حسابات خامنئي:
هل توجه إيران رسائل إقليمية عبر “شرعنة” احتجاز السفن؟

حسابات خامنئي:

هل توجه إيران رسائل إقليمية عبر “شرعنة” احتجاز السفن؟



لم يكن إعلان الحرس الثوري الإيراني، في 27 مايو الفائت، عن احتجاز سفينتين يونانيتين، بسبب مزاعم حول ارتكابهما “انتهاكات” و”مخالفة أصول الملاحة” في مياه الخليج العربي، في سياق رد إيران على إعلان السلطات اليونانية، قبل ذلك بيومين، عن أنها ستقوم بتسليم شحنة نفط إيرانية كانت على متن سفينة روسية احتجزتها في 19 أبريل الماضي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الخطوة الأولى من نوعها التي يقوم بها في هذا الصدد؛ لكن الجديد في الأمر هو أن يتدخل المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي ويضفي شرعية على هذا الإجراء، حيث قال، بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لوفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني في 4 يونيو الجاري، إن “البعض سرق النفط الإيراني على سواحل اليونان فقام الشجعان في إيران باحتجاز سفينتين يونانيتين”، مضيفاً: “اتهمونا بالسرقة، لكن من هو السارق هنا؟! من يستعيد ما سُرق منه ليس بسارق”.

دلالات عديدة

يطرح انخراط خامنئي، الذي يتولى المنصب الأهم داخل نظام الجمهورية الإسلامية، في الجدل الذي تتصاعد حدته بين إيران من جهة وكل من اليونان والدول الغربية بشكل عام من جهة أخرى حول احتجاز السفينتين اليونانيتين، دلالات عديدة لا تنفصل عن التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال الفترة الأخيرة، ويتمثل أبرزها في:

1- تزايد احتمالات استهداف مصالح قوى أخرى: ربما يكون احتجاز الناقلتين اليونانيتين مقدمة لاتخاذ الخطوة نفسها في التعامل مع قوى أخرى لديها مصالح في منطقة الخليج العربي، على نحو يوحي بأن إيران تسعى إلى استغلال ذلك في إطار ممارسة ضغوط قوية على الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تفرض عليها عقوبات منذ 7 أغسطس 2018، أنتجت تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الإيراني.

وقد كان لافتاً أن رئيس تحرير صحيفة “كيهان” حسين شريعتمداري -الذي كاد أن يتسبب في أزمة دبلوماسية بين إيران وكوريا الجنوبية، عندما دعا إلى احتجاز سفن الأخيرة في مياه الخليج العربي للضغط عليها من أجل الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة لديها وتصل قيمتها إلى نحو 7 مليارات دولار- عاد وجدد دعوته مرة أخرى، حيث قال في افتتاحية الصحيفة، في 28 مايو الفائت، بعنوان “وجاء دور كوريا الجنوبية!”، إن “الذي نأمله حالياً أن تقوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحيلولة دون مرور ناقلات النفط والسفن الحاملة للسلع التجارية لكوريا الجنوبية من مضيق هرمز ما دامت لم تَفِ بتسديد دينها لإيران والبالغ 7 مليارات دولار”.

2- توجيه تهديدات مباشرة لإسرائيل: تسعى إيران عبر إضفاء شرعية على هذه الخطوة إلى توجيه تهديدات مباشرة لإسرائيل، بأن التصعيد معها قد يتسع نطاقه خلال المرحلة القادمة، وربما يصل إلى مرحلة غير مسبوقة، مقارنة بما كان عليه في الشهور الماضية. وهنا، فإن استهداف المصالح الإسرائيلية في المياه الإقليمية والدولية، قد يكون أحد الخيارات التي سوف تتجه إيران إلى التعويل عليها بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة. صحيح أنها سبق أن استهدفت ناقلات إسرائيلية، على غرار السفينة “إم/تي ميرسر ستريت” التي تعرضت لهجوم قبالة سواحل عمان في 30 يوليو الماضي؛ لكن الصحيح أيضاً أن التصعيد قد يتخذ أنماطاً ومستويات غير معهودة في المواجهات المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين.

