تحديات قائمة:
هل تنجح الهجمات الأمريكية في دحر تنظيم القاعدة باليمن؟

تحديات قائمة:

هل تنجح الهجمات الأمريكية في دحر تنظيم القاعدة باليمن؟



في 29 نوفمبر 2022، شن سلاح الجو الأمريكي غارة بالدرونز استهدفت قيادات من تنظيم القاعدة في مدينة مأرب شمال شرقي اليمن، ويأتي هذا ضمن سلسلة الغارات المتواصلة التي تُنفذها أمريكا بالطائرات بدون طيار بين حين وآخر لاستهداف معاقل وعناصر القاعدة في بعض المحافظات اليمنية التي يختبئ فيها التنظيم الإرهابي مثل شبوة وأبين ومأرب وحضرموت، وهو ما يعكس إصرار الولايات المتحدة على دحر نفوذ القاعدة في شبه الجزيرة العربية نظراً للتهديد الذي يُمثله لمصالح الغرب في المنطقة بأكملها، معتمدة على جملة من الأدوات لإنجاح استراتيجيتها، كالتعاون مع الحكومة اليمنية الشرعية وإمدادها بوسائل الدعم اللازمة، والاستفادة من تراجع الحاضنة القبلية لتنظيم القاعدة، والاستفادة من دور دول التحالف العربي في مساندة أمريكا لمكافحة القاعدة، إضافةً إلى التركيز على استهداف أبرز قيادات التنظيم الإرهابي.

فقد فعلت واشنطن منذ عام 2000 استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في اليمن، بعد شن عناصر من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هجوماً على المدمرة البحرية الأمريكية (يو إس إس كول) في خليج عدن، وهو ما نجم عنه مقتل 17 من عناصر الجيش الأمريكي وإصابة 39 آخرين، وأثار هذا الهجوم الإرهابي إدانات متعددة على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما دفع واشنطن بعدها بعامين لشن أول غارة بطائرة بدون طيار من “طراز بريداتور” كانت في نوفمبر 2002، نجم عنه مقتل 6 عناصر من التنظيم، إضافة لمقتل المدعو “قايد بن سالم الحارثي” المكنى “أبو علي الحارثي”، أحد أبرز قادة القاعدة والمخطط لعملية تفجير المدمرة الأمريكية.

ومن وقتها والإدارات الأمريكية المتعاقبة تضع استهداف القاعدة في جزيرة العرب ضمن أولوياتها الرئيسية، ومع ذلك فقد نجح الأخير خاصة بين عامي 2013 و2014، في إيجاد موطئ قدم له بالأراضي اليمنية بشن المزيد من العمليات الإرهابية النوعية داخل البلاد والتي تنوعت ما بين اغتيال بعض القادة العسكريين واقتحام السجون وتنفيذ هجمات انتحارية. وما أن اندلعت الحرب وسيطرت مليشيا الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء وانشغلت بعض القوى الدولية والإقليمية بمحاربة الحوثيين، حتى توسعت القاعدة في 2015 وضمت مساحات شاسعة شرقي اليمن، وسيطرت على مدينة المكلا الساحلية الاستراتيجية عاصمة محافظة حضرموت.

ورغم أن “تراين هايمرباك” رئيسة لجنة مجلس الأمن العاملة بشأن تنظيمي داعش والقاعدة، كشفت في يوليو 2022، أن تنظيم القاعدة لا يزال يتخذ من بعض المحافظات اليمنية معقلاً له كحضرموت والمهرة والجوف ومأرب وأبين وشبوة؛ إلا أنه وفقاً لعدد من المراقبين ليس بالقوة ذاتها التي تمتع بها قبيل اندلاع الحرب اليمنية، ويرجع هذا إلى أن ثمة أدوات اعتمدت عليها واشنطن لدحر نفوذ التنظيم الإرهابي أو على الأقل التقليل من فاعلية هجماته الإرهابية، يمكن توجيهها على النحو التالي:

اصطياد الرؤوس

1- التركيز الأمريكي على استهداف أبرز قيادات القاعدة: لدى واشنطن قناعة بأن استهداف رؤوس التنظيم سيسهم بدوره في إحداث أزمة قيادات وتصدعات داخل التنظيم مما قد ينعكس على معدل العمليات الإرهابية، وهذه النقطة نجحت في بعض الأوقات ولكنها لم تُضعف بالدرجة الكافية من الهيكل الداخلي للتنظيم وتثنيه عن ارتكاب عمليات إرهابية ذات تأثير، فحينما وجهت واشنطن ضربة للقاعدة في وقت كان يحقق فيه انتصارات كبيرة في 2015، بقتلها زعيمه -وقتها- “ناصر الوحيشي” بطائرة أمريكية بدون طيار، تراجعت قوة التنظيم بشكل نسبي، لرؤية بعض مقاتليه بأن نجاح واشنطن في استهداف الزعيم في ذلك الوقت يعني أنهم مكشوفون ومن السهل استهدافهم أيضاً، وهو ما وقع بالفعل ففي الفترة ما بين (أبريل – يوليو 2015) قتل سبعة من أبرز قيادات القاعدة بواسطة درونز أمريكية، وكان آخرهم زعيم التنظيم “قاسم الريمي” الذي قتل في غارة أمريكية فبراير 2020 وتولى “خالد باطرفي” قيادة القاعدة في جزيرة العرب، ليثبت أن التنظيم لا تزال لديه القدرة على البقاء والاستمرار رغم فقدانه أبرز قاداته على مدار السنوات الخمس الماضية.

