تكريس النفوذ:
هل تُعزز أحداث كرمان فرص الأصوليين في الانتخابات الإيرانية؟

تكريس النفوذ:

هل تُعزز أحداث كرمان فرص الأصوليين في الانتخابات الإيرانية؟



تكتسب انتخابات مجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة التي سوف تجرى بالتزامن في أول مارس 2024، اهتماماً خاصاً داخل إيران في الوقت الحالي، وذلك لاعتبارات ثلاثة رئيسية: الأول، أنها تأتي في خضمّ أزمات داخلية وخارجية لا تبدو هيّنة. فقد اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة، وبدأت الضغوط تتزايد على إيران من أجل تجنب توسيع نطاقها ودفع حلفائها إلى ضبط مستوى انخراطهم فيها.

كما بدأت العمليات الإرهابية داخل إيران تتزايد، على غرار العملية التي أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عنها، في 3 يناير الجاري، خلال الاحتفال بحلول الذكرى الرابعة لمقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، على نحو أسفر عن مقتل 93 شخصاً وإصابة 284 آخرين.

والثاني، أنها الاستحقاق السياسي الأول الذي يجري بعد الاحتجاجات التي اندلعت في إيران خلال الفترة من منتصف سبتمبر 2022 وحتى بداية يناير 2023. ومن هنا، فإنها ستكون مؤشراً لمدى قدرة النظام على فرض رؤيته، وتعزيز قاعدته الشعبية في مواجهة مطالب المحتجين وبعض القوى الداخلية التي تدعمهم.

والثالث، أنّها تأتي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بنحو عام، وبالتالي ستكون مؤشراً لتوازنات القوى السياسية داخل إيران خلال المرحلة القادمة، وهي التوازنات التي ستمثل متغيراً حاكماً لخريطة المرشحين المنافسين للرئيس الحالي إبراهيم رئيسي الذي سيسعى إلى تجديد ولايته الرئاسية لمدة أربعة أعوام أخرى.

تحركات استباقية

كان لافتاً أن القيادة الإيرانية ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي منحت أولوية خاصة للانتخابات القادمة، حتى رغم تزاحم الملفات والقضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب النظام والمواطنين في آن واحد.

فخلال لقاءاته الأخيرة، حرص خامنئي على دعوة المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات القادمة، على غرار لقائه مع وفد من محافظة قم، في 9 يناير الجاري، والذي قال خلاله إن “عدم المشاركة في الانتخابات يمثل السياسة الاستراتيجية للعدو الذي يسعى إلى خلق القطبية الثنائية في البلاد”.

لكن رغم ذلك، يبدو أن النظام يتخوف من تراجع مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات، خاصةً مع الانتقادات التي وُجِّهت إلى مجلس صيانة الدستور، بعد القرارات التي اتخذها باستبعاد نحو 48% من عدد المرشحين للانتخابات. إذ قال المتحدث باسم المجلس الدكتور طحان ‌نظیف، في 5 يناير الجاري، إنه من بين 21 ألف مرشح تقدموا لانتخابات مجلس الشورى الإسلامي، تم قبول ملفات 11 ألف مرشح فقط.

ومع ذلك، فإنّ ثمة اتجاهات عديدة ترى أن تقليص عدد المرشحين للانتخابات يمكن أن يهيئ المناخ أمام تيار المحافظين الأصوليين لتكريس سيطرته على مقاعد الدورة الثانية عشرة، وتستند في هذا السياق إلى اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الإقصاء المسبق لمرشحي تيار المعتدلين: وهو ما يعني أن الانتخابات البرلمانية التي سوف تجري في أول مارس القادم سوف تكون أشبه بتنافس أصولي-أصولي، أي بين القوى التي تنتمي إلى تيار المحافظين الأصوليين، والتي تسعى ليس فقط إلى تعزيز سيطرتها على مقاعد المجلس، على غرار الدورة الحادية عشرة، وإنما إلى الهيمنة أيضاً على هيئة رئاسته.

ويفسر ذلك إلى حد كبير أسباب الحملات التي تشنها جبهة الثبات “پایداری” ضد بعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين، على غرار محمد باقر قاليباف رئيس المجلس في دورته المنتهية، وعلي لاريجاني عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام والرئيس الأسبق لمجلس الشورى، ومحمد رضا باهنر القيادي الأصولي البارز، والتي وصلت إلى حد دفع بعض وسائل الإعلام إلى وصف التنافس بين هذه الأطراف بأنه أشبه بـ”لعبة صفرية”، على غرار موقع “مستقل” الذي أشار إلى أن الجبهة باتت ترفع شعار “إما معنا أو علينا” (با ما یا بر ما).

