حراك جديد:
هل تُشكل مشاورات المنفي اختراقاً في ملف الأزمة الليبية؟

حراك جديد:

هل تُشكل مشاورات المنفي اختراقاً في ملف الأزمة الليبية؟



تعكس اللقاءات التي أجراها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع كل من المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي في بنغازي، في 11 فبراير الجاري، ثم لقاؤه في طرابلس مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بعدها بيومين، توجهاً نحو استبدال الحوار الوطني الليبي–الليبي بحوار غير مباشر عبر جولات المشاورات والوساطة التي يقودها الرئاسي بين الأطراف المختلفة لمعالجة الانسداد في ملف الانتخابات الذي كان المحور الرئيسي في تلك الجولات.

ويبدو أن هناك اتجاهاً لتفاهمات سياسية جديدة، بدأت قبل تلك الجولات بتبني مجلس النواب العودة إلى خيار تعديل الإعلان الدستوري الثالث عشر، وإحالة التعديلات إلى المجلس الأعلى للدولة للتصويت عليها في جلسته المقبلة.

وعلى الرغم من التفاؤل النسبي بشأن هذه الخطوات التي قد تعني التفاهم على خطة عمل عاجلة لإجراء الانتخابات، والخروج من المأزق السياسي الذي تجاوز العام بعد تعثر إجراء الانتخابات خلال المرحلة الانتقالية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021؛ إلا أن اختبار التفاؤل بشأن أي انفراجة سياسية فعلياً سيبدأ من خلال نتائج تصويت مجلس الدولة على التعديلات الخاصة بالإعلان الدستوري، خاصة وأن جوهر تلك التعديلات يتعلق بالنقاط الخلافية التي لم يتم تسويتها عبر عدة محطات كان آخرها لقاء القاهرة (يناير 2023) الذي تضمن الإعلان عن “وثيقة دستورية” لم يتم التوافق عليها في نهاية المطاف.

وتتباين آراء أعضاء مجلس الدولة قبيل جلسة التصويت ما بين اعتماد تلك التعديلات والتحذير من أن عدم اعتمادها قد يؤدي إلى تجاوز مجلسي النواب والدولة، واللجوء إلى خيار لجنة الحوار الوطني مرة أخرى لحسم هذه المعضلة.

وربما يستدرك المنفي هذه التحديات الخاصة بتجاوز الوقت من جهة وإهدار فرص حل أزمة القاعدة الدستورية بين المجلسين من جهة أخرى. فعلى الرغم من أنه لم يفصح عن تفاصيل محاور اللقاءات التي أجراها مع كل من حفتر والدبيبة، لكن يبدو أن هناك حرصاً على ذلك خشية عرقلة هذا المسار.

 ومن اللافت أن المنفي صرح قبيل تلك اللقاءات بأنه يتعين الانتهاء من هذا الملف في أبريل المقبل، على أساس إجراء الانتخابات خلال العام الجاري. ويبدو أن هذا الحراك وتحديداً جدول المواعيد خلال العام الجاري يأتي بالتنسيق مع الأمم المتحدة والعديد من الأطراف الدولية المنخرطة في ملف الأزمة الليبية التي تدفع باتجاه إجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية خلال العام الجاري.

تطورات موازية

جاءت التطورات السياسية الأخيرة بعد أيام من انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة في القاهرة بمشاركة دول جوار جنوب ليبيا والبعثة الأممية. ورغم استحواذ الملف الأمني على جدول أعمال اللجنة، ولا سيما ما يتعلق بالملف الأمني في الجنوب الليبي، إلا أن أحد المخرجات الرئيسية التي أعلن عنها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، هو الإشارة إلى أولوية توحيد المؤسسة العسكرية، وإنهاء التواجد الأجنبي العسكري في البلاد، وخاصة ما يتعلق بالمليشيات والمرتزقة، كخطوة على طريق تهيئة الأوضاع الأمنية في البلاد لإجراء الانتخابات، كمدخل لاستعادة الاستقرار في ليبيا.

كذلك، بدت الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في ملف الأزمة الليبية بأبعادها المختلفة، وهو ما تعكسه الزيارات التي قام بها مسئولون أمريكيون بارزون إلى ليبيا في الفترة الأخيرة، ومواصلة السفارة الأمريكية لدى ليبيا بالتعاون مع البعثة الأممية التنسيق بشأن دفع خطوات حلحلة الأزمة السياسية.

لكن في مقابل تلك الخطوة أيضاً، عينت روسيا رشيدوفيتش أغانين سفيراً جديداً لها في ليبيا، في خطوة يُنظر إليها على أن موسكو دخلت على خط التنسيق السياسي في مواجهة واشنطن بشكل مباشر، ولا يزال من غير المعروف ما هي أجندة أغانين أو الأجندة الروسية في إطار التطورات السياسية الحالية، وما إذا كانت ستتقاطع أو تتوافق معها.

