب خطأ جسيماً حينما قام بالتعديل الدستوري الذي سمح بتحويل النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى رئاسي في عام 2017، كما ألغى منصب رئيس الوزراء، ومنح “أردوغان” سيطرة كبيرة على الدولة، كما أضعف البرلمان؛ حيث أصبح “أردوغان” رئيساً للدولة والحكومة وللحزب الحاكم والشرطة في الوقت ذاته، ولذلك وصفه المقال بـ”سلطان تركيا الجديد”.

وأردف المقال مشيراً إلى أنه على الرغم مما سبق ذكره فقد تسبب الإصلاح الدستوري في تقوية المعارضة بدون قصد؛ حيث يتطلب النظام الرئاسي الجديد وجود تنافس بين مرشحين اثنين في جولة الإعادة، مما يعني أن معارضي “أردوغان” على غرار حزب الشعب الجمهوري اليساري، والعلمانيين، وحزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد وغيرهم، يمكنهم التكتل معاً لدعم مرشح واحد منافس لأردوغان، ومن ثمّ الفوز في الانتخابات.

نقاط الضعف

لفت المقال الانتباه إلى استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الموالي لأردوغان منذ عام 2018، إلى نسبة تتراوح بين 30٪ إلى 40٪ مقارنةً بـ52٪ في الانتخابات الرئاسية لعام 2018. وفي ضوء ذلك، توافد بعض أنصار حزب العدالة والتنمية لدعم حزب الحركة القومية، بينما دعم آخرون أحزاباً معارضة جديدة تأسست مؤخراً، على غرار حزب الديمقراطية والتقدم التركي الذي أسسه وزير الاقتصاد التركي السابق “علي باباجان”؛ مما يعني أن “أردوغان” عليه قمع معارضة عريضة للحفاظ على السلطة، وفقاً للمقال.

وإضافة إلى المعارضة السياسية، أشار المقال إلى الاقتصاد الذي يعتبر أكبر نقطة ضعف لأردوغان؛ لا سيَّما أنه غرق في حالة من الركود منذ عام 2018، مما تسبب في تآكل دعم حزب العدالة والتنمية في أهم مدينتين في البلاد، وهما إسطنبول وأنقرة؛ حيث فاز حزب الشعب الجمهوري في انتخابات البلدية بإسطنبول في عام 2019، مما دفع “أردوغان” للادعاء بحدوث مخالفات في مجالس الانتخابات التي أشرفت على عملية التصويت، وأجبرهم على إجراء انتخابات جديدة، ففاز مرشح حزب الشعب الجمهوري من جديد.

تصادمات محتملة

ووفقاً لأحدث استطلاعات للرأي، سيخسر “أردوغان” أمام أحزاب المعارضة في حال دخل انتخابات جديدة. كما أن التوقعات بوصول التضخم إلى 20% في عام 2022 تدعم فرضية تدهور الأوضاع الاقتصادية بدرجة أكبر، لذلك قد يحاول “أردوغان” إحداث انقسامات بين أحزاب المعارضة في محاولة يائسة للسيطرة على الوضع، لكن تلك الخطوة ستكون صعبة بسبب رغبة أحزاب المعارضة في هزيمة “أردوغان”، لذا قد يلجأ “أردوغان” لحظر أحزاب المعارضة الرئيسية، وسجن قادتها أو تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بما يساعده على الفوز في انتخابات عام 2023.

ونوَّه المقال إلى احتمالية حدوث تصادم بين “أردوغان” والناخبين في حال استمر الوضع على حاله، مما ستكون له تداعيات وخيمة على مستقبل الدولة التركية، مشيراً إلى أن التصادم قد يتم بطريقتين؛ الأولى هي زعم “أردوغان” في حال خسر الانتخابات -التي ستتم بعد 18 شهراً- بحدوث تزوير على نطاق واسع، ساعياً إلى التخلص من النتيجة؛ مما يدفع البلاد إلى أزمة على غرار ما حدث في الولايات المتحدة في عام 2020، حينما زعم الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بحدوث تزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، متسبباً في حدوث تمرد من جانب أنصاره في 6 يناير 2021.

وبالنظر إلى سلوك “أردوغان” السابق، وطبيعة الدائرة المحيطة به، وعزمه التمسك بالسلطة؛ فمن المرجح حدوث هذا السيناريو، الذي في حال تحقق فسيؤدي إلى احتجاجات شعبية عارمة تملأ شوارع تركيا، وهو أمر قد ينجح “أردوغان” في السيطرة عليه من خلال نشر قوات الشرطة الوطنية المجهزة بشكل جيد، والتي يزيد قوامها عن 300 ألف فرد، كما سيقوم باعتقال منظمي الاحتجاج الرئيسيين، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، وفرض حظر تجول، تليه حالة طوارئ كتلك التي فُرضت بعد انقلاب عام 2016.