الطائرات المسيرة

2- الاعتماد على الدرونز الأمريكية في الغارات الجوية: وجدت واشنطن أن الطائرات بدون طيار (الدرونز) تعد السلاح الأبرز الذي سيعطيها القدرة على تصويب الهدف بدقة نحو معاقل القاعدة، وعليه فإنه خلال السنوات الماضية اعتمدت واشنطن على الدرونز في غالبية الغارات التي شنتها لاستهداف التنظيم الإرهابي، فمن خلال طائرة درونز أمريكية نجحت (في 29 نوفمبر 2022) في استهداف عناصر من القاعدة في منزل بمديرية الوادي شرقي مدينة مأرب مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وانفجار المنزل من الداخل لاحتوائه على أسلحة.

وقد كشفت وسائل إعلام أمريكية في وقت سابق نقلاً عن مصادر عسكرية مطلعة أن الغارات الجوية التي نفذتها واشنطن بالاعتماد على المسيرات بلغت (32 غارة في 2016 – 131 غارة في 2017 – ثم 36 غارة في 2018). ورغم أن الدرونز الأمريكية فشلت في عامي 2013 و2014 في ضرب أهداف لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وشل حركته، لدرجة أن الأخير ادّعى أن لجوء الولايات المتحدة للدرونز دليل على فشل الحملات العسكرية التي شنتها القوات الخاصة الأمريكية ضده، إلا أنه فيما بعد نجح هذا السلاح في تحديد أهداف القاعدة بدقة، وهو ما نجم عنه خسارة التنظيم لعدد كبير من قياداته خلال الفترة الأخيرة.

تعاون خليجي

3- دعم دول التحالف في دعم الاستراتيجية الأمريكية: ساهم اندلاع “عاصفة الحزم” عام 2015، والدعم الذي قدمته دول التحالف سواء المملكة العربية السعودية أو الإمارات، في تحقيق واشنطن جملةً من الانتصارات على تنظيم القاعدة كان من أبرزها طرد الأخير من مدينة المكلا الساحلية بعد عام من سيطرته عليها. ويرجع هذا لأمرين، أولهما تقديم المملكة معلومات استخباراتية لواشنطن ساعدتها في الحرب على الإرهاب ضد القاعدة في جزيرة العرب واستهداف عدد من قياداتها البارزين، أما الأمر الثاني فهو شن القوات الجنوبية المدعومة من الإمارات عملية عسكرية ساهمت في تحرير المدينة الساحلية من قبضة القاعدة وإجباره على الانسحاب على غالبية المدن التي كانت موطئ قدم له إلى مناطق جبلية نائية بالمحافظات الجنوبية (مثل: مديرية المحفد في أبين، أو منطقة كور العوالق الممتدة بين محافظتي أبين وشبوة) معتقداً أن هذه الطريقة ستوفر له معاقل آمنة، وعليه فإن عملية “سهام الشرق” التي أطلقتها قوات العمالقة الجنوبية في أغسطس 2022، ساهمت في كسر شوكة تنظيمي القاعدة والإخوان (حزب الإصلاح اليمني) بمحافظة أبين الجنوبية.

دعم القبائل

4- استغلال واشنطن فقدانَ القاعدة للحاضنة القبلية: كان للقبائل في الماضي دور في دعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهذا الدعم استغله الأخير لصالح تحقيق مكاسب على الأرض من خلال إيجاد موطئ قدم وملاذ آمن في بعض المناطق الجبلية بعد طرده من المدن، وهو ما دفع واشنطن فور إعلان حربها على الإرهاب في الأراضي اليمنية إلى محاولة السيطرة على القبائل وتدشين “مشاريع ريفية” تبعدها عن هذا التنظيم وتوفر لهم سبل العيش التي لا تجعلها بحاجة إلى التنظيم الإرهابي. كما عملت أبوظبي عقب نجاح قواتها عام 2016 في إخراج القاعدة من المكلا، على حشد القبائل لصالح دعم عمليات مكافحة الإرهاب.

