قيود الوساطة:
هل تنجح فرنسا في تهدئة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟

قيود الوساطة:

هل تنجح فرنسا في تهدئة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟



مع تعدد المساعي الدولية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل التي لا تزال تخطط لمواصلة عملياتها العسكرية التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي، ومنع توسيع الصراع في المنطقة إلى حرب إقليمية، في ظل التصعيد العسكري مع حزب الله على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية؛ تقدمت فرنسا بمقترح مكتوب لإنهاء الأعمال القتالية بينهما قبل تحولها إلى “مواجهة مدمرة وشاملة”، والتوصل إلى تسوية بشأن الحدود المتنازع عليها بين بيروت وتل أبيب.

وقد ذكرت تقارير لبنانية وفرنسية أن وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه قد سلم المقترح خلال زيارته الأخيرة لبيروت، في 6 فبراير الجاري، لكبار المسئولين اللبنانيين، بمن فيهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بما يحافظ على المصالح الفرنسية في لبنان، حيث لها ٢٠ ألف مواطن، بالإضافة إلى ٧٠٠ جندي يشاركون في بعثة حفظ السلام في جنوب لبنان.

عقبات عديدة

يواجه المقترح الفرنسي لتهدئة التوتر بين حزب الله اللبناني وإسرائيل جملةً من المعوقات التي تقوض من فرص باريس في إنجاح مهمتها لتسوية النزاع المحتدم على الحدود الجنوبية اللبنانية، ويتمثل أبرز تلك المعوقات فيما يلي:

1- تحفظ لبناني على البنود المطروحة: مع الإعلان عن تقديم فرنسا مقترحاً لتهدئة التوتر بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي، تصاعدت المواقف اللبنانية الرافضة لهذا المقترح. فقد رفض حزب الله الدخول في اتفاق نهائي حول وقف إطلاق النار على الحدود الإسرائيلية قبل توقف المعارك في قطاع غزة، وكذلك لتضمين المقترح هدم الحزب جميع المنشآت القريبة من الحدود، وسحب قواته المقاتلة الخاصة، ولا سيما مقاتلي وحدة “الرضوان” (وهي قوة النخبة التابعة للحزب)، من مواقعه في جنوب لبنان.

وتتحفظ بعض الأطراف اللبنانية على المقترح الفرنسي لأنه لم يتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، حيث يرى رئيس مجلس النواب نبيه بري أن المقترح الفرنسي يُعد خرقاً للقرار ١٧٠١ الذي يمثل الإطار الناظم لكل ما يجري على الحدود، ولذا دعا إلى العمل على تنفيذه بدلاً من وضع اقتراحات لتفاهمات جانبية أو اتفاقات بديلة.

2- الدعم الفرنسي المبكر لإسرائيل: يقوض الدعم الذي أظهرته القيادة الفرنسية في بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي، والتأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع توجيه إدانات قوية للعملية العسكرية التي نفذتها حركة حماس، والتي وصفتها بـ”الجماعة الإرهابية”؛ من الدور الفرنسي للتوسط بين حزب الله وإسرائيل لتهدئة التوتر، رغم التحول التدريجي في الموقف الفرنسي، والدعوة إلى وقف إطلاق النار، وإلى إقامة الدولة الفلسطينية.

ويتبنى عدد من السياسيين اللبنانيين مقاربة تقوم على أن المقترح الفرنسي لإنهاء الصراع بين حزب الله وإسرائيل منحاز لإسرائيل. فيما اعتبر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في خطاب متلفز بُثَّ في ١٣ فبراير الجاري، أن الجهود الأجنبية لإنهاء العنف عبر الحدود بين لبنان وإسرائيل تخدم المصالح الإسرائيلية، وأن إنهاء حرب غزة أمر أساسي لوقف الأعمال العدائية على الحدود.

3- تقدم دور الوسيط الأمريكي: تنخرط الولايات المتحدة الأمريكية في جهود لتهدئة التوتر بين لبنان وإسرائيل بعد نجاحها في التوصل إلى اتفاق أنهى النزاع البحري بين الطرفين. وتستند الإدارة الأمريكية إلى هذا النجاح في التوصل إلى اتفاقية حول الحدود البرية اللبنانية-الإسرائيلية، والتي من شأنها تهدئة التوتر بين الطرفين.

ولذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية تُصر على ممارسة الدور الرئيسي في ترسيم الحدود البرية، ولن تفرط واشنطن في التقدم الدبلوماسي الذي حققته لصالح باريس، في ظل رغبة الرئيس جو بايدن -الساعي لفترة رئاسية ثانية- في تحقيق إنجاز في أحد ملفات السياسة الخارجية يعزز من موقفه الانتخابي في وقت ترتفع فيه نسبة الرفض الداخلي حول إدارته للاقتصاد الأمريكي، وتقدم عمره وما يصاحبه من مشكلات صحية.

ويُضاف إلى ما سبق، أن المقترح الأمريكي لتهدئة التوتر، وفقاً لما أعلنه موقع “أكسيوس”، في 6 فبراير الجاري، قد يلقى قبولاً من حزب الله؛ حيث إنه من غير المتوقع أن تتطلب التفاهمات من الحزب تحريك جميع قواته شمال نهر الليطاني كما يتطلب القرار ١٧٠١، ولكن فقط على بعد 8 إلى 10 كم من الحدود الإسرائيلية. وفي المقابل، ستلتزم إسرائيل بسحب بعض القوات، معظمها من جنود الاحتياط، التي حشدتها على طول الحدود في الأشهر الأربعة الماضية.

4- إخفاق باريس في الملفات الأخرى: رغم الاهتمام الفرنسي المتزايد بلبنان، فإن باريس أخفقت في تحقيق انفراجة في عددٍ من الأزمات التي تواجهها لبنان، حيث أخفقت في التوصل إلى اتفاق سياسي جديد في لبنان في أعقاب تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس ٢٠٢٠، والذي كان أولوية فرنسية، والتوافق على انتخاب رئيس جديد بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر ٢٠٢٢، بجانب نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل إلى اتفاقٍ لبناني-إسرائيلي لإنهاء النزاع البحري، وهو ما يكشف عن حدود الدور الدبلوماسي الفرنسي في الأزمات اللبنانية في الوقت الراهن.

5- تعقيدات الأزمتين الإسرائيلية واللبنانية: يقلص الفراغ الرئاسي اللبناني والأزمات الداخلية المتعددة التي يواجهها النظام السياسي، وعدم التمكن من تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات التشريعية التي أُجريت في مايو ٢٠٢٢، وكذلك رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقيادات حكومته اليمينية في استمرار القتال لكونه يخدم مصالحهم، وتوسيع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية؛ من فرص نجاح باريس في التوصل إلى اتفاق لإنهاء المواجهات بين حزب الله وإسرائيل.

شراكة محتملة

رغم تعدد الجهود التي بذلتها فرنسا لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط الذي شهد تراجعاً بعد إخفاقاتها المتعددة في معالجة عددٍ من التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة عامة، وفي لبنان على وجه الخصوص، في مقابل تنامي النفوذ الأمريكي في دول وملفات كان لباريس -تقليدياً- الدور الأبرز فيها؛ فإن نجاح الجهود الفرنسية في التوصل إلى تهدئة بين حزب الله وإسرائيل، ومنع تحول المواجهات بينهما إلى حرب إقليمية، يتطلب من القيادة الفرنسية التنسيق مع القيادة الأمريكية التي تنخرط بكثافة في منطقة الشرق الأوسط بحثاً عن إنجاز يعزز من فرص بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة، بعد نجاح إدارته في إنهاء النزاع البحري بين إسرائيل ولبنان، وانخراطها المكثف في التفاوض على تسوية الخلاف البري بينهما.

علاوةً على ذلك، فإن احتمالات النجاح الفرنسي في وقف التصعيد بين حزب الله وإسرائيل قد لا يُترجم إلى سلام طويل الأمد، ولكن من الممكن أن تحقق باريس وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، أو تمنع التصعيد الفوري، دون أن ينفي ذلك أن معالجة القضايا الأساسية وتحقيق حل سلمي دائم قد يتطلب مشاركة إقليمية ودولية أوسع.