فضلاً عما سبق، قد تنفّذ الجماعات الموالية لأردوغان أعمال عنف ضد المتظاهرين بدعم ضمني من الشرطة. وقد حدث ذلك من قبل؛ حيث تم تنفيذ موجة من العنف ضد قادة المعارضة وصناع الرأي قبل إعادة التصويت في انتخابات البلدية في عام 2019 في إسطنبول. ولعل تحالف الشرطة مع “أردوغان” في هذه الأفعال سيقضي على الديمقراطية التركية بشكل نهائي.

ارتأى المقال أنه يمكن حدوث سيناريو ثانٍ يتمثل في قيام “أردوغان” وفريقه بتزوير نتائج التصويت، وهو أمر رأى المقال أنه سيلاقي حملة شعبية واسعة تتصدى له، على غرار الحملة التي تم تنظيمها في عام 2019 حينما ألغى نتائج التصويت الأولى في انتخابات البلدية، فنظمت المعارضة حملة تحت عنوان “حماية التصويت” لإعادة الانتخابات، وتم رصد 100 ألف متطوع لمراقبة مراكز الاقتراع، وتوثيق عدد الأصوات على الهواتف الذكية، لذلك سيتم رصد أي محاولة للتدخل من جانب “أردوغان” في انتخابات عام 2023. ولهذا يتوقع أن يكون السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحاً.

صفقة محتملة

أكَّد المقال أن أفضل استراتيجية للمعارضة لضمان حدوث انتقال سلس للسلطة، هي عقد صفقة مع “أردوغان” تشجعه على ترك منصبه بطريقة سلمية، ولا سيَّما أن “أردوغان” في حال ترك السلطة قد يواجه ملاحقات جنائية تتعلق بتهم فساد، جراء تسببه في قتل العشرات على يد الشرطة، فضلاً عن انتهاك حقوق الكثيرين على يد الحكومة، بجانب تورط أفراد عائلته في فضائح فساد؛ لذلك يمكن للمعارضة إقناعه بالتنحي مقابل الإعفاء عنه وأفراد أسرته.

ويرى الكاتب أن انعقاد تلك الصفقة ليس سهلاً، خاصةً أن أحزاب المعارضة ستتردد في قبول منح عفو لأردوغان ولأسرته. كما أنه سيكون من الصعب إقناع “أردوغان” وأنصاره بذلك؛ لا سيَّما أن الكثير من أنصار “أردوغان” يرفضون الحوار مع المعارضة. وتتردد على وسائل التواصل الاجتماعي النكات التي تدعم فرضية قيام قادة حزب العدالة والتنمية بالرد على الهزيمة الانتخابية بتمرد مسلح.

ومع ذلك، يمكن عقد الصفقة بواسطة القوات المسلحة التركية التي تُعتبر المؤسسة الأكثر احتراماً في البلاد. فحتى مع عدم صواب فكرة دعوة الجيش للتدخل في السياسة بالنظر إلى تاريخ المؤسسة من الانقلابات العسكرية، كالانقلاب الذي وقع في عام 1980، لكن الجيش التركي يعتبر من المؤسسات المتبقية في البلاد التي يجتمع فيها الأتراك المؤيدون والمعارضون لأردوغان بسبب التجنيد، كما أن المؤسسة قد تبنت سياسة الحياد فيما يتعلق بالسياسة الداخلية للبلاد، مما يجعلها واحدة من المؤسسات الوطنية المحافظة على هوية غير حزبية.

وبالرغم من أن هذه الاستراتيجية ليست مضمونة، خاصةً في حال كان الجيش يميل إلى إعادة الانخراط في القيادة السياسية للبلاد، لكنها قد تكون أفضل خيار لمنع انهيار الديمقراطية التركية، وفقاً للمقال. وختاماً، أكَّد الكاتب أنه في حال كان “أردوغان” قد ترك السلطة بعد أول عقد له على رأسها لكان الآن يُنظر إليه بصفته واحداً من أنجح قادة تركيا، لكن سعيه وراء السلطة في السنوات الأخيرة قاده إلى اتجاه خطير حاملاً تركيا معه في ذلك، لذا ففي حال لم تنجح المعارضة في عقد صفقة مع “أردوغان” فسيتكرر سيناريو “ترامب” في الولايات المتحدة من حيث ترديد المزاعم حول سرقة الانتخابات، مما سيُدخل البلاد في حالة من الفوضى.