وتسبب هذا في فقدان التنظيم الإرهابي للحاضن القبلي المحلي الذي اعتبر التنظيم عدواً له لدعمه مليشيا الحوثي ورفضه مشاركة القبائل في البيضاء، لدرجة أن الأخير بدأ في توجيه التهديدات إلى أبرز الشخصيات القبلية في حال ساندوا أمريكا أو الجيش الوطني اليمني. ففي منتصف نوفمبر 2022، دعت القاعدة -في بيان لها- المواطنين للابتعاد عن دعم الحكومة الشرعية أو قواتها، بالقول: “العمليات التي ننفذها لا تستهدف أحداً لانتمائه لقبيلة ما، وإنما تأتي ضد كل من يقف في وجه مشروعنا حتى لو كانت القبائل”. وفي يونيو 2022، حذر التنظيم -في بيان له- رجال القبائل في محافظة أبين خاصة التي تقاتل ضد القاعدة، وذلك بعد دعمها القوات اليمنية في عملياتها العسكرية التي طردت التنظيم من المحافظة الجنوبية.

تعزيز الشرعية

5- التعاون مع الدولة اليمنية وإمدادها بالدعم اللازم: ساهمت الشراكة بين واشنطن والحكومة اليمنية الشرعية في مجال مكافحة الإرهاب خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ الولاية الأولى للرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما”، في استهداف بعض العناصر البشرية والمادية للقاعدة، إذ قدم “أوباما” مختلف أنواع الدعم سواء بالمال أو بالسلاح وحتى بتدريب القوات اليمنية، مما أدى إلى أمرين، أولهما: تركيز أمريكا على تقليل عملياتها العسكرية المباشرة والاعتماد على “الدرونز” بدلاً منها، أما الأمر الثاني فهو انسحاب عناصر من التنظيم الإرهابي من جبهات القتال مع قوات الجيش الوطني اليمني وإجبارهم على الذهاب لأماكن نائية، بل وعملت القوات الجنوبية بتوجيه من مجلس القيادة الرئاسي اليمني على دعم استراتيجية واشنطن في مكافحة الإرهاب، واستهدفت عناصر القاعدة في المحافظات الجنوبية رداً على تنفيذ الأخير خلال الأشهر القليلة الماضية لهجمات استهدفت الأمن والبنية التحتية العسكرية، وشن عمليات اغتيال للقوات اليمنية وأبرز القيادات التي تكن العداء للقاعدة.

تحديات قائمة

خلاصة القول، على الرغم من نجاح الاستراتيجية الأمريكية خلال السنوات الماضية في تكبيد القاعدة بشبه الجزيرة العربية بعض الخسائر البشرية والمادية بفضل تضافر الأدوات التي سبق ذكرها، وهو ما ساهم في تراجع قدرة التنظيم أحياناً؛ إلا أنه حتى الآن لا يزال فعالاً وذا تأثير في الأراضي اليمنية، ويرتكب بين الحين والآخر عمليات تهدد مصالح الدولة اليمنية، ويرجع هذا إلى جملة من التحديات، أولها: طبيعة أسلوب عمل تنظيم القاعدة منذ نشأته، إذ كان تراجعه عقب تلقيه خسائر كبيرة بشكل محسوب واستراتيجي حتى يستجمع قواه ليعاود الظهور بشكل أقوى، أما التحدي الثاني فهو الأزمة القائمة بين أطراف الصراع في اليمن، وهو ما نجم عنه في أوقات عدة حالة من “الفراغ الأمني” استغله التنظيم للتمدد والانتشار.

في حين أن التحدي الثالث كان بمثابة صفعة للحرب الأمريكية على الإرهاب وعقبة أمام الجهود الدولية الساعية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة اليمنية، وتمثل في عملية التعاون بين القاعدة والحوثي، خاصة فيما يخص صفقات عمليات تبادل الأسرى بين التنظيمين الإرهابيين، وتحديداً التي وقعت في سبتمبر 2019، وديسمبر 2021، وهو الأمر الذي ساهم في تعزيز صفوف القاعدة بمقاتلين جدد مكنته من التغلب على أزمة نقص التجنيد التي واجهته خلال السنوات الماضية.

استراتيجية الدحر

في النهاية، على واشنطن التأكد من أن إنهاء نفوذ القاعدة داخل وخارج اليمن لن يتحقق بدون إنهاء الأزمة اليمنية التي دخلت عامها الثامن، واستعادة مؤسسات الدولة، وفاعلية الأجهزة الأمنية العسكرية بحيث تكون تحت قيادة موحدة، وأن استراتيجيتها الحالية لن تنجح سوى في احتواء التنظيم وليس القضاء عليه كتهديد داخل وخارج المنطقة، وعليه لا بد من أن ينصب تركيز الإدارة الأمريكية برئاسة “جو بايدن” خلال الفترة المقبلة على وضع استراتيجية أوسع لدحر نفوذ القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتركيز على تطوير أساليبها وليس زيادة عدد الغارات، ومحاولة إيجاد تسوية سياسية للصراع اليمني القائم، فهذا هو الضمان في النهاية لمواجهة عنف الجماعات الإرهابية المنتشرة بالمنطقة، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على مليشيا الحوثي المدعومة من إيران والتي تشكل تهديداً لمصالح دول المجتمع الدولي خاصة في ظل تهديداتها المتواصلة للمنشآت النفطية الحيوية في وقت يعاني فيه العالم من أزمة في سوق النفط العالمي جراء الحرب الروسية الأوكرانية.