لكن وفق تقديرات أمريكية، فإن تعيين شخصية بارزة مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولديها خبرة في إدارة تخطيط السياسات بالخارجية الروسية سيكون له تداعياته في التعاطي بين الغريمين الروسي والأمريكي في الساحة الليبية.

إشكاليات رئيسية

يُعيد الحراك الذي يقوده رئيس المجلس الرئاسي حالياً تسليط الضوء على الملفات الجوهرية ذات الصلة بملف الأزمة، ويتمثل أبرزها في:

1- الصراع على السلطة التنفيذية: يتفق العديد من أطراف الأزمة على ضرورة توحيد السلطة التنفيذية لتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات، وكضمانة لعملية تسليم السلطة في حال إتمام العملية الانتخابية. وقد كان لافتاً أنه بالتوازي مع اللقاء الذي عقد بين الدبيبة والمنفي ولم يتم الإفصاح عن نتائجه، لا سيما حول هذه الجزئية، كان هناك لقاء بين المشير حفتر ورئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشأغا، قبيل لقاء المنفي بأيام، دون إشارات أيضاً تكشف عن مدى الاستجابة لحلحلة الأزمة الخاصة بالانقسام أو الازدواج في السلطة التنفيذية.

2- الانقسام في المؤسسات الأخرى: وهو ملف عالق في إطار الانتهاء من ملف المناصب السيادية، والذي كان محل تداول بين مجلسي النواب والدولة، حيث أعلن رئيس مجلس الدولة عن إجازة 28 مرشحاً، وأصبحت الخطوة المتبقية للإعلان النهائي في عهدة مجلس النواب، وفي حال اتخاذ هذه الخطوة فإنها ستعزز الانفراجة السياسية الخاصة بملف الإعلان الدستوري الخاص بالانتخابات، لا سيما وأن هذا الملف يتضمن أسماء المرشحين للمفوضية العليا للانتخابات، وهي خطوة أخرى مهمة في الإطار الإجرائي الخاص بملف الانتخابات.

3- الموقف من النظام السابق: يبدو أن إشكالية ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية أصبحت محل تفاهم إلى حد ما بين المجلسين. ومع تزامن هذه التطورات مع ذكرى الإطاحة بنظام العقيد القذافي (فبراير 2011) تنامت دعوات الناشطين السياسيين المنتمين إلى “تيار فبراير” لاستبعاد المنتمين للنظام السابق، في إشارة لسيف الإسلام القذافي، وهي خطوة قد تصطدم بتطورات أخرى تتعلق بملف المصالحة السياسية التي كان المجلس الرئاسي قد قطع فيها بعض الخطوات.

ومن المتصور أن العديد من الأطراف السياسية ترى في عملية استبعاد سيف الإسلام مصلحة في إطار تقليل عدد المتنافسين البارزين على منصب الرئاسة، إلا أن هناك أطرافاً أخرى ترى أن محاولة تفادي هذا التحدي قد تعيد إنتاج إحدى الإشكاليات مرة أخرى، خاصة وأن هذا الملف لا يخضع فقط لاعتبارات داخلية، وإنما أيضاً لاعتبارات خارجية منها الإصرار الروسي على عدم استبعاد النظام السابق من المعادلة، وربما سيكون هذا الأمر محل اهتمام السفير الروسي الجديد في ليبيا.

4- استمرار نشاط المليشيات المسلحة: وهو ما يمثل أحد المحاور الأساسية للتفاعلات التي تجري على الساحة السياسية الليبية خلال المرحلة الحالية، في ظل الدور الذي تقوم به تلك المليشيات، التي تسعى بدورها إلى توجيه رسائل تفيد أنها ربما تتجه إلى عرقلة أية ترتيبات سياسية وأمنية يكون الهدف منها هو استبعادها من المشهد السياسي بشكل عام.

معادلة معقدة

في النهاية، من المتصور أن الحراك الحالي المتمثل في المشاورات التي يقوم بها رئيس المجلس الرئاسي مع باقي الفاعلين محلياً في ملف الأزمة، بالإضافة إلى احتمالات حلحلة الملفات العالقة بشكل مزمن بين مجلسي النواب والدولة كملفي المناصب السيادية والقاعدة الدستورية للانتخابات؛ قد يشكل خطوة في مسار انفراج الأزمة السياسية، لكن خبرة الأزمة السياسية الليبية تشير إلى أن حدوث انفراجة كاملة يتطلب استكمال باقي الخطوات حتى نهاية المطاف، وهي خطوات ترتبط بمعادلة معقدة ما بين الفاعلين المحليين والفاعلين من الخارج، مما يتطلب الوصول إلى تفاهمات الحد الأدنى بين أقطاب هذه المعادلة، وهي مسألة صعبة لكنها ليست مستحيلة.