جولة كاشفة:
هل حقاً فشلت الجولة السابعة من المفاوضات النووية الإيرانية؟

جولة كاشفة:

هل حقاً فشلت الجولة السابعة من المفاوضات النووية الإيرانية؟



انتهت الجولة السابعة من المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية، يوم الجمعة 3 ديسمبر الجاري، والتي عقدت بالعاصمة النمساوية فيينا، وذلك في أول “مباراة نووية” جديدة بين مجموعة (4+1) والولايات المتحدة من جانب وإيران من جانبٍ آخر في عهد حكومة المحافظين الإيرانيين بزعامة الرئيس إبراهيم رئيسي. ومن المقرر استئناف الجولة الثامنة من هذه المحادثات بعد أيام قليلة، ولكن لم يتم الإعلان عن موعدها المحدد بعد.

وقد جاءت هذه الجولة السابعة بعد الانتهاء من السادسة في شهر يونيو الماضي والتي تزامنت -آنذاك- مع فوز رئيس القضاء السابق في طهران برئاسة الجمهورية الإيرانية. وترأس الوفدَ الإيراني في هذه الجولة النائبُ السياسي لوزير الخارجية، علي باقري كني. وبلغ عدد أعضاء الوفد الإيراني ما يقارب 30 شخصاً، كان من أبرزهم مساعد شؤون الدبلوماسية الاقتصادية في وزارة الخارجية الإيرانية “مهدي صفري”، والمساعد القانوني “رضا نجفي”، ورئيس اللجنة الاقتصادية للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية “إبراهيم شيباني”، ومسؤول الشؤون المالية والدولية في البنك المركزي الإيراني “غلام رضا بناهي”.

وجديرٌ بالذكر أن أغلب المفاوضين النوويين المحافظين من أعضاء الفريق الإيراني الجديد هم من خريجي جامعة “الإمام الصادق” في العاصمة طهران.

أما على الجانب الآخر من مائدة الحوار، فقد مثّل سفراءُ بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا في فيينا الأطراف الأوروبية والآسيوية المفاوضة. وشارك المبعوث الأمريكي إلى إيران، روبرت مالي، في المفاوضات بالنيابة عن واشنطن، ولكن كانت هذه المشاركة غير مباشرة؛ حيث إن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، لم يُصدر بعد قراراً بالسماح لمبعوثي بلاده لقاء الأمريكيين بشكل مباشر في فيينا.

وعلى الرغم من أن المحادثات في ثوبها الجديد لم تخرج بنتيجة حاسمة، إلا أنها قدمت في الواقع بعض الجديد في إطار مجمل المفاوضات، كما أنها تحمل في طياتها مؤشراتٍ قد تقود إلى تحقيق انفراجة مستقبلية ولو محدودة في الجولة الثامنة أو ما يليها.

أسباب عديدة

تختلف الجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية عما سبقتها من جولات. فحتى الجولة السادسة التي انتهت في يونيو الماضي، كان الفريق الإيراني جزءاً من حكومة إصلاحية بزعامة الرئيس السابق حسن روحاني، ووزير خارجيته المعروف بنفس التوجهات المناهضة للأصوليين في إيران محمد جواد ظريف.

وفي ذلك الوقت، دأب الفريق النووي الإيراني الحالي، الذي قاد الجولة السابعة بدءاً من 29 نوفمبر وحتى 3 ديسمبر من العام الجاري، على توجيه سهام النقد الحاد للمفاوضين النوويين الإيرانيين، بل إن بعضهم اتهمهم بالخيانة آنذاك. وكان عدد لا بأس به من أعضاء الحكومة والفريق الحالي معارضين للاتفاق النووي الأصلي نفسه الذي جرى التوصل إليه في عام 2015.

وعندما تولى المحافظون زمام التفاوض من جانب إيران، بدأوا في طرح الرؤى الخاصة بهم إزاء المحادثات النووية، على الرغم من المعارضة المُشار إليها آنفاً. ولكن إعطاء المرشد الأعلى، علي خامنئي، الضوء الأخضر للبدء، دفعهم بشكل لا لبس فيه إلى الانخراط في المحادثات.

ومع انطلاقها أواخر الشهر الماضي، اتضحت نوايا ورؤى الفريق النووي الإيراني الجديد المحافظ فيما يتعلق بالكيفية المستقبلية التي يريدون بها إدارة العملية التفاوضية. وعلى الرغم من أن اتضاح هذه الكيفية يُعد عاملاً “كاشفاً” وإيجابياً أيضاً في مستقبل المفاوضات من ناحية، كما سنتطرق إليه لاحقاً، إلا أنه وفي الوقت نفسه قد أعاق المفاوضات في أولى جولاتها بعهد المحافظين.