2- الترويج لوجود علاقة بين أطراف داخلية وقوى خارجية: وهي المقاربة التقليدية التي تبناها بعض أقطاب تيار المحافظين الأصوليين، خلال المرحلة الماضية، وبدءوا في الاستناد إليها خلال الفترة الحالية، وقبيل الانتخابات البرلمانية، عبر استغلال ما يجري على الصعيدين الداخلي والإقليمي، من حرب إسرائيلية على قطاع غزة لم تصل إلى نهايتها بعد، وعمليات اغتيال تطال قادة إيرانيين وبعض كوادر المليشيات الموالية لطهران، إلى تنفيذ تنظيم داعش عمليات داخل إيران، بهدف إحكام السيطرة على مراكز صنع القرار في الدولة.

3- تزايد احتمالات مناقشة ملف خلافة المرشد: وهو ملفّ يحظى باهتمام خاص من جانب القيادات الرئيسية في الدولة، فضلاً عن قيادات التيارين المعتدل والمحافظ. ورغم أن هذا الملف تتم مناقشته داخل مجلس خبراء القيادة باعتبار أنه المؤسسة المنوط بها البتّ فيه، والتي ستُجرى انتخاباتها بالتزامن مع انتخابات مجلس الشورى؛ فإن قوى تيار المحافظين الأصوليين ترى أن السيطرة على مجلس الشورى في دورته الجديدة تعني أنه سيكون للتيار دور بارز في هذا الملف تحديداً، خاصة في حالة ما إذا تمت الإطاحة ببعض مرشحي تيار المعتدلين لهذه الانتخابات.

وقد كان لافتاً أن الجدل حول هذا الملف تصاعدت حدته مع اقتراب موعد الانتخابات، وقد بدأه الرئيس السابق حسن روحاني، الذي ترشح لانتخابات مجلس الخبراء إلى جانب الرئيس إبراهيم رئيسي، في 10 ديسمبر الفائت، عندما قال إن “مصير الدولة في أيدي مجلس الخبراء”، وهو ما فسرته اتجاهات عديدة في تيار المحافظين الأصوليين بأنه يعني أن خلافة المرشد الحالي قد تحسم في الدورة القادمة لمجلس الخبراء.

وقد دفع ذلك بعض وسائل الإعلام القريبة من تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري إلى شن حملة ضد روحاني، على غرار صحيفة “جوان”، التي قالت، في 7 أبريل الجاري، إن “روحاني نفسه قد لا يكون موجوداً في الدورة الجديدة”، في إشارة إلى احتمال إقصائه منها، لكن بعض قوى تيار المعتدلين اعتبرت أن التلميح لغياب روحاني لا يعني إقصائه من الانتخابات بل يعني دعوة لـ”التخلص منه”.

4- الاستعداد لضغوط خارجية جديدة: وهي ضغوط مرتبطة بعدم استبعاد إيران أن تقوم إسرائيل، في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في غزة، بتبني سياسة “تصفية الحسابات” مع الأطراف التي ترى أنه كان لها دور في عملية “طوفان الأقصى”، وفي مقدمتهم إيران. وهنا، فإن الأخيرة تتوقع أن تتواصل محاولات الاختراقات الأمنية في الداخل، واستهداف قيادات في الحرس الثوري في الخارج.

وانطلاقاً من ذلك، قد تفهم الاتجاهات السابق ذكرها التصريحات التي أدلى بها المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 9 يناير الجاري، والتي حذر فيها من “القطبية الثنائية”، على أنها إشارة إلى ضرورة محاصرة نفوذ تيار المعتدلين في الداخل، وتكريس سيطرة تيار المحافظين الأصوليين باعتبار أنه الأقرب أيديولوجياً إلى المرشد، والأقدر، في رؤيته، على إدارة شئون الدولة خلال المرحلة الحالية.

سياسة متشددة

على ضوء ذلك، يبدو أن إيران تتجه نحو تبني سياسة أكثر تشدداً في التعامل مع بعض القضايا على المستويين الداخلي والخارجي، على نحو قد يكون تمهيداً لتعزيز سيطرة تيار المحافظين الأصوليين على مجلسي الشورى وخبراء القيادة في الانتخابات القادمة، وإن كان ذلك لا ينفي أنّ هذا التشدد المحتمل قد لا يضعف من احتمالات الحفاظ على قنوات تواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن ذلك يمثل “خياراً موازياً” يمكن أن يؤدي في النهاية للوصول إلى صفقة بين الطرفين.