3- مواصلة الالتفاف على العقوبات الأمريكية: كان لافتاً أن إيران لم تتخذ قرارها باحتجاز السفينتين اليونانيتين إلا بعد أن أعلنت أثينا، في 25 مايو الفائت، أنها سوف تسلم شحنة النفط التي صادرتها من على متن السفينة الروسية التي احتجزتها، في 19 أبريل الماضي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا، فإن الدافع الرئيسي ليس مرتبطاً مباشرة باحتجاز السفينة الروسية في حد ذاتها، والتي كانت جنسيتها أحد المبررات التي استندت إليها السلطات اليونانية لإضفاء شرعية على قرارها، تنفيذاً لعقوبات الدول الغربية على روسيا بسبب الحرب التي تشنها ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي؛ وإنما يرتبط في المقام الأول بالجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تعقب المحاولات الإيرانية للالتفاف على العقوبات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بمواصلة تصدير النفط إلى الخارج.

وهنا، كان لافتاً أنه بالتوازي مع هذه الخطوة التي اتخذتها اليونان بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، أكدت إيران قدرتها على مواصلة تصدير النفط إلى الخارج، بل إنها كشفت عن أن الصادرات النفطية تجاوزت حاجز المليون برميل يومياً. ففي هذا السياق، قال مدير عام العلاقات العامة بوزارة النفط علي فروزنده، في 7 يونيو الجاري، إن العائدات التي حصلت عليها إيران من تصدير النفط خلال الشهرين الماضيين منذ بداية العام الإيراني الجديد (في 21 مارس الماضي) زادت بنسبة 60% عن الفترة نفسها من العام الماضي، مشيراً إلى أن صادرات إيران النفطية زادت إلى أكثر من مليون برميل يومياً.

ولذا، يمكن القول إن تصريحات خامنئي كانت موجهة في الأساس إلى الولايات المتحدة الأمريكية وليس إلى اليونان، باعتبار أن المواجهة الرئيسية مع الأولى، التي توجه إليها إيران انتقادات مباشرة بعدم القدرة على اتخاذ قرار سياسي يمكن أن يساعد في الوصول إلى الصفقة النووية التي تراجعت فرصها في ظل الخلافات القائمة بين الطرفين والتي أدت إلى توقف المفاوضات منذ 11 مارس الماضي.

4- رفع كُلفة التصعيد مع وكالة الطاقة الذرية: تتزايد احتمالات عدم انتهاء مفاوضات فيينا بصفقة يمكن أن تساعد في استمرار العمل بالاتفاق النووي، خاصة في ظل التوتر المتصاعد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ورغم أنه لم يتم الإعلان عن فشل المفاوضات حتى الآن، إلا أن تصريحات المسئولين الغربيين باتت تشير إلى هذا الاحتمال بقوة. فقد قال مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في 4 يونيو الجاري، إنه يعتقد أن فرص إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران تتراجع، فيما حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على تحميل إيران مسئولية ذلك، حيث أكد بيان رسمي أمريكي خلال اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 7 يونيو الجاري، أن “ما نحتاجه هو شريك لديه إرادة في إيران. وتحديداً فإن على إيران إسقاط مطالب رفع العقوبات التي تتجاوز بوضوح خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وهى المطالب التي تمنعنا الآن من التوصل إلى اتفاق”، في إشارة إلى مطلب إيران بشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية.

هنا، يمكن القول إن تهديدات إيران باحتجاز مزيد من السفن في منطقة الخليج العربي لا ينفصل عن تهديداتها المستمرة باتخاذ خطوات تصعيدية ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حالة ما إذا صدر قرار إدانة ضدها في اجتماع مجلس محافظي الوكالة، بسبب عدم تعاونها بشكل كافٍ مع الأخيرة، ولا سيما فيما يتعلق بالإجابة على تساؤلات حول وجود آثار يورانيوم في بعض المنشآت. وقد بدأت إيران في توجيه اتهامات إلى إسرائيل والدول الغربية بالمسئولية عن “تسييس” موقف الوكالة إزاءها، خاصة بعد أن طالبتها الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) بالتعاون مع الوكالة والإجابة على تساؤلاتها، وأكدت إسرائيل ضرورة إصدار تحذير واضح من جانب مجلس محافظي الوكالة ضدها. ويعني ذلك في المقام الأول أن ارتدادات هذا التصعيد مع الوكالة، إلى جانب الدول الغربية وإسرائيل، سوف تنعكس على الأرض في المنطقة بشكل مباشر.

أزمة متجددة

إن ما سبق يشير -في مجمله- إلى أنه سواء انتهت المفاوضات التي توقفت في فيينا بصفقة أو فشلت في النهاية، فإن أزمة الملف النووي الإيراني سوف تبقى قائمة، على نحو سوف يفرض انعكاسات مباشرة على خريطة التفاعلات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل الترابط القوي بين مفاوضات فيينا والملفات الإقليمية المختلفة، التي تشهد استحقاقات سياسية وأمنية عديدة في الفترة الحالية.