ولعل أبرز هذه العوامل تكمن في الشروط التي لا تزال إيران متمسكة بها، علاوة على رفض المفاوضين الغربيين بعض المطالب الرئيسية لطهران، ورغبتهم في طرح بنود جديدة، وذلك على النحو التالي:

1- إصرار إيراني على “رفع العقوبات أولاً”:

إن جميع المسؤولين الإيرانيين في حكومة المحافظين لا يزالون مُصرين بشدة على رفع الولايات المتحدة جميعَ العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق الأصلي في مايو 2018. فلقد أكدت طهران مراراً أن الهدف الرئيسي من وراء مشاركتها في المفاوضات وجديتها إزاءها يكمن وراء رغبتها في رفع العقوبات الاقتصادية عنها.

وقد استبق وزير الخارجية الإيراني، أمير حسين عبداللهيان، خليفة جواد ظريف، انطلاق محادثات فيينا للتشديد على هذا المسعى الإيراني، حينما قال أواخر نوفمبر إن “الولايات المتحدة لا تزال لا تتفهم بشكل صحيح حقيقة أنه لا مجال للعودة للاتفاق من دون إزالة جميع العقوبات التي فُرضت على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة”. ووصف الوزير الإيراني هذه العقوبات بأنها كانت “تجربة مريرة”.

ولذا، ففي ظل هذا الإصرار الإيراني والرفض الغربي، خاصة من واشنطن، خرجت الجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية بدون نتيجة ملموسة.

2- مواصلة طهران تخصيب اليورانيوم:

كانت هذه ثاني أبرز نقاط الخلاف بين القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وإيران. فقد أعلن المفاوضون الغربيون أن إيران لا تزال تُسرع من برنامجها النووي بالتزامن حتى مع إجراء المفاوضات النووية. وقد استفز هذا العاملُ الجانب الأمريكي كثيراً، وجعله يفترض مبكراً فشل المفاوضات.

ودعا هذا الأمر مسؤولاً كبيراً بوزارة الخارجية الأمريكية إلى تحذير إيران السبت الماضي من أن بلاده لا يمكنها الاستمرار في تقبل “مواصلة إيران عرقلة المفاوضات الهادفة إلى إنقاذ الاتفاق حول برنامجها النووي” في الوقت الذي تطور فيه هذا البرنامج.

وعلى ذلك، رأت واشنطن أن إيران “غير جادة” في المفاوضات وأن طهران تحاول التلكؤ في المفاوضات من أجل تحقيق تقدم نووي واستغلال عنصر الوقت. ولذا فإنها أكدت عدم تقبلها لهذا السيناريو. واستتبع ذلك إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن أن بلاده ستتابع “خيارات أخرى” إذا أخّرت إيران المحادثات وتابعت تطوير برنامجها النووي في الوقت ذاته.

ورغم ذلك، لم تغلق الأطراف الإيرانية والأمريكية الباب أمام مواصلة المحادثات أو إطلاق الجولة الثامنة، بل أكدت الخارجية الأمريكية أنها لا تزال ترغب في إحياء الاتفاق النووي، فيما قالت الخارجية الإيرانية إنه “سيتم التوصل لاتفاق إذا أبدت الأطراف الأخرى حسن نية”.

3- رفض إيران طرح بنود جديدة أو تقديم تنازلات:

رفض المفاوضون الإيرانيون طرح بنود جديدة للحديث في جولات التفاوض المقبلة، وأبدوا تشبثاً ببنود الاتفاق الأصلي الذي تم التوصل إليه عام 2015. وساهم هذا في تعثر الجولة السابعة من المحادثات. فقد كانت الولايات المتحدة والمفاوضون الأوروبيون بالأساس قد أعلنوا مسبقاً عن عزمهم طرح بنود جديدة إضافية في الاتفاق المعدل خلال المفاوضات الجديدة. بنود يختلف بعضها عن تلك التي تم إقرارها في عام 2015.

ومن بين أبرز هذه البنود المقترحة تلك التي تخص تعزيز الرقابة على أنشطة إيران النووية وأجهزة الطرد المركزية، علاوة على برنامج الصواريخ الإيرانية التي أكدت الإدارة الأمريكية بزعامة بايدن إصرارها على وضعه للتفاوض والحوار حتى قبل وصولها إلى البيت الأبيض في يناير 2021. وكان للرفض الإيراني في هذا الصدد دورٌ بارز في تعثر الجولة السابعة من المفاوضات.

4- قلق إسرائيلي ورغبة في ضمان إيران “غير نووية”:

ينصبّ الاهتمام الإسرائيلي بمفاوضات إعادة صياغة الاتفاق النووي الإيراني أكثر من مفاوضات (2013-2015) نفسها التي قادت إلى التوصل لاتفاق لوزان. وتحاول إسرائيل ممارسة ضغوط في هذه الجولات الحالية من أجل تحقيق أهداف بعينها تتمثل في الحد من الطموحات النووية الإيرانية وبرنامج الصواريخ.

إذ تخشى إسرائيل كثيراً من مستوى تخصيب اليورانيوم الذي توصلت إليه إيران مؤخراً (60%)، كما أنها قلقة للغاية من مواصلة هذه الأنشطة ليس فقط بعد التوصل لاتفاق جديد، بل وحتى بالتزامن مع عقد الجولات الحالية من المفاوضات.

وقد عبّرت إسرائيل عن هذا القلق على لسان رئيس وزرائها “نفتالي بينيت” الذي دعا القوى العالمية لـ”الضغط على إيران لوقف تخصيب اليورانيوم قبل الجولة القادمة”، مشدداً على أن إسرائيل سوف تستغل الفترة المقبلة الفاصلة بين جولتي المحادثات النووية لإقناع الأمريكيين بـ”استخدام أدوات مختلفة” ضد برنامج إيران النووي. لعل من بين هذه الأدوات الخيار العسكري.

5- رفض إيران الحوارَ المباشر مع الولايات المتحدة:

إن هذا العامل على وجه التحديد يساهم في بطء جريان وحركة المفاوضات النووية، إذ إن الولايات المتحدة تُعد اللاعب الأبرز في هذه المحادثات مع إيران، مما يعني أن الحوار المباشر بين الطرفين، الذي لا تزال ترفضه إيران بأمر من المرشد الأعلى، سوف يثمر عن حلول مبتكرة وسريعة للملفات المختلف عليها بشدة في المفاوضات.

ماذا بعد؟

إن الوصف الدقيق لمحادثات فيينا النووية في جولتها السابعة هي أنها كانت “كاشفة” لأوراق وخطط الفريق النووي الإيراني الجديد المحافظ بقيادة تنفيذية من “علي باقري كني” في فيينا وتحكم أصيل من طهران. ولا ينبغي تجاهل أن الولايات المتحدة ذاتها قد جاءت بمسودة مختلفة عما كانت عليه الإدارة الديمقراطية السابقة في عهد باراك أوباما والتي توصلت على أساسها لاتفاق 2015، بالإضافة لاختلافها بشكل طفيف عن مسودة إدارة ترامب.

وللمفارقة هنا، فإن رؤى إدارتي ترامب وبايدن الأمريكية تتشابه كثيراً فيما يتعلق بإعادة صياغة الاتفاق النووي مع إيران.

وعلى أية حال، فقد أوضحت الجولة السابعة الأخيرة من التفاوض، مهما كانت نتائجها، “ماذا تريد الحكومة المحافظة بزعامة “رئيسي” من مجمل المفاوضات؟”، علاوة على النقاط الرئيسية والمكاسب التي ترغب في تحقيقها من خلال المحادثات النووية برمتها. فأجندة هذا الفريق تختلف حتماً بشكل جزئي عن الفريق القديم الذي كان ينتمي لحكومة الرئيس الإصلاحي السابق حسن روحاني.

وعليه، فإن الجولة السابعة كانت بمثابة “بروفة” مسبقة لما ستكون عليه المفاوضات في جولاتها اللاحقة. فقد التقى الفريقان لأول مرة في عهد الحكومة (الجديدة) في إيران، وتفهّما مطالب بعضهما بعضاً، واستنبطا أيضاً الكيفية الصحيحة التي سيواجهون بها بعضهم في المحادثات التالية، علاوة على أن مطالب جميع الأطراف قد طُرحت في هذه الجولة.

وستقوم بدون شكٍ هذه الأطرافُ الإيرانية والغربية بإعادة النظر بدقة فيما جرى في هذه الجولة السابعة وتفاصيلها، ودراسة مطالب بعضهما بعضاً وكيفية الخروج في الجولات اللاحقة بـ”أكبر المكاسب وأقل الخسائر”. وهنا، تكمن أهمية هذه الجولة.

ويمكن القول إن أهم المحاور التي اتفق بشأنها الطرفان في الجولة الأخيرة كانت تحديد التحديات والعوائق أمام تقدم المفاوضات، وهو ما دفعهما -على سبيل المثال- في اليوم الثاني للمفاوضات في فيينا يوم 30 نوفمبر إلى النظر في مسألة تخفيف العقوبات.

مفاوضات صعبة

وختاماً، يجب التأكيد على أن جميع الأطراف المتفاوضة في فيينا، من الإيرانيين إلى الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين، يرغبون جدياً في إنجاح المفاوضات النووية برمتها من أجل تحقيق كل دولة أو تكتل لأهدافه الخاصة، وسيعملون على إنجاز ذلك خلال الأيام المقبلة. فإيران تريد رفع العقوبات في ظل بدء الحوار مع بعض دول الإقليم بغية تحقيق استقرار اقتصادي ولعوامل سياسية واستراتيجية أخرى، ويسعى الأمريكيون والأوروبيون إلى الحد من أنشطة طهران النووية وعدم توصلها لسلاح نووي، علاوة على محاولة تقييد طموحاتها الصاروخية.

ولذا، فإن ما يمكن قوله هو أن المفاوضات النووية سوف تستمر، وستكون عسيرة وطويلة الأمد في جولاتها القادمة، ولكن الجميع سوف يخطط لإنجاحها.